سنتناول هنا موضوع التربية الإيجابية للأطفال و كيف تكون ثمارها يانعة في إيجاد أطفال أصحّاء تربويّا و نفسيا.
” إنّ من أهمّ الأهداف الإنسانية هو الشعور بالانتماء والتأثير “، هذه المقولة هي المبدأ الأساسي في نظرية التربية الإيجابية التي صاغها “أدلر” وتلميذه “دريكرز” وكانت الأساس الذي طوّرت من خلاله “جين نيلسن” أبحاثها في مجموعة كتبها عن “التربية الإيجابية” والتي كانت نبراساً للعديد من الآباء والمربّين والمعلّمين حول العالم.
وتهتمّ التربية الإيجابية بعدّة مهارات مثل الفاعلية في العلاقات والتأثير في الحياة والانضباط الذاتي والقدرة على التحكّم في النفس وفهم المشاعر الشخصية، كما تحثّ على كلّ ما ينمّي المشاعر الإيجابية لدى الطفل وينحّي المشاعر السلبية جانبا.
1. الاحترام المتبادل:
يتلخّص ذلك على الموازنة بين نموذج الحزم واللطف، فالحزم يكون باحترام الكبار واحترام متطلّبات الموقف، واللطف يكون باحترام الطفل واحتياجاته.
فالأطفال يرتاحون أكثر في البيئة التي تحكمها قوانين أو مبادئ واضحة يحترمها الجميع.
ومن المهمّ أن يشارك الأطفال في وضع القوانين كما يجب أن تطبّق على الكبار كما الأطفال وهذا يصنع احتراما متبادلا وثقة كبيرة في الأبوين.
أيضًا من أهمّ مسبّبات الاحترام ثقافة الاعتذار من الأبوين عند الخطأ، فهي تؤكّد للطفل أنّه طرف فاعل في المعادلة لا مجرّد مفعول به، وتُشعر الطفل بأنّك إنسان مثله يخطئ ويصيب ممّا يجعله يحاول إصلاح أخطائه بطريقة فاعلة بدلا من الحلول الإرضائية.
عامل طفلك بلطف وكن مقرّا لمشاعره ولكن بحزم فيما يتوافق مع مصلحته ومصلحة الأسرة، إذ أنّ أهمّ ما يوضّح هذا المبدأ مقولة: ” أنا أحبّك، ولكن لا ” وهذا ردّا على رغبة الطفل في فعل لا يناسب المصلحة العامّة.
2. فهم عالم الطفل:
إنّ طفل الثانية من العمر ليس عنيداً ولكنّه يبحث عن الاستقلال، وطفل التسعة أشهر ليس فوضويّا ولكنّه يرضي شغفه لاستكشاف ما حوله، وطفل الرابعة ليس كاذباً ولكنّها مرحلة الخيال.
إنّ الثقافة التربوية هي التي ترشدك لتلك المعلومات.
فمعرفة مراحل تطوّر الطفل النفسية والبدنية تُجنّبك الكثير من الصدامات مع الطفل الذي يمرّ بمراحل نموّ حسّاسة لها متطلّبات محدّدة قد يسيء فهمها الوالدان نظرا لنقص معلوماتهما حولها.
3. الإنصات الفعّال ومهارات حلّ المشكلات:
التعاطف مع الطفل هو من أهمّ مبادئ التربية الإيجابية، وهو ما يسمّى أيضا ” التواصل قبل التصحيح “، إذ إنّ هذا التواصل له قواعد منها الاستماع الجيّد وإظهار التعاطف بتعبيرات الوجه ونبرات الصوت ومشاركة الطفل مشاعره وأفكاره عند الحاجة، وعدم إصدار الأحكام، وتوصيف مشاعره ومساعدته في فهمها ممّا يجعله يستطيع التعامل معها لاحقاً، مثل: ” يبدو أنّك شعرت بالظلم “.
كما أنّه من المفيد مساعدة الطفل على إيجاد حلول تنبع من نفسه لا من والديه، وذلك بطريقة الأسئلة لا بطريقة التوجيه المباشر، كأن تقول: هل ترى أنّ الغضب حلّ مشكلتك؟ كيف تحبّ أن تواجه تلك المشكلة في المرّة القادمة؟
4. التشجيع بدلا من المدح:
إنّ التشجيع هو أحد وسائل التهذيب القيّمة جدّاً.
والمقصود بالتشجيع هنا هو تشجيع الفعل الحسن لا مدح الطفل، كأن تقول: ” لقد أصبحت ماهرا في حلّ هذه المسألة “، لا أن تقول: ” أنت عبقري “.
فالاكتفاء بإصدار تعبيرات التفهّم، مثل: ” مممم، أرى أنّك منهمك في عملك “، تؤدّي على المدى البعيد آثارا أفضل بكثير من مدح الطفل المستمرّ بصفات غير ملازمة له.
أمّا مدح الفعل فإنّه يشجّع الطفل على تعلّم المزيد وهو يشعر بثقة في نفسه وقدرة على الإنجاز، ولكن من سلبياته أن توقفك عنه وقيامك بالذمّ وقت الفعل الخاطئ يوصل شعورا للطفل بأنّ حبّك له مشروط بإنجاز الفعل الصحيح، ممّا يشعره بعدم الأمان في علاقته معك.
5. فهم الاعتقاد خلف السلوك:
إنّ لكلّ سلوك ظاهري للطفل، خاصّة السلوكيات السيّئة، أفكارًا داخليةً راسخة نشأ عنها هذا السلوك.
فمثلا ردّ الفعل الغاضب الدائم من الطفل، الذي قد يبدو انتقاما، قد يكون سببه الشعور بالإحباط الناتج عن انتقاد الطفل الدائم من الأبوين، هذه الرغبة في إظهار شخصية قويّة قد تخبّئ خلفها شخصية هشّة ضعيفة لا تشعر بالأمان.
إنّ التربية الإيجابية تحثّ على تغيير المعتقدات بدلا من التركيز على تغيير السلوك الظاهري لكي لا يكون التغيير مؤقّتا قبل أن يعود السلوك للظهور.
فاختيار الحلول الفعّالة على المدى البعيد يُثمر عنه تغيير المعتقدات ومن ثمّ تغيير السلوكيات الخاطئة واستبدالها بسلوكيات أفضل.
فنوبات الغضب مثلا هي سلوك سلبيّ ينتج عن طفل يشعر بالإحباط، قد يكون الحلّ الناجع على المدى القريب هو أن تعطيه كلّ ما يريد حتى يهدأ، بينما الحلّ الفاعل على المدى البعيد هو أن تخبره بأنّك تقرّ مشاعره ورغبته في الفعل ولكنّك لا تستطيع الاستجابة له الآن حتى يهدأ أو تتغيّر الظروف، وحينها سيتعلّم السيطرة على رغباته وتهدئة نفسه بنفسه.
6. العواقب لا العقاب:
أسلوب ” العاقبة ” من أنجح طرق التهذيب وهو أن نجعل لكلّ تصرّف خاطئ عاقبة تتناسب معه هي بمثابة نتيجة مباشرة ومنطقيّة له، كأن تكون عاقبة إساءة استخدام الألعاب، تكسيرها مثلا، هو أخذها بعيداً مع الإشارة لأسباب هذا التصرّف منك بدلاً من العقاب البدني أو اللفظي أو حتى النفسي.
فكلّ هذه الطرق تفاقم الأمور وتنتج شخصية مشوّهة أو ساخطة أو متمرّدة أو ترغب في الانتقام، وكلّها نتائج سلبيّة لا يودّ الأبوين الوصول إليها بالطبع.
على عكس أسلوب العاقبة التي يتبعها تفسير منطقي ممّا يجعل اعتراض الطفل عليها اعتراضاً مؤقّتاً يتبعه قناعة بأنّ هذا التصرف من والديه كان حكيما وعادلا.
أما التساهل فإنّه يجعل الأطفال الذين لديهم حرّية مطلقة في صنع ما يفعلون بدون إرشاد وتوجيه.
7. التركيز على الحلول بدلاً من اللوم:
الطفل عندما يخطئ يسيطر عليه الشعور بالذنب والعجز، ولومك له يزيد داخله هذا الشعور ولا يجعله يحسن التصرّف في المرّة القادمة، إذ إنّ الطفل ينتظر منك أن تشركه في اقتراح حلول للمشكلة الناتجة عن خطأه، ممّا يعزّز عنده مهارات حلّ المشكلات ويرسّخ عنده الثقة في قدرته على تجاوز الأزمات على المدى البعيد.
فالصراخ وكثرة اللوم لن تغيّر السلوك بل ستؤدّي إلى طفل محبط ينتقص من نفسه ولا يحبّ سماعك في المرّات القادمة لأنّك تزيد مشاعره السلبية تجاه نفسه.
وأسوأ ما يمكن أن يفعله الآباء هو قولبة أطفالهم بصفات قد تصبح لصيقة بهم مع تكرارهم لها مع كلّ خطأ، كأن يخبر الوالدان الطفل أنّه ” مهمل ” أو ” فاشل ” أو ” لا يحسن التصرّف أبدا ” فهذه القولبة عواقبها وخيمة.
8. الأطفال يتصرّفون بشكل أفضل عندما يشعرون بشعور جيّد:
إنّ الطفل سيّء السلوك هو طفل ينقصه التشجيع، وهناك عوامل أخرى تساعد في جعل شعور الطفل جيّدا، مثل تقدير أفكاره وشكره على مجهوداته واجتماعات الأسرة الدورية والاجتماعات الخاصّة بالطفل وأحد والديه التي تناقش ما يمرّ به الطفل ويشغل فكره، ومجرّد العناق الصامت.
إن هذه البيئة للتربية الإيجابية ينتج عنها تعليم الطفل مهارات الحياة والمهارات الاجتماعية لبناء شخصية سويّة وفعّالة، مثل الاحترام وحلّ المشكلات والاستقلالية والتعاون ومراعاة شعور الآخرين، وكلّ هذه المهارات تلزم مناخا جيّدا يشعر فيه الطفل بأهمّيته كفرد فاعل مؤثّر ومشارك فيما حوله.
المصدر: موقع إضاءات