سوف نجيب هنا عن السؤال: كيف تعالج فلتات لسان طفلك. عندما يبدأ ابنك بتلفّظ كلمات نابية محرجة، تنمّ عن وقاحة وسخرية وبذاءة .. ينشأ لدى الوالدين شعور بالأسف والألم اتّجاه سلوك الابن غير الواعي بما يخرج من فمه من ألفاظ مزعجة.

والحقيقة التي لا ينبغي تجاهلها أنّ الألفاظ اللغوية لدى الطفل يكتسبها فقط من خلال محاولته تقليد الغير.

لذلك كان لزاما على الوالدين مراقبة عملية احتكاك الطفل ابتداء بعلاقاته الإنسانية واللغة المتداولة بين من يختلطون بالأسرة عمومًا وبالطفل خصوصا ومراقبة البرامج الإعلامية التي يستمع إليها ويتابعها، والأهمّ من ذلك اللغة المستعملة من طرف الوالدين اتّجاه أبنائهما وفيما بينهما.

 الوقاية من المشكلة

1ـ عامل الطفل كما تحبّ أن تعامل وخاطبه باللغة التي تحبّ أن تخاطب بها.

2ـ استعمل اللغة التي ترغب أن يستعملها أبناؤك.

من هنا البداية وهكذا يتعلم الطفل.

قل “شكرًا” و”من فضلك” و “لو سمحت” و “أتسمح” و”اعتذر”.. يتعلّمها ابنك منك .. مهمّ أن تقولها والأهمّ كيف تقولها؟ قلها وأنت مبتسم بكلّ هدوء وبصوت منسجم مع دلالات الكلمة…

3ـ تأكّد أنّ اللفظ ـ فعلاً ـ غير لائق: حتى لا تنجم عن ردّة فعلك سلوكيات شاذّة وألفاظ أشدّ وقاحة تأكّد فعلاً أنّ اللفظ غير لائق وليس مجرّد طريقة التلفّظ هي المرفوضة..

فمثلاً لو نطق بكلام وهو يصيح، أو يبكي، أو يعبّر عن رفضه ومعارضته كقوله: “لا أريد” “لماذا تمنعونني” “لماذا أنا بالضبط” وهذه كلّها كلمات تعبّر عن رأي وليس تلفّظًا غير لائق.

فعملية التقويم تحتاج إلى تحديد هدف التغيير وتوضيحه للطفل. هل هو اللفظ أو الأسلوب؟

4ـ راقب اللغة المتداولة في محيطه الواسع.

كيف تعالج المشكلة؟

1ـ لا تهتمّ بشكل كبير بهذه الألفاظ: حاول قدر المستطاع عدم تضخيم الأمر ولا تعطه اهتمامًا أكثر من اللازم، تظاهر بعدم المبالاة حتى لا تعطي للكلمة سلطة وأهمّية وسلاحًا يشهره الطفل متى أراد سواء بنيّة اللعب والمرح أو بنيّة الردّ على سلوك أبوي لا يعجبه.

وبهذا تنسحب من الساحة.. اللعب بالألفاظ بمفرده ليس ممتعًا إذا لم يجد من يشاركه.

2ـ مدح الكلام الجميل: علّم ابنك ما هو نوع الكلام الذي تحبّه وتقدّره ويعجبك سماعه على لسانه .. أبد إعجابك به كلّما سمعته منه.. عبّر عن ذلك الإعجاب بمثل “يعجبني كلامك هذا الهادئ” “هذا جميل منك” “كلام من ذهب”.

3ـ علّمه فنّ الكلام: علّمه مهارات الحديث وفنّ الكلام من خلال الأمثلة والتدريب وعلّمه الأسلوب اللائق في الردّ .. “لا يهمّني” تعبير مقبول لو قيل بهدوء واحترام للسامع .. وتصبح غير لائقة لو قيلت بسخرية واستهزاء بالمستمع.

4ـ حوّل اللفظ بتعديل بسيط: لو تدخّلت بعنف لجعلت ابنك يتمسّك باللفظ ويكتشف سلاحًا ضدّك أو نقطة ضعف لديك .. ولكن حاول بكلّ هدوء اللعب على الألفاظ بإضافة حرف أو حذفه، أو تغيير حرف، أو تصحيح اللفظ لدى الطفل موهمًا إيّاه بأنّه أخطأ، فلو كانت مثلاً كلمة “قلعب” غير لائقة فقل له: لا وإنّما تنطق “ملعب” وهكذا.

إنّ من أكثر ما يعانيه الآباء والأمّهات تلفّظ أبنائهم بألفاظ بذيئة وكلمات نابية ويحاولون علاجها بشتّى الطرق.

ومن أهمّ طرق العلاج هي توجيه شحنات الغضب لدى الأطفال حتى يصدر عنها ردود فعل صحيحة ويعاد الطفل ويتدرّب على توجيه سلوكه بصورة سليمة، ويتخلّص من ذلك السلوك المرفوض.

و للوصول إلى هذا لابد من اتباع التالي:

1. التغلّب على أسباب الغضب:  فالطفل يغضب وينفعل لأسباب قد نراها تافهة كفقدان اللعبة أو الرغبة في اللعب الآن أو عدم النوم وعلينا نحن الكبار عدم التهوين من شأن أسباب انفعاله هذه، فاللعبة بالنسبة له مصدر متعة ولا يعرف متعة غيرها، فعلى الأب أو الأمّ أن يهدّئ من روع الطفل ويذكر له أنّه على استعداد لسماعه وحلّ مشكلاته وإزالة أسباب انفعاله وهذا ممكن إذا تحلّى بالهدوء والذوق في التعبير عن مسبّبات غضبه.

 2. إحلال السلوك القويم محلّ السلوك المرفوض:

– البحث عن مصدر الألفاظ البذيئة في بيئة الطفل سواء من [الأسرة ـ الجيران ـ الأقران ـ الحضانة].

ـ يعرف الطفل عن مصدر الألفاظ البذيئة.

ـ إظهار الرفض لهذا السلوك وذمّه علنًا.

ـ التحلّي بالصبر والهدوء في علاج المشكلة.

ـ مكافأة الطفل بالمدح والتشجيع عند تعبيره عن غضبه بطريقة سليمة.

ـ إذا لم يستجب الطفل بعد 4 ـ 5 مرات من التنبيه يعاقب بالحرمان من شيء يحبه.

ـ يعوّد على “الأسف” كلّما تلفّظ بكلمة بذيئة ويكون هنا الأمر بنوع من الحزم والاستمرارية والثبات.

ـ أن يكون الوالدان قدوة صالحة لطفلهما وأن يبتعدا عن الألفاظ البذيئة.

ـ تطوير مهارة التفكير لدى الطفل وفتح أبواب للحوار معه من قبل الوالدين، فهذا يولد لديه قناعات ويعطيه قدرة على التفكير في الأمور قبل الإقدام عليها.

            لماذا تؤدّي أشياء صغيرة كهذه إلى فروقات مهمة في النتائج؟

إن السرّ يكمن في الطريقة التي يعمل بها عقل الإنسان.

إذا قدّم إليك شخص ما مليون دينار على ألا تفكّر بقرد أزرق لمدّة دقيقتين فإنّك لا تستطيع ذلك (جرّب ذلك الآن إن كنت لا تصدّقنا).

إذا قلنا لطفل :” لا تسقط عن الشجرة” فإنّه عندئذٍ سوف يفكّر في شيئين: (لا) و(تسقط عن الشجرة).

ونظرا لأنّنا استخدمنا هذه الكلمات، فإنّها خلقت هذه الصورة آليا… وهكذا فإنّ الطفل الذي يتخيّل أنّه يسقط عن الشجره يميل إلى فعل ذلك.

ولذا كان من الأفضل استخدام تعبير إيجابي: “تمسّك بالشجرة جيدا” “ركز ذهنك فيما تفعله”.

هناك عشرات الفرص لتفعل مثل ذلك بشكل صحيح.

فبدلا من أن تقول “لا تجر أمام السيارات”، من الأفضل أن تقول: “ابق بقربي على الرصيف” وبهذا يتخيّل الطفل ما ينبغي عمله وليس ما لا يجب فعله.

قدّم للأطفال تعليمات واضحة حول الطريقة الصحيحة لعمل الأشياء.

اجعل أوامرك محدّدة: “فاطمة تمسّكي جيّدا جيّدا بكلتا يديك بحافّة القارب” حيث أنّ هذه العبارة أشدّ قوّة وتأثيرا من  “إيّاك أن تسقطي” والأسوأ من ذلك أن تقول: “كيف تعتقدين أنّني سأشعر لو رأيتك تغرقين؟”

إنّ التغيير طفيف لكن الفرق واضح.

كما أن تعلّم الحديث هكذا لا يحدث بالطبع بلمسة سريعة فأنت ما زلت بحاجة إلى الفعل والتنفيذ لدعم نفسك.. ولا شكّ في أنّك باللجوء للتعبير الإيجابي، سوف تساعد أطفالك على التفكير والعمل بطرق إيجابية، وعلى الإحساس بكفاءتهم في مواقف عديدة، نظرا لأنّهم يعرفون ما يفعلون، وليس لديهم أيّ خوف ممّا يتوجّب عليهم ألا يفعلوه.

التربية بالحبّ ومن خلال الفهم هي التي تصنع أبناء صالحين.

هل نضرب أبنائنا؟

الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما ضرب قطّ.

إنّ الاستدلال بحديث الضرب مطلوب بفهم الحديث فهما شموليا، والمطلوب كذلك الاستدلال واستحضار أنّه صلّى الله عليه وسلّم ما ضرب شيئا قطّ بيده، ولا امرأة،  ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله.

وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عزّ وجلّ .

التأديب بالاحترام والتقدير والمحبّة والثقة لا بالخوف والهيبة

تقول إحدى الأمّهات التي اعتادت معاقبة ابنها بالضرب لتعديل سلوكه: “نعم كنت أضربه باستمرار، وفي كلّ وقت أواجهه فيه كان يغدو أسوأ ممّا كان، ويعود إلى السلوك نفسه في نهاية الأسبوع”.

الضرب أسلوب انهزامي.

ضرب الطفل الصغير على سلوكيات مزعجة مثل العناد وإزعاج الضيوف أسلوب انهزامي من الكبار وسياسة غير صحيحة في التربية لأنها وسيلة المتسرّع ومن لايملك الأساليب التربوية الناجحة ومن لا يقدر على التحكّم في انفعالاته وضبط غضبه.

من أضرار الضرب 15 نتيجة سلبية:

 1. ضرب الطفل يولد كراهية لديه تجاه ضاربه ممّا يقتل المشاعر الإيجابية المفترض أن تجمع بينهما وتقرّبهما من بعض.

 2. اللجوء إلى الضرب يجعل العلاقة بين الطفل وضاربه علاقة خوف لا احترام وتقدير.

 3. الضرب ينشئ أبناء انقياديين لكلّ من يملك سلطة وصلاحيات أو يكبرهم سنا أو أكثرهم قوة.. هذا الانقياد يضعّف الشخصية لدى الأبناء ويجعلهم شخصية أسهل للانقياد والطاعة العمياء، لاسيما عند الكبر مع رفقاء السوء.

 4. الضرب يقتل التربية المعيارية القائمة على الاقتناع وبناء المعايير الضرورية لفهم الأمور والتمييز بين الخطأ والصواب والحقّ والباطل.

 5. الضرب يلغي الحوار والأخذ والعطاء في الحديث والمناقشة بين الكبار والصغار ويضيع فرص التفاهم وفهم الأطفال ودوافع سلوكهم ونفسياتهم وحاجاتهم.

6. الضرب يفقر الطفل ويحرمه من حاجاته النفسية للقبول والطمأنينة والمحبّة.

 7. الضرب يعطي أنموذجا سيّئا للأبناء ويحرمهم من عملية الاقتداء.

 8. الضرب يزيد حدّة العناء عند غالبية الأطفال ويجعل منهم عدوانيين.

 9. الضرب قد يضعف الطفل ويحطّم شعوره المعنوي بقيمته الذاتية فيجعل منه منطويا على ذاته خجولا لا يقدر على التأقلم والتكيّف مع الحياة الاجتماعية.

 10. الضرب يبعد الطفل عن تعلّم المهارات الحياتية (فهم الذات – الثقة بالنفس – الطموح – النجاح..) ويجعل منه إنسانا عاجزا عن اكتساب المهارات الاجتماعية و التعامل مع الآخرين أطفالا كانوا أم كبارًا.

 11. اللجوء إلى الضرب هو لجوء لأدنى المهارات التربوية وأقلها نجاحًا.

 12. الضرب يعالج ظاهر السلوك ويغفل أصله .. ولذلك فنتائج الضرب عادة ما تكون مؤقّتة ولا تدوم عبر الأيام.

 13. الضرب لا يصحّح الأفكار ولا يجعل السلوك مستقيمًا.

 14. الضرب يقوّي دافع السلوك الخارجية على حساب الدافع الداخلي الذي هو الأهمّ دينيا ونفسيا..فهو يبعد عن الإخلاص ويقرّب من الرياء والخوف من الناس .. فيجعل الطفل يترك العمل خوفا من العقاب، ويقوم بالعمل من أجل الكبار… وكلاهما انحراف عند دوافع السلوك السويّ الذي ينبغي أن يكون نابعًا من داخل الطفل (اقتناعا – حبّا – إخلاصا – طموحا – طمعا في النجاح وتحقيق الأهداف وخوفا من الخسارة الذاتية).

 15. الضرب قد يدفع الطفل إلى الجرأة على الأب والتصريح بمخالفته والإصرار على الخطأ.

و هكذا نكون قد أجبنا عن السؤال: كيف تعالج فلتات لسان طفلك؟

بقلم د. مصطفى أبو سعد

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو Fleur-7.png

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.