المراهقة: خصائص المرحلة ومشكلاتها هو موضوع مقالنا اليوم حيث تعدّ المراهقة من أخطر المراحل التي يمرّ بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتّسم بالتجدّد المستمرّ، والترقّي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد.

 ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي التغيّرات في مظاهر النموّ المختلفة، الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية، ولما يتعرّض الإنسان فيها إلى صراعات متعدّدة، داخلية وخارجية.

 مفهوم المراهقة:

ترجع كلمة ” المراهقة ” إلى الفعل العربي ” راهق ” الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق، أي قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقاً، أي قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد.

أمّا المراهقة في علم النفس فتعني ” الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي “، ولكنّه ليس النضج نفسه لأنّ الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي، ولكنّه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 10 سنوات.

وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ، فالبلوغ يعني ” بلوغ المراهق القدرة على الإنسال، أي اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنموّ الغدد الجنسية، وقدرتها على أداء وظيفتها “، أمّا المراهقة فتشير إلى ” التدرّج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي “.

 وعلى ذلك فالبلوغ ما هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنّه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أوّل دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة.

ويشير ذلك إلى حقيقة مهمّة، وهي أنّ النموّ لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى فجأة، ولكنّه تدريجي ومستمرّ ومتّصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشيّة وضحاها، ولكنّه ينتقل انتقالاً تدريجياً، ويتّخذ هذا الانتقال شكل نموّ وتغيّر في جسمه وعقله ووجدانه.

وجدير بالذكر أنّ وصول الفرد إلى النضج الجنسي لا يعني بالضرورة أنّه قد وصل إلى النضج العقلي، وإنّما عليه أن يتعلّم الكثير والكثير ليصبح راشداً ناضجاً.

و للمراهقة والمراهق نموّه المتفجّر في عقله وفكره وجسمه وإدراكه وانفعالاته، ممّا يمكن أن نلخّصه بأنّه نوع من النموّ البركاني، حيث ينمو الجسم من الداخل فسيولوجياً وهرمونياً وكيماوياً وذهنياً وانفعالياً، ومن الخارج والداخل معاً عضوياً.

 مراحل المراهقة:

والمدّة الزمنيّة التي تسمى ” مراهقة ” تختلف من مجتمع إلى آخر، ففي بعض المجتمعات تكون قصيرة، وفي بعضها الآخر تكون طويلة، ولذلك فقد قسّمها العلماء إلى ثلاث مراحل، هي:

 1. مرحلة المراهقة الأولى (11-14 عاما)، وتتميّز بتغيّرات بيولوجية سريعة.

 2. مرحلة المراهقة الوسطي (14-18 عاما)، وهي مرحلة اكتمال التغيّرات البيولوجية.

 3. مرحلة المراهقة المتأخّرة (18-21)، حيث يصبح الشابّ أو الفتاة إنساناً راشداً بالمظهر والتصرّفات.

ويتّضح من هذا التقسيم أنّ مرحلة المراهقة تمتدّ لتشمل أكثر من عشرة أعوام من عمر الفرد.

 علامات بداية مرحلة المراهقة وأبرز خصائصها وصورها الجسدية والنفسية:

بوجه عام تطرأ ثلاث علامات أو تحوّلات بيولوجية على المراهق، إشارة لبداية هذه المرحلة عنده، وهي:

 1. النموّ الجسدي: حيث تظهر قفزة سريعة في النموّ، طولاً ووزناً، تختلف بين الذكور والإناث، فتبدو الفتاة أطول وأثقل من الشابّ خلال مرحلة المراهقة الأولى، وعند الذكور يتّسع الكتفان بالنسبة إلى الوركين، وعند الإناث يتّسع الوركان بالنسبة للكتفين والخصر، وعند الذكور تكون الساقان طويلتين بالنسبة لبقيّة الجسد، وتنمو العضلات.

 2. النضوج الجنسي: يتحدّد النضج الجنسي عند الإناث بظهور الدورة الشهرية، ولكنّه لا يعني بالضرورة ظهور الخصائص الجنسية الثانوية مثل نموّ الثديين وظهور الشعر تحت الإبطين وعلى الأعضاء التناسلية.

أمّا عند الذكور، فالعلامة الأولى للنضوج الجنسي هي زيادة حجم الخصيتين، وظهور الشعر حول الأعضاء التناسلية لاحقاً، مع زيادة في حجم العضو التناسلي.

 وفي حين تظهر الدورة الشهرية عند الإناث في حدود العام الثالث عشر، يحصل القذف المنوي الأوّل عند الذكور في العام الخامس عشر تقريباً.

 3. التغيّر النفسي: إنّ للتحوّلات الهرمونية والتغيّرات الجسدية في مرحلة المراهقة تأثيراً قويّاً على الصورة الذاتية والمزاج والعلاقات الاجتماعية.

فظهور الدورة الشهرية عند الإناث يمكن أن يكون لها ردّة فعل معقّدة، تكون عبارة عن مزيج من الشعور بالمفاجأة والخوف والانزعاج، بل والابتهاج أحياناً.

 وذات الأمر قد يحدث عند الذكور عند حدوث القذف المنوي الأوّل، أي مزيج من المشاعر السلبية والإيجابية.

ولكن المهمّ هنا، أنّ أكثرية الذكور يكون لديهم علم بالأمر قبل حدوثه، في حين أنّ معظم الإناث يتّكلن على أمّهاتهن للحصول على المعلومات أو يبحثن عنها في المصادر والمراجع المتوافرة.

 مشاكل المراهقة:

يقول الدكتور عبد الرحمن العيسوي: ” إنّ المراهقة تختلف من فرد إلى آخر، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى أخرى، كذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربّى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضّر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمّت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحرّ الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة.

كذلك فإنّ مرحلة المراهقة ليست مستقلّة بذاتها استقلالاً تامّاً، وإنّما هي تتأثّر بما مرّ به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة، والنموّ عملية مستمرّة ومتّصلة “.

ولأنّ النموّ الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدّي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، فقد دلّت التجارب على أنّ النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسؤولة عن حدوث أزمة المراهقة.

 فمشاكل المراهقة في المجتمعات الغربية أكثر بكثير من نظيرتها في المجتمعات العربية والإسلامية، وهناك أشكال مختلفة للمراهقة، منها:

 1. مراهقة سويّة خالية من المشكلات والصعوبات.

 2. مراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضّل الانعزال والانفراد بنفسه، حيث يتأمّل ذاته ومشكلاته.

3. مراهقة عدوانية، حيث يتّسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء.

والصراع لدى المراهق ينشأ من التغيّرات البيولوجية، الجسدية والنفسية التي تطرأ عليه في هذه المرحلة، فجسدياً يشعر بنموّ سريع في أعضاء جسمه قد يسبّب له قلقاً وإرباكاً، وينتج عنه إحساسه بالخمول والكسل والتراخي.

كذلك تؤدّي سرعة النموّ إلى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة.

وقد يعتري المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف لها سبباً، ونفسيا يبدأ بالتحرّر من سلطة الوالدين ليشعر بالاستقلالية والاعتماد على النفس، وبناء المسؤولية الاجتماعية، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع أن يبتعد عن الوالدين لأنّهم مصدر الأمن والطمأنينة ومنبع الجانب المادّي لديه.

وهذا التعارض بين الحاجة إلى الاستقلال والتحرّر والحاجة إلى الاعتماد على الوالدين، وعدم فهم الأهل لطبيعة المرحلة وكيفية التعامل مع سلوكيات المراهق، وهذه التغيّرات تجعل المراهق طريد مجتمع الكبار والصغار.

إذا تصرّف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرّف كرجل انتقده الرجال، ممّا يؤدّي إلى خلخلة التوازن النفسي للمراهق، ويزيد من حدّة المرحلة ومشاكلها.

وفي بحث ميداني ولقاءات متعدّدة مع بعض المراهقين وآبائهم، أجرته الباحثة عزّة تهامي مهدي، الحاصلة على الماجستير في مجال الإرشاد النفسي، تبيّن أنّ أهمّ ما يعاني الآباء منه خلال هذه المرحلة مع أبنائهم:

 – الخوف الزائد على الأبناء من أصدقاء السوء.

– عدم قدرتهم على التميّز بين الخطأ والصواب باعتبارهم قليلو الخبرة في الحياة ومتهوّرون.

 – أنّهم متمرّدون ويرفضون أيّ نوع من الوصايا أو حتى النصح.

 – أنّهم يطالبون بمزيد من الحرّية والاستقلال.

 – أنّهم يعيشون في عالمهم الخاصّ، ويحاولون الانفصال عن الآباء بشتّى الطرق.

 أبرز المشكلات والتحدّيات السلوكية في حياة المراهق:

 1. الصراع الداخلي: حيث يعاني المراهق من وجود عدّة صراعات داخلية، ومنها صراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراع بين مخلّفات الطفولة ومتطلّبات الرجولة والأنوثة، وصراع بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين ما تعلّمه من شعائر ومبادئ ومسلّمات وهو صغير وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصّة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار والجيل السابق.

 2. الاغتراب والتمرّد: فالمراهق يشكو من أنّ والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرّده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل لأنّه يعدّ أيّ سلطة فوقية أو أيّ توجيه إنّما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية جوهرياً لقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقّظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافّة، وفقا لمقاييس المنطق، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرّد والمكابرة والعناد والتعصّب والعدوانية.

 3. الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤدّيان إلى شعور المراهق بالاعتماد على الآخرين في حلّ مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلّب منه أن يستقلّ عن الأسرة ويعتمد على نفسه، فتزداد حدّة الصراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.

4. السلوك المزعج: والذي يسبّبه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصّة دون اعتبار للمصلحة العامّة، وبالتالي قد يصرخ، يشتم، يسرق، يركل الصغار ويتصارع مع الكبار، يتلف الممتلكات، يجادل في أمور تافهة، يتورّط في المشاكل، يخرق حقّ الاستئذان، ولا يهتمّ بمشاعر غيره.

 5. العصبية وحدّة الطباع: فالمراهق يتصرّف من خلال عصبيّته وعناده، يريد أن يحقّق مطالبه بالقوّة والعنف الزائد، ويكون متوتّراً بشكل يسبّب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به.

وتجدر الإشارة إلى أنّ كثيراً من الدراسات العلمية تشير إلى وجود علاقة قويّة بين وظيفة الهرمونات الجنسية والتفاعل العاطفي عند المراهقين، بمعنى أنّ المستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة تؤدّي إلى تفاعلات مزاجية كبيرة على شكل غضب وإثارة وحدّة طبع عند الذكور، وغضب واكتئاب عند الإناث.

ويوضّح الدكتور أحمد المجدوب، الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مظاهر وخصائص مرحلة المراهقة، فيقول هي ” الغرق في الخيالات، وقراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، كما يميل إلى أحلام اليقظة، والحبّ من أوّل نظرة، كذلك يمتاز المراهق بحبّ المغامرات، وارتكاب الأخطار، والميل إلى التقليد، كما يكون عرضة للإصابة بأمراض النموّ، مثل فقر الدم، وتقوّس الظهر، وقصر النظر “.

وفي حديثه مع موقع المسلم، يذكر الدكتور المجدوب من مظاهر وسلوكيات الفتاة المراهقة: ” الاندفاع، ومحاولة إثبات الذات، والخجل من التغيّرات التي حدثت في شكلها، و جنوحها لتقليد أمّها في سلوكياتها، وتذبذب وتردّد عواطفها، فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة، وتميل لتكوين صداقات مع الجنس الآخر، وشعورها بالقلق والرهبة عند حدوث أوّل دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع أن تناقش ما تحسّ به من مشكلات مع أفراد الأسرة، كما أنّها لا تفهم طبيعة هذه العملية “.

ويشير الخبير الاجتماعي الدكتور المجدوب إلى أنّ هناك بعض المشاكل التي تظهر في مرحلة المراهقة، مثل الانحرافات الجنسية، والميل الجنسي لأفراد من نفس الجنس، والجنوح، وعدم التوافق مع البيئة، وكذا انحرافات الأحداث من اعتداء، وسرقة، وهروب، موضّحاً أنّ هذه الانحرافات تحدث نتيجة حرمان المراهق في المنزل والمدرسة من العطف والحنان والرعاية والإشراف، وعدم إشباع رغباته، وأيضاً لضعف التوجيه الديني.

ويوضّح المجدوب أنّ مرحلة المراهقة بخصائصها ومعطياتها هي أخطر منعطف يمرّ به الشباب، وأكبر منزلق يمكن أن تزلّ فيه قدمه إذا عدم التوجيه والعناية، مشيراً إلى أنّ أبرز المخاطر التي يعيشها المراهقون في تلك المرحلة هي فقدان الهويّة والانتماء، وافتقاد الهدف الذي يسعون إليه، وتناقض القيم التي يعيشونها، فضلاً عن مشكلة الفراغ.

كما يوضّح أنّ الدراسات التي أجريت في أمريكا على الشواذّ جنسياً أظهرت أنّ دور الأب كان معدوماً في الأسرة، وأنّ الأمّ كانت تقوم بالدورين معاً، وأنّهم عند بلوغهم كانوا يميلون إلى مخالطة النساء، أمّهاتهم، أخواتهم،….. أكثر من الرجال، و هو ما كان له أبلغ الأثر في شذوذه جنسياً.

 طرق علاج المشاكل التي يمرّ بها المراهق:

قد اتّفق خبراء الاجتماع وعلماء النفس والتربية على أهمّية إشراك المراهق في المناقشات العلمية المنظّمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها مع الكبار في ثقة وصراحة، وكذا إحاطته علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي، حتى لا يقع فريسة للجهل والضياع أو الإغراء.

كما أوصوا بأهمّية تشجيع النشاط الترويحي الموجّه والقيام بالرحلات والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والأندية، كما يجب توجيههم نحو العمل بمعسكرات الكشّافة، والمشاركة في مشروعات الخدمة العامّة والعمل الصيفي… إلخ.

كما أكّدت الدراسات العلمية أنّ أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربيّ نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، ومن ثمّ يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم لأنّهم يعتقدون أنّ الآباء إمّا أنّهم لا يهمّهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنّهم لا يستطيعون فهمها أو حلّها.

وقد أجمعت الاتّجاهات الحديثة في دراسة طبّ النفس أنّ الأذن المصغية في تلك السنّ هي الحلّ لمشكلاتها، كما أنّ إيجاد التوازن بين الاعتماد على النفس والخروج من زيّ النصح والتوجيه بالأمر، إلى زيّ الصداقة والتواصي وتبادل الخواطر، و بناء جسر من الصداقة لنقل الخبرات بلغة الصديق والأخ لا بلغة وليّ الأمر، هو السبيل الأمثل لتكوين علاقة حميمة بين الآباء وأبنائهم في سنّ المراهقة.

 و قد أثبتت دراسة قامت بها مدرسة متخصّصة في الدراسات الاجتماعية بالولايات المتحدة على حوالي 400 طفل، بداية من سنّ رياض الأطفال وحتى سنّ 24 على لقاءات مختلفة في سنّ 5، 9، 15، 18، 21، أنّ المراهقين في الأسرة المتماسكة ذات الروابط القويّة التي يحظى أفرادها بالترابط واتّخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية محبّبة يشارك فيها الجميع، ويهتمّ جميع أفرادها بشؤون بعضهم البعض، هم الأقلّ ضغوطًا، والأكثر إيجابية في النظرة للحياة وشؤونها ومشاكلها، في حين كان الآخرون أكثر عرضة للاكتئاب والضغوط النفسية.

 حلول عملية:

ولمساعدة الأهل على حسن التعامل مع المراهق ومشاكله، نقدّم فيما يلي نماذج لمشكلات يمكن أن تحدث مع حلّ عملي سهل التطبيق لكلّ منها.

المشكلة الأولى: وجود حالة من “الصدّية” أو السباحة ضدّ تيار الأهل بين المراهق وأسرته، وشعور الأهل والمراهق بأنّ كلّ واحد منهما لا يفهم الآخر.

 الحل المقترح: تقول الأستاذة منى يونس، أخصّائية علم النفس، أنّ السبب في حدوث هذه المشكلة يكمن في اختلاف مفاهيم الآباء عن مفاهيم الأبناء، واختلاف البيئة التي نشأ فيها الأهل وتكوّنت شخصيتهم خلالها وبيئة الأبناء، وهذا طبيعي لاختلاف الأجيال والأزمان.

فالوالدان يحاولان تسيير أبنائهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، وبالتالي يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم لأنّهم يعتقدون أنّ الآباء إمّا أنّهم لا يهمّهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنّهم لا يستطيعون فهمها، أو أنّهم حتى إن فهموها ليسوا على استعداد لتعديل مواقفهم.

ومعالجة هذه المشكلة لا تكون إلا بإحلال الحوار الحقيقي بدل التنافر والصراع والاغتراب المتبادل، ولا بدّ من تفهّم وجهة نظر الأبناء فعلاً لا شكلاً بحيث يشعر المراهق أنّه مأخوذ على محمل الجدّ ومعترف به وبتفرّده حتى لو لم يكن الأهل موافقين على كلّ آرائه ومواقفه وأنّ له حقّاً مشروعاً في أن يصرّح بهذه الآراء.

 الأهمّ من ذلك أن يجد المراهق لدى الأهل آذاناً صاغية وقلوباً متفتّحة من الأعماق، لا مجرّد مجاملة، كما ينبغي أن نفسح له المجال ليشقّ طريقه بنفسه حتى لو أخطأ، فالأخطاء طريق للتعلّم، وليختر الأهل الوقت المناسب لبدء الحوار مع المراهق، بحيث يكونا غير مشغولين، وأن يتحدّثا جالسين جلسة صديقين متآلفين، يبتعدا فيها عن التكلّف والتجمّل، وليحذرا نبرة التوبيخ، والنهر، والتسفيه.

حاولا الابتعاد عن الأسئلة التي تكون إجاباتها “بنعم” أو “لا”، أو الأسئلة غير الواضحة وغير المباشرة، وافسحا له مجالاً للتعبير عن نفسه، ولا تستخدما ألفاظاً قد تكون جارحة دون قصد، مثل “كان هذا خطأ” أو “ألم أنبّهك لهذا الأمر من قبل”؟

المشكلة الثانية: شعور المراهق بالخجل والانطواء، الأمر الذي يعيقه عن تحقيق تفاعله الاجتماعي، وتظهر عليه هاتين الصفتين من خلال احمرار الوجه عند التحدّث، والتلعثم في الكلام وعدم الطلاقة، وجفاف الحلق.

 الحل المقترح: إنّ أسباب الخجل والانطواء عند المراهق متعدّدة، وأهمّها عجزه عن مواجهة مشكلات المرحلة، وأسلوب التنشئة الاجتماعية الذي ينشأ عليه.

 فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤدّيان إلى شعوره بالاعتماد على الآخرين في حلّ مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلّب منه أن يستقلّ عن الأسرة ويعتمد على نفسه، فيحدث صراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي، والانطواء والخجل عند التحدّث مع الآخرين.

ولعلاج هذه المشكلة ينصح بـتوجيه المراهق بصورة دائمة وغير مباشرة، وإعطاء مساحة كبيرة للنقاش والحوار معه، والتسامح معه في بعض المواقف الاجتماعية، وتشجيعه على التحدّث والحوار بطلاقة مع الآخرين، وتعزيز ثقته بنفسه.

المشكلة الثالثة: عصبيّة المراهق واندفاعه، وحدّة طباعه، وعناده، ورغبته في تحقيق مطالبه بالقوّة والعنف الزائد، وتوتّره الدائم بشكل يسبّب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به.

 الحلّ المقترح: يرى الدكتور عبد العزيز محمّد الحرّ، أنّ لعصبية المراهق أسباباً كثيرة، منها أسباب مرتبطة بالتكوين الموروث في الشخصيّة، وفي هذه الحالة يكون أحد الوالدين عصبيّاً فعلاً، ومنها أسباب بيئية، مثل نشأة المراهق في جوّ تربويّ مشحون بالعصبيّة والسلوك المشاكس الغضوب.

كما أنّ الحديث مع المراهقين بفظاظة وعدوانيّة، والتصرّف معهم بعنف، يؤدّي بهم إلى أن يتصرّفوا ويتكلّموا بالطريقة نفسها، بل قد يتمادوا للأشدّ منها تأثيراً.

 فالمراهقون يتعلّمون العصبيّة في معظم الحالات من الوالدين أو المحيطين بهم، كما أنّ تشدّد الأهل معهم بشكل مفرط، ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرّفات والسلوكيات، يجعلهم عاجزين عن الاستجابة لتلك الطلبات، والنتيجة إحساس هؤلاء المراهقين بأنّ عدواناً يمارس عليهم، يؤدّي إلى توتّرهم وعصبيّتهم، ويدفعهم ذلك إلى عدوانية السلوك الذي يعبّرون عنه في صورته الأوّلية بالعصبيّة، فالتشدّد المفرط هذا يحوّلهم إلى عصبيّين، ومتمرّدين.

وهناك أسباب أخرى لعصبيّة المراهقين كضيق المنزل، وعدم توافر أماكن للّهو، وممارسة أنشطة ذهنية أو جسدية، وإهمال حاجتهم الحقيقية للاسترخاء والراحة لبعض الوقت.

ويرى الدكتور الحرّ أنّ علاج عصبيّة المراهق يكون من خلال الأمان، والحبّ، والعدل، والاستقلالية، والحزم.

فلا بدّ للمراهق من الشعور بالأمان في المنزل.. الأمان من مخاوف التفكّك الأسري، والأمان من الفشل في الدراسة.

والأمر الآخر هو الحبّ، فكلّما زاد الحبّ للأبناء زادت فرصة التفاهم معهم.

فيجب ألا نركّز في حديثنا معهم على التهديد والعقاب، والعدل في التعامل مع الأبناء ضروري لأنّ السلوك التفاضلي نحوهم يوجد أرضاً خصبة للعصبيّة.

 فالعصبية ردّة فعل لأمر آخر وليست المشكلة نفسها، والاستقلالية مهمّة، فلا بدّ من تخفيف السلطة الأبويّة عن الأبناء وإعطائهم الثقة بأنفسهم بدرجة أكبر مع المراقبة والمتابعة عن بعد.

فالاستقلالية شعور محبّب لدى الأبناء خصوصاً في هذه السنّ، ولابدّ من الحزم مع المراهق، فيجب ألا يترك لفعل ما يريد بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده ومع من يريد، وإنّما يجب أن يعي أنّ مثل ما له من حقوق، فإنّ عليه واجبات يجب أن يؤدّيها، وأنّ مثل ما له من حرّية فللآخرين حرّيات يجب أن يحترمها.

المشكلة الرابعة: ممارسة المراهق للسلوك المزعج، كعدم مراعاة الآداب العامّة، والاعتداء على الناس، وتخريب الممتلكات والبيئة والطبيعة، وقد يكون الإزعاج لفظياً أو عملياً.

 الحلّ المقترح: من أهمّ أسباب السلوك المزعج عند المراهق رغبته في تحقيق مقاصده الخاصّة دون اعتبار للمصلحة العامّة، والأفكار الخاطئة التي تصل لذهنه من أنّ المراهق هو الشخص القويّ الشجّاع، وهو الذي يصرع الآخرين ويأخذ حقوقه بيده لا بالحسنى، وأيضاً الإحباط والحرمان والقهر الذي يعيشه داخل الأسرة، وتقليد الآخرين والاقتداء بسلوكهم الفوضويّ، والتعثّر الدراسي، ومصاحبة أقران السوء.

أمّا مظاهر السلوك المزعج، فهي نشاط حركيّ زائد يغلب عليه الاضطراب والسلوكيات المرتجلة، واشتداد نزعة الاستقلال والتطلّع إلى القيادة، وتعبير المراهق عن نفسه وأحاسيسه ورغباته بطرق غير لائقة، الصراخ، الشتم، السرقة، القسوة، الجدل العقيم، التورّط في المشاكل، والضجر السريع، والتأفّف من الاحتكاك بالناس، وتبرير التصرّفات بأسباب واهية، والنفور من النصح، والتمادي في العناد.

أمّا مدخل العلاج فهو تبصير المراهق بعظمة المسؤوليات التي تقع على كاهله وكيفيّة الوفاء بالأمانات، وإشغاله بالخير والأعمال المثمرة البنّاءة، وتصويب المفاهيم الخاطئة في ذهنه، ونفي العلاقة المزعومة بين الاستقلالية والتعدّي على الغير، وتشجيعه على مصاحبة الجيّدين من الأصدقاء ممّن لا يحبّون أن يمدّوا يد الإساءة للآخرين، وإرشاده لبعض الطرق لحلّ الأزمات ومواجهة عدوان الآخرين بحكمة، وتعزيز المبادرات الإيجابية إذا بادر إلى القيام بسلوك إيجابي يدلّ على احترامه للآخرين من خلال المدح والثناء، والابتعاد عن الألفاظ الاستفزازية والبرمجة السلبية وتجنّب التوبيخ قدر المستطاع.

المشكلة الخامسة: تعرّض المراهق إلى سلسلة من الصراعات النفسية والاجتماعية المتعلّقة بصعوبة تحديد الهويّة ومعرفة النفس يقوده نحو التمرّد السلبي على الأسرة وقيم المجتمع، ويظهر ذلك في شعوره بضعف الانتماء الأسريّ، وعدم التقيّد بتوجيهات الوالدين، والمعارضة والتصلّب في المواقف، والتكبّر، والغرور، وحبّ الظهور، وإلقاء اللوم على الآخرين، و التلفّظ بألفاظ نابية.

 الحلّ المقترح: إنّ غياب التوجيه السليم، والمتابعة اليقظة المتّزنة، والقدوة الصحيحة يقود المراهق نحو التمرّد، ومن أسباب التمرّد أيضاً عيش المراهق في حالة صراع بين الحنين إلى مرحلة الطفولة المليئة باللعب وبين التطلّع إلى مرحلة الشباب التي تكثر فيها المسؤوليات، وكثرة القيود الاجتماعية التي تحدّ من حركته، وضعف الاهتمام الأسريّ بمواهبه وعدم توجيهها الوجهة الصحيحة، وتأنيب الوالدين له أمام إخوته أو أقربائه أو أصدقائه، ومتابعته للأفلام والبرامج التي تدعو إلى التمرّد على القيم الدينية والاجتماعية والعنف.

ويرى كلّ من الدكتور بدر محمد ملك، والدكتورة لطيفة حسين الكندري أنّ علاج تمرّد المراهق يكون بالوسائل التالية: السماح للمراهق بالتعبير عن أفكاره الشخصيّة، وتوجيهه نحو البرامج الفعّالة لتكريس وممارسة مفهوم التسامح والتعايش في محيط الأندية الرياضية والثقافية، وتقوية الوازع الديني من خلال أداء الفرائض الدينية والتزام الصحبة الصالحة ومدّ جسور التواصل والتعاون مع أهل الخبرة والصلاح في المحيط الأسري وخارجه، ولا بدّ من تكثيف جرعات الثقافة الإسلامية، حيث إنّ الشريعة الإسلامية تنظّم حياة المراهق لا كما يزعم أعداء الإسلام بأنّه يكبت الرغبات ويحرم الشهوات، والاشتراك مع المراهق في عمل أنشطة يفضّلها، وذلك لتقليص مساحات الاختلاف وتوسيع حقول التوافق وبناء جسور التفاهم، وتشجيع وضع أهداف عائلية مشتركة واتّخاذ القرارات بصورة جماعية مقنعة، والسماح للمراهق باستضافة أصدقائه في البيت مع الحرص على التعرّف إليهم والجلوس معهم لبعض الوقت، والحذر من البرمجة السلبية، وتجنّب عبارات: أنت فاشل، عنيد، متمرّد، اسكت يا سليط اللسان، أنت دائماً تجادل وتنتقد، أنت لا تفهم أبداً…إلخ، لأنّ هذه الكلمات والعبارات تستفزّ المراهق وتجلب المزيد من المشاكل والمتاعب ولا تحقّق المراد من العلاج.

المراهقة: التعامل مع المرحلة وفق النظرية الإسلامية

تطرّقنا معكم في الحلقة السابقة من هذه القضية لعدّة جوانب، وهي:

مفهوم المراهقة.

مراحل المراهقة.

علامات بداية مرحلة المراهقة، وأبرز خصائصها وصورها الجسدية والنفسية.

مشاكل المراهقة.

أبرز المشكلات والتحدّيات السلوكية في حياة المراهق.

طرق علاج المشاكل التي يمرّ بها المراهق.

ونستكمل معكم عرض باقي الجوانب في تلك القضيّة، وهي كالتالي:

 كيف عالج الإسلام مرحلة المراهقة؟

يقول الدكتور أحمد المجدوب، المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة، أنّ الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، قد سبق الجميع بقوله ” علّموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع “.

ويدلّل المجدوب بالدراسة التي أجراها عالم أمريكي يدعى ألفريد كنسي بعنوان ” السلوك الجنسي لدى الأمريكيين “، والتي طبّقها على 12 ألف مواطن أمريكي من مختلف شرائح المجتمع، والتي أثبتت أنّ 22 % ممّن سألهم عن أوّل تجربة لممارسة الجنس قالوا إنّ أوّل تجربة جنسية لهم كانت في سنّ العاشرة، وأنّها كانت في فراش النوم، وأنّها كانت مع الأخ أو الأخت أو الأمّ.

ويستطرد المجدوب قائلاً: وانتهت الدراسة التي أجريت في مطلع الأربعينيات إلى القول بأنّ الإرهاصات الجنسية تبدأ عند الولد والبنت في سنّ العاشرة، ويعلّق المجدوب على نتائج الدراسة قائلا: هذا ما أثبته نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قبل ألفريد كنسي بـ 14 قرناً من الزمان، ولكنّنا لا نعي تعاليم ديننا.

ويقول المجدوب: لقد اتّضح لي من خلال دراسة ميدانية شاملة قمت بها على عيّنة من 200 حالة حول زنا المحارم الذي أصبح منتشراً للأسف، أنّ معظم حالات زنا المحارم كانت بسبب النوم المشترك في نفس الفراش مع الأخت أو الأمّ أو…، وهو ما حذّرنا منه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: وفرّقوا بينهم في المضاجع.

واستطرد المجدوب يقول: البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامّة والإحصاء تقول إنّ هناك 20 % من الأسر المصرية تقيم في غرفة واحدة، وأنّ كلّ 7 أفراد منهم ينامون متجاورين.

ويشير المجدوب إلى أنّ دراسته عن زنا المحارم انتهت إلى نتيجة مؤدّاها أنّ أحد أهمّ الأسباب لدى مرتكبي جرائم زنا المحارم هو الانخفاض الشديد في مستوى التديّن، والذي لم يزد على أفضل الأحوال عن 10 %، هذا طبعاً عدا الأسباب الأخرى مثل انتشار الخمر بين الطبقات الدنيا والوسطى، و اهتزاز قيمة الأسرة، و الجهل، والفقر، و … إلخ.

ويرجع المجدوب هذه الظاهرة إلى الزخم الجنسيّ وعوامل التحريض والإثارة في الصحف والمجلات والبرامج والمسلسلات والأفلام التي يبثّها التلفاز والسينما والدشّ فضلاً عن أشرطة الفيديو، منبّهاً إلى خطورة افتقاد القدوة وإلى أهمية  التربية الدينية في تكوين ضمير الإنسان.

ويضيف المجدوب أنه وفقاً لآخر بيان صادر عن الجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحصاء بمصر يؤكّد أنّ هناك 9 مليون شابّ وفتاة من سنّ 20 سنة إلى 35 سنة لا يستطيعون الزواج، كما أنّ هناك 9 مليون آخرين ممّن تعدّو سنّ 35 سنة قد فاتهم قطار الزواج وأصبحوا عوانس.

 النظرية الإسلامية في التربية:

وتقوم النظرية الإسلامية في التربية على أسس أربعة، هي: تربية الجسم، وتربية الروح، وتربية النفس، وتربية العقل، وهذه الأسس الأربعة تنطلق من قيم الإسلام، وتصدر عن القرآن والسنّة ونهج الصحابة والسلف في المحافظة على الفطرة التي فطر الله الناس عليها بلا تبديل ولا تحريف، فمع التربية الجسمية تبدأ التربية الروحية الإيمانية منذ نعومة الأظفار.

وقد اهتمّ الإسلام بالصحّة النفسية والروحية والذهنية، واعتبر أنّ من أهمّ مقوّماتها التعاون والتراحم والتكافل وغيرها من الأمور التي تجعل المجتمع الإسلاميّ مجتمعاً قويّاً في مجموعه وأفراده.

وفي قصص القرآن الكريم ما يوجّه إلى مراهقة منضبطة تمام الانضباط مع وحي الله عزّ وجلّ، وقد سبق الرسول صلّى الله عليه وسلّم الجميع بقوله: لاعبوهم سبعًا وأدّبوهم سبعًا وصادقوهم سبعًا، ثمّ اتركوا لهم الحبل على الغارب.

و قد قدّم الإسلام عدداً من المعالم التي تهدي إلى الانضباط في مرحلة المراهقة، مثل: الطاعة، بمعنى طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وطاعة الوالدين ومن في حكمهما.

وقد أكّد القرآن الكريم هذه المعاني في وصيّة لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه قال: ” يا بنيّ لا تشرك بالله، إنّ الشرك لظلم عظيم “.

أيضاً هناك الاقتداء بالصالحين، وعلى رأس من يقتدي بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فالإقتداء به واتّباع سنّته من أصول ديننا الحنيف، قال الله عزّ وجلّ ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ” .

كما اعتبر الإسلام أنّ أحد أهمّ المعالم التي تهدى إلى الانضباط في مرحلة المراهقة التعاون والتراحم والتكافل لأنّه يجعل الفرد في خدمة المجتمع، ويجعل المجتمع في خدمة الفرد، و الدليل على ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ” مثل المؤمن كمثل الجسد إذا اشتكى الرجل رأسه تداعى له سائر جسده “.

ولم ينس الإسلام دور الأب في حياة ابنه، وكذلك تأثير البيئة التي ينشأ فيها الفتى في تربيته ونشأته، فقد روي في الصحيحين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ” كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه “.

ويشير الدكتور محمد سمير عبدالفتاح، أستاذ علم النفس، مدير مركز البحوث النفسية بجامعة المنيا إلى أنّ المراهق يحتاج إلى من يتفهّم حالته النفسية ويراعي احتياجاته الجسدية، ولذا فهو بحاجة إلى صديق ناضج يجيب عن تساؤلاته بتفهّم وعطف وصراحة، صديق يستمع إليه حتى النهاية دون مقاطعة أو سخرية أو شكّ، كما يحتاج إلى الأمّ الصديقة والأب المتفهّم.

وفي حديثه لموقع المسلم ، يدعو الخبير النفسي، الدكتور سمير عبد الفتّاح أولياء الأمور إلى التوقّف الفوريّ عن محاولات برمجة حياة المراهق، ويقدّم بدلاً منها الحوار، و التحلي بالصبر، واحترم استقلاليته وتفكيره، والتعامل معه كشخص كبير، وغمره بالحنان وشمله بمزيد من الاهتمام.

وينصح الدكتور عبد الفتّاح الأمّهات بضرورة إشراك الأب في تحمّل عبء تربية أولاده في هذه المرحلة الخطيرة من حياتهم، ويقول للأمّ: شجّعي ابنك وبثّي التفاؤل في نفسه، وجمّلي أسلوبك معه، واحرصي على انتقاء الكلمات كما تنتقي أطايب الثمر.

ويوجّه عبد الفتّاح النصح للأب قائلاً: أعطه قدراً من الحرّية بإشرافك ورضاك، لكن من المهمّ أن تتّفق معه على احترام الوقت وتحديده، وكافئه إن أحسن كما تعاقبه إن أساء، حاول تفهّم مشاكله والبحث معه عن حلّ، اهتمّ بتوجيهه إلى الصحبة الصالحة، كن له قدوة حسنة ومثلاً أعلى، احترم أسراره وخصوصياته، ولا تسخر منه أبدًا.

ويضيف عبد الفتّاح موجّها كلامه للأب: صاحبه وتعامل معه كأنّه شابّ، اصطحبه إلى المسجد لأداء الصلاة وخاصّة الجمعة والعيدين، أَجِب عن كلّ أسئلته مهما كانت بكلّ صراحة ووضوح ودون حرج، وخصّص له وقتاً منتظماً للجلوس معه، وأشركه في النشاطات الاجتماعية العائلية كزيارة المرضى وصلة الأرحام، نمِّ لديه الوازع الديني وأشعره بأهمّية حسن الخلق.

كما ينصح الدكتور عبد الفتاح الأمّهات بمراعاة عدد من الملاحظات المهمّة في التعامل مع بناتهن في مرحلة المراهقة فيؤكّد بداية أنّ على الأمّهات أن يتعلّمن فنّ معاملة المراهقات، ويقول للأم: أعلميها أنّها تنتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة جديدة تسمَّى مرحلة التكليف، وأنّها كبرت وأصبحت مسؤولة عن تصرّفاتها، قولي لها إنّها مثلما زادت مسؤولياتها فقد زادت حقوقها، وإنّها أصبحت عضوًا كاملاً في الأسرة تشارك في القرارات، ويؤخذ رأيها فيما يخصّها، وتوكل لها مهام تؤدّيها للثقة فيها وفي قدراتها، علّميها الأمور الشرعية كالاغتسال، وكيفية التطهر، سواء من الدورة الشهرية أو من الإفرازات.

ويضيف عبد الفتّاح: ابتعدي عن مواجهتها بأخطائها، أقيمي علاقات وطيدة وحميمة معها، دعّمي كلّ تصرّف إيجابي وسلوك حسن صادر عنها، أسرّي لها بملاحظات ولا تنصحيها على الملأ فإنّ لكلّ فعل ردّة فعل مساوٍ له في القوّة ومضادّ له في الاتّجاه، اقصري استخدام سلطتك في المنع على الأخطاء التي لا يمكن التجاوز عنها، واستعيني بالله وادعي لها كثيراً، ولا تدعي عليها مطلقاً، و تذكّري أنّ الزمن جزء من العلاج.

ويضيف الدكتور سمير عبد الفتّاح، مدير مركز البحوث النفسية، قائلاً: افتحي قناة للاتّصال معها، اجلسي وتحاوري معها لتفهمي كيف تفكّر، وماذا تحبّ من الأمور وماذا تكره؟ واحذري أن تعامليها كأنّها ندّ لك ولا تقرني نفسك بها، وعندما تجادلك أنصتي لملاحظاتها وردّي عليها بمنطق وبرهان، إذا انتقدت فانتقدي تصرفاتها ولا تنتقديها هي كشخص، وختاماً استعيني بالله ليحفظها لك ويهديها.

 فهم المرحلة.. تجاوز ناجح لها:

إنّ المشاكل السابقة الذكر، سببها الرئيس هو عدم فهم طبيعة واحتياجات هذه المرحلة من جهة الوالدين، وأيضاً عدم تهيئة الطفل أو الطفلة لهذه المرحلة قبل وصولها.

ولمساعدة الوالدين على فهم مرحلة المراهقة، فقد حدّد بعض العلماء واجبات النموّ التي ينبغي أن تحدث في هذه المرحلة للانتقال إلى المرحلة التالية، ومن هذه الواجبات ما يلي:

 1. إقامة نوع جديد من العلاقات الناضجة مع زملاء العمر.

 2. اكتساب الدور المذكر أو المؤنث المقبول دينياً واجتماعياً لكل جنس من الجنسين.

 3. قبول الفرد لجسمه أو جسده، واستخدام الجسم استخداماً صالحاً.

 4. اكتساب الاستقلال الانفعالي عن الوالدين وغيرهم من الكبار.

 5. اختيار مهنة والإعداد اللازم لها.

 6. الاستعداد للزواج وحياة الأسرة.

 7. تنمية المهارات العقلية والمفاهيم الضرورية للكفاءة في الحياة الاجتماعية.

 8. اكتساب مجموعة من القيم الدينية والأخلاقية التي تهديه في سلوكه.

ويرى المراهق أنّه بحاجة إلى خمسة عناصر في هذه المرحلة، وهي الحاجة إلى الحبّ والأمان، والحاجة إلى الاحترام، والحاجة لإثبات الذات، والحاجة للمكانة الاجتماعية، والحاجة للتوجيه الإيجابي.

 تهيئة المراهق:

ولتحقيق واجبات النموّ التي حدّدها العلماء، وحاجات المراهق في هذه المرحلة، على الأهل تهيئة ابنهم المراهق لدخول هذه المرحلة، وتجاوزها دون مشاكل، ويمكن أن يتمّ ذلك بخطوات كثيرة، منها:

 1. إعلام المراهق أنّه ينتقل من مرحلة إلى أخرى، فهو يخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة جديدة، تعني أنّه كبر وأصبح مسؤولاً عن تصرّفاته، وأنّها تسمّى مرحلة التكليف لأنّ الإنسان يصبح محاسباً من قبل الله تعالى لأنّه وصل إلى النضج العقلي والنفسي الذي يجعله قادراً على تحمّل نتيجة أفعاله واختياراته.

وأنّه مثلما زادت مسؤولياته فقد زادت حقوقه، وأصبح عضواً كاملاً في الأسرة يشارك في القرارات، ويؤخذ رأيه، وتوكل له مهامّ يؤدّيها للثقة فيه وفي قدراته.

 2. أنّ هناك تغيّرات جسدية، وعاطفية، وعقلية، واجتماعية تحدث في نفسيّته وفي بنائه، وأنّ ذلك نتيجة لثورة تحدث داخله استعداداً أو إعدادا لهذا التغيّر في مهمّته الحياتية، فهو لم يعد طفلاً يلعب ويلهو، بل أصبح له دور في الحياة، لذا فإنّ إحساسه العاطفيّ نحو الجنس الآخر أو شعوره بالرغبة يجب أن يوظّف لأداء هذا الدور. فالمشاعر العاطفية والجنسية ليست شيئاً وضيعاً أو مستقذراً لأنّ له دوراً هامّاً في إعمار الأرض وتحقيق مراد الله في خلافة الإنسان.

ولذا فهي مشاعر سامية إذا أحسن توظيفها في هذا الاتّجاه، لذا يجب أن يعظّم الإنسان منها ويوجّهها الاتّجاه الصحيح لسموّ الغاية التي وضعها الله في الإنسان من أجلها، لذا فنحن عندما نقول إنّ هذه العواطف والمشاعر لها طريقها الشرعي من خلال الزواج، فنحن نحدّد الجهة الصحيحة لتفريغها وتوجيهها.

 3. أن يعلم المراهق الأحكام الشرعية الخاصّة بالصيام والصلاة والطهارة والاغتسال، ويكون ذلك مدخلاً لإعطائه الفرصة للتساؤل حول أيّ شيء يدور حول هذه المسألة، حتى لا يضطرّ لأن يستقي معلوماته من جهات خارجية يمكن أن تضرّه أو ترشده إلى خطأ أو حرام.

 4. التفهّم الكامل لما يعاني منه المراهق من قلق وعصبيّة وتمرّد، وامتصاص غضبه لأنّ هذه المرحلة هي مرحلة الإحساس المرهف، ممّا يجعل المراهق شخصاً سهل الاستثارة والغضب، ولذلك على الأهل بثّ الأمان والاطمئنان في نفس ابنهم.

 وقد يكون من المفيد القول مثلاً: ” أنا أعرف أنّ إخوتك يسبّبون بعض المضايقات، وأنا نفسي أحسّ بالإزعاج، لكن على ما يبدو أنّ هناك أمراً آخر يكدّرك ويغضبك، فهل ترغب بالحديث عنه؟ ” لأنّ ذلك يشجّع المراهق على الحديث عمّا يدور في نفسه.

 5. إشاعة روح الشورى في الأسرة، لأنّ تطبيقها يجعل المراهق يدرك أنّ هناك رأياً ورأياً آخر معتبراً لا بدّ أن يحترم، ويعلّمه ذلك أيضاً كيفية عرض رأيه بصورة عقلانية منطقية، ويجعله يدرك أنّ هناك أموراً إستراتيجية لا يمكن المساس بها، منها على سبيل المثال: الدين، والتماسك الأسري، والأخلاق والقيم.

 التعامل مع المراهق علم وفنّ:

ومن جهتها تقدّم الخبيرة الاجتماعية الدكتورة مُنى يونس، الحاصلة على جائزة الدكتور شوقي الفنجري للدعوة والفقه الإسلامي عام 1995م، وصفة علاجية وتوجيهات عملية لأولياء الأمور في فنون التعامل مع أبنائهم وبناتهم المراهقين، فتقول: ” إيّاكم أن تنتقدوهم أمام الآخرين، وأنصتوا لهم باهتمام شديد عندما يحدّثوكم، ولا تقاطعوهم، ولا تسفّهوا آراءهم “.

وفي حديثها لموقع المسلم، تدعو الخبيرة الاجتماعية الدكتورة منى يونس أولياء الأمور لتجنّب مخاطبة أبنائهم وبناتهم المراهقين بعدد من العبارات المحبطة بل والمحطمة، مثل: أنا أعرف ما ينفعك، لا داعي لأن تكملي حديثك.. أستطيع توقّع ما حدث، فلتنصتي إليّ الآن دون أن تقاطعيني، اسمعي كلامي ولا تناقشيني، يا للغباء.. أخطأت مرّة أخرى، يا كسولة، يا أنانية، إنّك طفلة لا تعرفين مصلحتك.

وتقول الخبيرة الاجتماعية: لقد أثبتت الدراسات أنّ عبارات المديح لها أثر إيجابي في تحسين مستوى التحصيل الدراسي لدى أطفال كانوا يعانون من صعوبات التعلّم ونقص التركيز.

و تضرب الدكتورة منى مثالاً ببعض عبارات المديح المحبّبة إلى قلوب الأبناء والبنات من المراهقين، مثل: بارك الله فيك، ما شاء الله، رائع، يا لك من فتاة، أحسنت، لقد تحسّنت كثيراً، ما فعلته هو الصواب، هذه هي الطريقة المثلى، أفكارك رائعة، إنجاز رائع، يعجبني اختيارك لملابسك، استمرّ إلى الأمام، أنا فخور بك، يا سلام، عمل ممتاز، لقد أحسست برغبتك الصادقة في تحمّل المسؤولية، أنت محلّ ثقتي، أنت ماهر في هذا العمل.

احرصوا على استعمال أساليب التشجيع والثناء الجسديّة، مثل الابتسامة، الاحتضان، مسك الأيدي، اربت على كتفه، المسح على الرأس.

وتختتم الخبيرة الاجتماعية الدكتورة منى يونس حديثها بتوصية أولياء الأمور بمراعاة عدد من القواعد والتوجيهات العامّة في التعامل مع الأولاد في مرحلة المراهقة، فتقول لوليّ الأمر:

 – اهتمّ بإعداده لمرحلة البلوغ، وضّح له أنّها من أجمل أوقات حياته.

  – اشرح له بعض الأحكام الشرعية الخاصّة بالصيام والصلاة والطهارة بشكل بسيط.

 – أظهر الاهتمام والتقدير لما يقوله عند تحدّثه إليك.

 – اهتمّ بمظهره، واترك له حرّية الاختيار.

 – استضف أصدقاءه وتعرّف عليهم عن قرب، وأبد احتراماً شديداً لهم.

 – امدح أصدقاءه ذوي الصفات الحسنة مع مراعاة عدم ذمّ الآخرين.

 – شجِّعه على تكوين أصدقاء جيّدين، ولا تشعره بمراقبتك أو تفرض عليه أحدًا لا يريده.

 – احرص على لمّ شمل الأسرة باصطحابهم إلى الحدائق أو الملاهي أو الأماكن الممتعة.

 – احرص على تناول وجبات الطعام معهم.

 – أظهر فخرك به أمام أعمامه وأخواله وأصدقائه، فهذا سيشعرهم بالخجل من أخطائهم.

 – اصطحبه في تجمّعات الرجال وجلساتهم الخاصّة بحلّ مشاكل الناس ليعيش أجواء الرجولة ومسؤولياتها، فتسمو نفسه، وتطمح إلى تحمّل المسؤوليات التي تجعله جديرًا بالانتماء إلى ذلك العالم.

 – شجِّعه على ممارسة رياضة يحبّها، ولا تفرض عليه نوعًا معيّنًا من الرياضة.

 – اقترح عليه عدَّة هوايات، وشجِّعه على القراءة لتساعده في تحسين سلوكه.

 – كافئه على أعماله الحسنة.

 – تجاهل تصرّفاته التي لا تعجبك.

 – تحاور معه كأب حنون وحادثه كصديق مقرّب.

 – احرص على أن تكون النموذج الناجح للتعامل مع أمّه.

 – قم بزيارته بنفسك في المدرسة، وقابل معلّميه وأبرز ما يقوله المعلّمون عن إيجابياته.

 – اختيار الوقت المناسب لبدء الحوار مع الشابّ.

 – محاولة الوصول إلى قلب المراهق قبل عقله.

 – الابتعاد عن الأسئلة التي إجاباتها نعم أولا، أو الأسئلة غير الواضحة وغير المباشرة.

 – العيش قليلاً داخل عالمهم لنفهمهم ونستوعب مشاكلهم ومعاناتهم ورغباتهم.

ختاماً:

يجب على الأهل استثمار هذه المرحلة إيجابياً، وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه شخصياً، ولصالح أهله وبلده والمجتمع ككلّ.

وهذا لن يتأتّى دون منح المراهق الدعم العاطفي، والحرّية ضمن ضوابط الدين والمجتمع، والثقة، وتنمية تفكيره الإبداعي، وتشجيعه على القراءة والإطّلاع، وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة، وتدريبه على مواجهة التحدّيات وتحمّل المسؤوليات، واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع.

ولعلّ قدوتنا في ذلك هم الصحابة رضوان الله عليهم، فمن يطّلع على سيرهم يشعر بعظمة أخلاقهم وهيبة مواقفهم وحسن صنيعهم، حتى في هذه المرحلة التي تعدّ من أصعب المراحل التي يمرّ بها الإنسان أخلاقياً وعضوياً وتربوياً أيضاً.

فبحكم صحبتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، خير قائد وخير قدوة وخير مربّ، واحتكامهم إلى المنهج الإسلاميّ القويم الذي يوجّه الإنسان للصواب دوماً، ويعني بجميع الأمور التي تخصّه وتوجّه غرائزه توجيهاً سليماً.. تخرّج منهم خير الخلق بعد الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم، فكان منهم من حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب في أولى سنوات العمر، وكان منهم الذين نبغوا في علوم القرآن والسنّة والفقه والكثير من العلوم الإنسانية الأخرى، وكان منهم الدعاة الذين فتحوا القلوب وأسروا العقول كسيّدنا مصعب بن عمير الذي انتدبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، داعية إلى المدينة ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وكان منهم الفتيان الذين قادوا الجيوش وخاضوا المعارك وهم بين يدي سنّ الحلم، كسيّدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهم جميعاً، وما ذاك إلا لترعرعهم تحت ظلّ الإسلام وتخرّجهم من المدرسة المحمّدية الجليلة.

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.

المصدر: موقع المسلم

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.