يتناول هنا الخبير التربوي الدكتور جاسم المطوع موضوع رباعية التعامل مع أخطاء أبنائنا و يبيّن المنهجيّة الصحيحة في ذلك.

“التربية الملائكية” هي من أكبر الأخطاء التربوية، ونقصد بها التربية المثاليّة التي ينظر فيها الوالدان إلى أبنائهما على أنّهم ملائكة لا يخطئون، فإذا أخطؤوا سبّب ذلك لهما صدمة وانزعاجا. 

فأخطاء الصغار كأن يرفض الطفل الأوامر أو يضرب إخوانه أو يتلفّظ بألفاظ بذيئة كالسب والشتم. 

أمّا الكبار فمن أخطائهم تحايلهم و مراوغتهم وقت الدراسة وتأخير الصلاة وعدم الالتزام بها، و إظهار السمع والطاعة لكلام الوالدين بينما هم يفعلون عكس ذلك. 

فإذا ما كبر الطفل وصار مراهقا فإنّ الوالدين ينزعجان كثيرا لو اكتشفا أنّه يرتكب خطأ سلوكيّا أو يفعل ذنبا مع أصدقائه أو معصية سرّية بغرفته أو في جوّاله. 

فهذه بعض الأمثلة التي توتّر الوالدين في علاقتهما مع أبنائهما.

وقد مرّت عليّ قصص كثيرة رأيت فيها قطعا للعلاقات بين الوالدين وأبنائهما بسبب خطأ ارتكبوه أو ذنب عملوه. 

ولعلّ من أغرب القضايا التي مرّت عليّ أنّ أمّا قطعت علاقتها بابنتها لمدّة خمس سنوات بسبب مماطلة الفتاة بارتداء حجابها. 

وقطع أب علاقته بابنه المراهق ستّ سنوات لأنّه تارك للصلاة ولديه علاقات نسائية.

 وقطع والدان علاقتهما بابنهما عشر سنوات لأسباب تافهة لا تذكر، وغيرها من القصص التي يتّخذ فيها الآباء عقوبة ظالمة كالقطيعة ويعتقدون أنّ هذه العقوبة ستنقل الطفل من بشريّته إلى أن يصبح ملكا.

أنا لا أدعو في هذا المقال إلى ترك توجيه الأبناء إذا أخطؤوا أو إلى الفرح بأخطائهم، ولكنّي أدعو إلى الواقعيّة وعدم المثاليّة في نظرتنا لأبنائنا، لأنّ نظرتنا المثاليّة تجعلنا دائميّ التوتّر والعصبيّة لكلّ خطأ يفعلونه. 

وتجعلنا كذلك سريعيّ العقوبة والحرمان لأقلّ خطأ يرتكبونه، فلا نعطيهم فرصة لتصحيح الخطأ، ولا نعطي أنفسنا فرصة لتعليمهم كيف يتجاوزون الخطأ. 

فالتربية الملائكيّة تحرمنا من كلّ هذه الفرص التربويّة، ورسولنا الكريم علّمنا منهج قيم فنّ التعامل مع بشريّتنا بقوله “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم”.

فلماذا نقبل تطبيق هذا المنهج التربويّ على أنفسنا ولا نقبله لأبنائنا. ولماذا لا نربّي أبناءنا عليه ؟ 

فليس الخطأ في ارتكاب الخطأ وإنّما الخطأ في الاستمرار على الخطأ. 

فنحن لسنا كالنصارى لا نغفر الخطأ إلاّ عند قسّيس بيده مفتاح الجنّة، بل يجب أن نربّي أطفالنا على المبادرة بالتوبة إذا كان الخطأ في حقّ الله، والمبادرة بالاعتذار إذا كان الخطأ في حقّ الناس. 

فهذه هي التربية الصحيحة وليست التربية الملائكيّة. 

ولهذا نلاحظ أنّ القرآن الكريم ذكر لنا أخطاء ارتكبها الأنبياء عليهم السلام في لحظات ضعفهم، ليوصل لنا رسالة مفادها أنّنا بشر ومعرّضون للخطأ والضعف. 

فقد قال الله عنهم “وعصى آدم ربّه فغوى”. 

ونوح “قال ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم”. 

و داود “وظنّ داود أنّما فتنّاه”. 

وسليمان “ولقد فتنّا سليمان”. 

ويوسف “ولقد همّت به وهمّ بها “. 

وموسى “قال ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي”. 

ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم ورد في حقّه “عبس وتولّى أن جاءه الأعمى”. 

ومن الصحابة من شرب الخمر وهو يعلم بحرمتها مثل نعيمان بن عمرو الأنصارّي رضي الله عنه وقد أقام النبيّ صلّى الله عليه و سلّم عليه حدّ شرب الخمر. 

وكذلك قدامة بن مظعون رضي الله عنه وقد أقام عمر الفاروق رضي الله عنه عليه الحدّ كذلك وكلاهما قد شهد غزوة بدر.

كلّ هذه الأمثلة من القرآن وسيرة الصحابة ترشدنا إلى المنهج التربويّ الصحيح بقواعده الأربعة وهي:

أوّلا: أنّ الأصل أن نربّي أبناءنا على الاستقامة ونقبل خطأهم إذا أخطؤوا.

ثانيا: نعلّم أبناءنا في حالة ارتكاب الخطأ أن يبادروا بالتوبة أو الاعتذار.

ثالثا: نعلّم أبناءنا أن لا يرتكبوا الخطأ في العلانية وإنّما يسترون على أنفسهم ويعملونه في السرّ إذا صمّموا على فعله.

رابعا: نعلّم أبناءنا أن يستعينوا بخبراء أو مستشارين أو بأحد الوالدين ليساعدوهم في تجاوز الخطأ.

فهذه هي رباعية التعامل مع أخطاء أبنائنا، وأهمّ قاعدة أن نتجنّب قطيعتهم كما تجنّبها يعقوب عليه السلام مع أبنائه عندما ألقوا أخاهم يوسف في الجبّ.

بقلم الدكتور جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.