نقدّم في هذه المقالة لمحة عامّة عن إهمال الطفل وإساءة معاملته. تنطوي بعض العوامل التي تزيد من خطر إهمال الأطفال وإساءة معاملتهم على الفقر وتعاطي المخدّرات ومعاقرة الخمر واضطرابات الصحّة النفسية.

قد يبدو الأطفال، الذين تعرّضوا إلى الإهمال أو إساءة المعاملة متعبين أو جائعين أو متّسخين أو لديهم إصابات بدنية أو مشاكل عاطفية أو نفسية، أو قد يبدون طبيعيين بشكل كامل.

ينبغي الاشتباه في إساءة المعاملة عندما يشير نموذج الإصابة إلى أنّها لم تكن عرضية، أو عندما لا تتطابق الإصابات مع تفسير الطبيب المعالج، أو عندما لا يكون الأطفال قادرين على القيام بأشياء يُمكن أن تؤدي إلى إصابتهم، مثل أن يقوم رضيع بتشغيل الفرن، أو عندما يكون لدى الأطفال إصابات ملتئمة وإصابات جديدة لا تبدو أنّها عرضية.

ينبغي وقاية الأطفال من التعرّض إلى المزيد من الضرر عن طريق وسائل قد تنطوي على دور للخدمات الوقائية للأطفال وتقديم المشورة للآباء والأطفال، وتقديم المساعدة للعائلة من خلال توفير الرعاية الآمنة والملائمة.

ينطوي الإهمال على عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للأطفال، أي البدنية والطبّية والتعليمية والعاطفية.

ويمكن أن تكون إساءة المعاملة بدنية أو جنسية أو عاطفية، ويمكن أن تنطوي أيضا على إساءة معاملة الأطفال في المرافق الطبّية.

يحدُث إهمال الأطفال وإساءة معاملتهم مع بعضهما البعض غالبا ومع أشكال أخرى من العنف الأسريّ. 

وبالإضافة إلى الأذى المباشر، يزيد الإهمال وإساءة المعاملة من خطر المشاكل الطويلة الأمد، بما في ذلك مشاكل الصحّة النفسية وتعاطي المواد المخدّرة.

كما تترافق إساءة معاملة الأطفال بمشاكل في مرحلة البلوغ أيضا، مثل البدانة ومرض القلب والداء الرئويّ الانسداديّ المزمن.

يتأثّر الأولاد والبنات على حدّ سواء، ويواجه الرضّع والأطفال الصغار زيادة في خطر إساءة المعاملة.

  عوامل خطر إهمال الطفل وإساءة معاملته: 

ينجم الإهمال وإساءة المعاملة عن أسباب معقّدة من العوامل الفردية والأسرية والاجتماعية، ويمكن أن يؤدّي كون الوالد فقيرا أو لديه مشاكل تتعلّق بتعاطي المخدّرات، ومعاقرة الخمر، أو مشاكل نفسية، مثل اضطراب الشخصية أو نقص تقدير الذات، إلى أن يصبح أكثر ميلا لإهمال الطفل او إساءة معاملته.

كما أنّ البالغين الذين تعرّضوا إلى الاعتداء البدني أو الجنسي في أثناء الطفولة يكونون أكثر ميلاً لإساءة معاملة أطفالهم أيضا.

يكون الإهمال بشكل أكثر تكرارا باثنتي عشر مرّة عند الأطفال الذين يعيشون في ظلّ الفقر بالمقارنة مع الأطفال الذين يعيشون في بحبوحة.

كما يواجه الأشخاص الذين أصبحوا آباء لأوّل مرّة والآباء الذين لديهم العديد من الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 5 سنوات زيادة في خطر إساءة معاملة أطفالهم أيضًا. 

قد تُواجه النساء اللواتي لا يسعين للحصول على الرعاية قبل الولادة أو لديهنّ تاريخ من العنف العائليّ في أثناء الحمل، خطر إساءة معاملة أطفالهنّ.

في بعض الأحيان، لا تتشكّل الروابط العاطفية القويّة بين الآباء والأطفال، ويحدث هذا الضعف في الارتباط بشكل أكثر شيوعا مع الأطفال المرضى الذين جرى فصلهم عن آبائهم في مرحلة الطفولة المبكّرة، ويزيد هذا من خطر إساءة المعاملة.

على الرغم من أنّه تترافق إساءة المعاملة البدنية والعاطفية والإهمال مع الفقر وتدنّي الحالة الاجتماعية والاقتصادية، إلاّ أنّ جميع أنواع إساءة المعاملة بما فيها الاعتداء الجنسيّ، تحدث في جميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية.

هناك عدد من الأنواع المختلفة لإهمال الأطفال وإساءة معاملتهم، وتحدث الأنواع في نفس الوقت غالبًا.

الإهمال:

الإهمال هو الفشل في توفير أو تلبية احتياجات الطفل الأساسية من الناحية البدنية والعاطفية والتعليمية والطبّية، وقد يترك الوالدان الطفل في عهدة شخص يعرف بكونه معتديا، أو قد يتركون طفلا وحده من غير إشراف.

هناك أشكال عديدة للإهمال:

بالنسبة إلى الإهمال البدنيّ، قد يفشل الآباء في توفير ما يكفي من الطعام والملبس والمأوى والإشراف والوقاية من الأذى المحتمل.

أمّا بالنسبة إلى الإهمال العاطفي، فقد يفشل الآباء في توفير الحنان أو الحبّ أو أنواع أخرى من الدعم العاطفي.

قد يجري تجاهل الأطفال أو رفضهم أو منعهم من التفاعل مع الأطفال الآخرين أو البالغين.

وأمّا بالنسبة إلى الإهمال الطبيّ، فقد لا يتمكّن الوالدان من الحصول على رعاية مناسبة للطفل، مثل معالجة الإصابات أو اضطرابات الصحّة البدنية أو النفسية، وﻗﺪ يقوم الآباء بتأجيل الحصول على رعاية طبّية عندما يكون الطفل مريضاً، ممّا يضعه في مواجهة خطر أن تزداد شدّة المرض لديه وحتى الوفاة.

وبالنسبة إلى الإهمال التعليمي، قد لا يقوم الآباء بتسجيل الطفل في المدرسة، أو قد لا يتأكّدون من أنّ الطفل يذهب إلى المدرسة في بيئة مناسبة.

يختلف الإهمال عن إساءة المعاملة من ناحية أنّ الآباء لا يتعمّدون التسبّب بالضرر للطفل الذي يقومون برعايته عادة.

وينجُم الإهمال عادة عن عدّة عوامل، مثل سوء الأبوّة، وضعف المهارات في التعامل مع الأزمات.

يحدث الإهمال غالبا في الأسر الفقيرة التي تتعرّض إلى الأزمات المالية والبيئية، خصوصا الأسر التي يعاني الآباء فيها من اضطرابات نفسية أيضا، عادةً الاكتئاب أو الاضطراب ثنائيّ القطب أو الفصام، أو تعاطي المخدّرات أو معاقرة الخمر، أو لديهم ضعف في القدرات الفكرية.

 قد يواجه الأطفال في الأسر التي يعيلها شخص واحد خطر الإهمال بسبب انخفاض الدخل وقلّة الموارد المتاحة.

  الاعتداء الجسديّ: 

الاعتداء الجسديّ هو إساءة معاملة الطفل بدنيا أو التسبّب بالضرر له، بما في ذلك إيقاع الأذى بسبب العقوبة البدنية المفرطة، وتنطوي الأمثلة على خضّ الطفل وإسقاطه وضربه وعضّه وحرقه، على سبيل المثال عند تعريضه إلى حرارة عالية أو حرقه بالسجائر. 

قد يتعرّض الأطفال في أيّ عمر إلى الاعتداء الجسديّ، ولكن يكون الرضّع و الأطفال عرضة بشكل خاصّ لهذه المشكلة، حيث يواجهون بشكل خاصّ خطر تكرار نوبات الاعتداء لأنّهم غير قادرين على التعبير عن أنفسهم. 

يعدّ الاعتداء الجسديّ السبب الأكثر شيوعا للإصابة الخطيرة في الرأس عند الرضّع.

وتعدّ إصابات البطن الناجمة عن الاعتداء الجسديّ أكثر شيوعا بين الأطفال بالمقارنة مع الرضّع. 

يأتي الاعتداء الجسديّ، بما في ذلك القتل، ضمن الأسباب العشرة الرئيسية للوفاة عند الأطفال. 

وبشكل عام، ينخفض خطر الاعتداء الجسديّ للطفل في أثناء السنوات الدراسية الأولى.

وتُسهم الأزمة التي تمرّ بها العائلة في الاعتداء الجسدي، قد تنجم الأزمة عن البطالة أو التغيير المتكرّر لمكان السكن أو العزلة الاجتماعية عن الأصدقاء أو أفراد العائلة، أو عن العنف الأسريّ المستمرّ. 

يكون الطفلُ السريع الانفعال أو مفرط النشاط أو الذي لديه احتياجات خاصّة كأن يكون لديه إعاقة نمائية أو بدنية أكثر ميلا لأن يتعرّض إلى الاعتداء الجسديّ.

غالبا ما يجري الاعتداء الجسديّ عن طريق أزمة تمرّ بها العائلة وقد تكون الأزمة هي فقدان وظيفة، أو وفاة في العائلة، أو مشكلة تتعلّق بالانضباط. 

قد یتصرّف الآباء الذين يتعاطون المخدّرات، أو يعاقرون الخمر بشكل متهوّر وغير مضبوط اتّجاه أطفالھم، كما أنّ الأطفال الذين يعاني آباؤهم من مشاكل في الصحّة النفسية يواجهون زيادة في خطر الاعتداء أيضًا.

قد لا يكون الآباء الذين تعرّضوا إلى الإهمال أو إساءة معاملتهم عندما كانوا أطفالا ناضجين عاطفيا، أو قد يكون لديهم نقص في تقدير الذات.

الاعتداء الجنسيّ:

يعدّ أيّ تصرّف مع طفل يهدف إلى الإشباع الجنسيّ لشخص بالغ أو طفل راشد اعتداء جنسيّا، وينطوي هذا على:

– لمس الطفل بنيَّة جنسية، (تحرّش جنسيّ).

– عرض صور إباحية للطفل.

– استخدام الطفل في إنتاج صور إباحية.

يكون معظم الجناة من الأشخاص الذين يعرفهم الطفل، بينما من الأقل شيوعا أن يكون الجناة من الإناث.

سوء المعاملة العاطفية: 

يُعدّ استخدام كلمات أو أفعال لإساءة معاملة الطفل نفسيا سوء معاملة عاطفية، ويجعل سوء المعاملة العاطفية الأطفال يشعرون بأنّ لا قيمة لهم، أو أنّ لديهم عيبا أو غير محبوبين أو غير مرغوب فيهم أو أنّهم في خطر أو أنّ قيمتهم تكمن فقط عند تلبية احتياجات شخص آخر.

ينطوي سوء المعاملة العاطفية على:

– التوبيخ العنيف بالصياح أو الصراخ.

– الاستهانة بقدرات الطفل وإنجازاته.

– تشجيع السّلوك المنحرف أو الإجراميّ، مثل ارتكاب الجرائم أو معاقرة الخمر أو تعاطي المخدّرات.

– التنمّر أو التهديد أو تخويف الطفل.

العوامل الثقافية: 

تنطوي الثقافات المختلفة على طرائق مختلفة لتأديب الأطفال، فبعضها يستخدم العقاب البدنيّ، ويعني هذا أيّة عقوبة بدنية تسبّب الألم.

ويعدّ العقاب البدنيّ الشديد الذي ينطوي على الجلد والحرق اعتداء بدنيّا، ولكن بالنسبة إلى العقاب البدنيّ بدرجات أقلّ، مثل الضرب على الأرداف فهذا لا يعدّ عقابا بدنيّا.

ويرى بعض الخبراء أن العقاب البدنيّ الذي يحدث في حالة من الغضب، أو الذي يهدف إلى إيذاء الطفل أو الذي يؤدّي إلى إصابات واضحة، غير جائز في أيّة ثقافة.

أعراض: 

تختلف أعراض الإهمال وسوء المعاملة بشكل جزئيّ استنادا إلى طبيعة ومدّة الإهمال أو سوء المعاملة، وإلى الطفل وإلى الظروف الخاصّة. 

وبالإضافة إلى الإصابات الجسدية الواضحة، تنطوي الأعراض على مشاكل عاطفية ومشاكل الصحّة النفسية، وقد تحدث هذه المشاكل مباشرة أو لاحقا، وقد تستمرّ إلى فترة أطول.

في بعض الأحيان، يبدو أنّ لدى الأطفال الذين تعرّضوا إلى سوء المعاملة أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط ADHD، ويجري تشخيصها عن طريق الخطأ على أنَّها هذا الاضطراب.

  التّشخيص:

بالنسبة إلى الاعتداء البدنيّ، تجرى فحوصات مخبريّة أو فحوصات تصويريّة أحيانا، مثل الأشعَة السينية والتصوير المقطعيّ.

بالنسبة إلى الاعتداء الجنسيّ، تستخدم اختبارات للتحرّي عن العدوى وأحيانا جمع عيّنات من سوائل الجسم والشعر والمواد الأخرى للحصول على أدلّة.

وغالبا ما يتردّد الأطفال الذين تعرّضوا إلى الاعتداءِ البدنيّ والجنسيّ في الإدلاء بمعلومات حول إساءة معاملتهم بسبب العار أو التهديدات بالانتقام.

يستطيع الأطفال الذين تعرّضوا إلى الاعتداء البدنيّ، ولديهم القدرة على التحدّث بشكل جيّد، التعرّف إلى من اعتدى عليهم ووصف ما حدث لهم إذا جرى سؤالهم مباشرة.

ولكن، قد يكون الأطفال الذين تعرّضوا إلى الاعتداء الجنسيّ أصرّوا على عدم البوح بالأمر.

الوقاية: 

إنّ أفضل طريقة للوقاية من إساءة معاملة الطفل وإهماله هي إيقاف حدوثهما قبل بدئها، وتعدّ البرامج التي توفّر الدعم للآباء وتعلّمهم مهارات إيجابية في تربية الأطفال مهمّة جدا وضرورية.

يستطيع الآباء تعلّم كيفية التواصل بشكل إيجابيّ والانضباط الملائم والاستجابة إلى حاجات أطفالهم الجسدية والعاطفية، كما تساعد برامج الوقاية من إساءة معاملة الأطفال وإهمالهم على تحسين العلاقات بين الآباء وأطفالهم أيضا، وتقدّم دعما اجتماعيّا للآباء.

بقلم Alicia R. Pekarsky بتصرّف

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.