موضوع مقالنا اليوم بعنوان بس تربية و يجيب فيه الدكتور إياد قنيبي عن إثنتا عشرة سؤالا و هي معطاة كما يلي:

 1. لماذا أنجب أصلاً وأتحمّل التعب؟ هل لمجرّد أن أبدو طبيعية كباقي الناس؟

 2. هل الأولاد نعمة بالفعل وهم في صغرهم مصدر إرهاقي وشدّ أعصابي، ثمّ إذا كبروا قليلا عاشوا في عالمهم الخاصّ في عزلة عنّي، ثمّ إذا استقلّوا وتركوا البيت تركوني لحزني واكتئابي ولزوج توتّرت علاقتي به لأجلهم؟

 3. هل يُعقل أن أرسل أبنائي للمدرسة حتى إن أحسست أنّها لا تقوم بدورها لكن حتى “أرتاح من دوشتهم” لبضع ساعات أشوف فيها حالي شوية؟

 4. تقولون أنّ من أهمّ أعمال المرأة تربيةَ أبنائها. “بس تربية”؟ قدراتي وطاقاتي و وقتي ومواهبي أَشْغَل معظم ذلك بالتربية فقط؟

 5. ألا يكفي أنّي وضعت أولادي في مدرسة نصرف عليها مبالغ ضخمة؟

 6. إذا أردت أن أبرّئ ذمّتي تجاه أولادي، ما الأمور التربوية التي يمكن أن أذهب بها إلى المدارس عند تسجيل أبنائي واسألهم عن برامجهم لتحقيقها؟

 7. ما هي قصّة الطبيبين اللذَين كانا يعطيان مرضى السرطان ماء وملحاً؟ وما علاقة ذلك بالتربية؟

 8. تحذّروننا من الألعاب الإلكترونية وتوفير الموبايلات للأولاد يفتحون فيها على ما شاؤوا..طيّب وكيف أملأ فراغهم؟ هل المطلوب أن أملأ فراغهم كلّه بنفسي وأنسى حالي؟

 9. ماذا إذا كنت لا أجد نفسي في زوجي وأولادي؟ وإنما في العمل التطوّعي والتثقيفي بل والدعوي، أليست هذه أهدافاً سامية؟

 10. زوجي لا يتعاون معي على تربية أولادنا…هل من العدل أن أتحمّل الحمل وحدي؟

 11. حاولت أن أصلح ابني أو بنتي لكنّه ضلّ وانحرف، وأنا محبطة حزينة عليه. فماذا أفعل؟

 12. لماذا يظهر موضوع التربية عميقاً وليس بالسهل، أليست المسألة أبسط من ذلك وكلّ مولود يولد على الفطرة؟

كثير من النساء عندما تسمع كلمة “تربية” لا تجد لها وقعاً كبيراً في حسّها…”تربية؟”

أولادي يذهبون للمدارس، وقد حرصت على أن أسجّلهم في مدارس “محافظة” وبيئات آمنة نسبياً. سيتربّون كما تربّيت أنا..ماذا عليّ أكثر من ذلك؟

 “تربية” تعني أن تربّي أبناءك على معاني الحياء، الشهامة، النخوة، الرحمة، الكرامة، العزّة، رفض الظلم، الغضب لله، الغيرة على الحرمات، النهي عن المنكر، قوّة الشخصية في هذا العالم الذي يحاول سحق هذه المعاني بكلّ الوسائل، ومنها “التعليم” و”الإعلام”، وأفلام الكرتون والألعاب الإلكترونية بما فيها من إيحاءات مدروسة تهدم الحياء وتنمّي العنف.

تربية تعني أن تعلّمي ابنك كيف يفكّر، كيف يطرح الأسئلة الصحيحة، كيف يعبّر عن نفسه، كيف يميّز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف، كيف ينقد الأفكار التي تعرض عليه، كيف يعرف المغالطات في النقاش التي يستخدمها المبطلون ليشكّكوه في دينه، كيف يتحقّق من المعلومة.

تربية تعني أن تعيني ابنك وبنتك على اكتشاف نفسه واستثمار جوانب قوّته ومن ثمّ على اختيار الأهداف التي تناسب قدراته وظروفه ويساهم بها في إعزاز بأمّته.

“”تربية” تعني أن تدّلي أبناءك على الإجابات عن الأسئلة الوجودية الكبرى: “من أنا  من خلقني؟ إلى أين المصير؟ ما الغاية من وجودي؟ لماذا أنا مسلم؟ ما الأدلّة على أنّ القرآن من عند الله؟ ما الأدلة على نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ كيف حُفظ القرآن والسنّة اللذان أرجع إليهما في حياتي؟

“تربية” تعني أن تربطي أبناءك وبناتك بالرموز الحقيقية في تاريخهم الإسلامي وتُعَرِّفيهم بتاريخ أمّتهم ليعلموا أنّ لهم جذوراً عميقة ويعتزّوا بها بدل أن يكونوا طحالب إمّعات مقلّدين للزناة والمخمورين وتائهي مشاهير السوشيال ميديا في لباسهم وقصّات شعرهم وحركاتهم.

“تربية”: تعني تعويد ابنك أن يطرح سؤال “لماذا أفعل ذلك” في كلّ ما يفعل، فهو ليس قطيعياً مقلّداً تقليداً أعمى.

“تربية” تعني أن تنمّي في طفلك ملكة التنبّه للمدخلات فينتبه لحيل وسائل الإعلام وطرقها في محاولة إعادة صياغة نفسيته وقيمه.

وأذكر كيف كان أبي رحمه الله ينبّهنا على ذلك بمناقشة بعض ما نشاهد وكان لذلك أثر كبير.

“تربية” تعني أن تحبّبي إلى ابنك وابنتك طلب العلم النافع في كل المجالات، الشرعية منها والطبيعية، وعلى إمساك الكتب ومتابع السلاسل، وشعارهم “احرص على ما ينفعك”، “تربية” تعني أن تولّدي لدى ابنك الحافزية ليتعلّم ما يعينه على إتقان أدوات عصره ليكون مؤثّرا وناجحا كمسلم، فيتعلّم استخدام التقنية، إدارة المال، مهارات الإقناع، مهارات القيادة والعمل في فريق.

“تربية” تعني أن تربطي أبناءك بالصحبة الصالحة، وتبحثي لهم عن رفاق الخير بحثاً حتى وإن احتجت أن تعملي علاقات مع أمّهات لتوفير المحاضن الآمنة ورفاق الصلاح لأبنائك.

“تربية” تعني أن تُعَلِّمي أبناءك وبناتك مانبثّه هنا من حقوق كلّ فرد من أفراد الأسرة وواجباته وأولوياته، وتعلّمي ابنك أن يصل إخوانه ويحنّ على أخته.

“تربية” تعني أن تعلّمي أولادك الجدّية وتحمُّل نتائج أفعالهم وتوقّع الألم في الحياة والتعامل معه برضا وأنّهم ليسوا هنا للراحة والركون إلى الدنيا، وأنّها دار بلاء لا دار جزاء.

“تربية” تعني أن تربطي أبناءك بالقرآن وتنمّي لديهم ملكة فهمه والاستدلال به، ممّا سيتطلّب منك تحبيب اللغة العربية إليهم.

“تربية” تعني أن تعلّمي أبناءك أنّ شرع الله حاكم على حياة المؤمن، وألا يعترفوا بأيّة مرجعية غيره، في زمن يراد لدين الله أن يُحصر في شعائر محدودة ويكون التقديس والتعظيم لأهواء البشر.

“تربية” تعني أن تجعلي أعظم قيمة لدى أبنائك: “توحيد الله”، “تعظيم الله”، “محبة الله ورسوله”، لتكون فوق كلّ محبّة، وتجنّبيهم ما يشوب التوحيد.

“تربية” تعني أن تعلّمي أبناءك الانتماء إلى أمّتهم الإسلامية، والاهتمام بأحوالها، وتحويل الهمّ لها إلى العمل بإيجابية دون يأس ولا إحباط.

“تربية” تعني بناء العلاقة الوطيدة مع أبنائك والمحبّة والثقة والاهتمام وسماع المشاكل والصداقة معهم. وبغير ذلك لن تحقّقي الأهداف التي ذكرنا.

“تربية” تعني أن تكوني قدوة عمليّة تتمثّلين هذه المعاني كلّها في ذاتك قبل أمر أولادك بها.

بقلم د. إياد قنيبي

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.