التربية الإيجابية للأبناء أو كيف تكون مربّيا ناجحا لأبنائك هو شيء يسعى إليه الكثير من الآباء والأمّهات. قد تكون لك أفكار خاطئة عن المربّي أو ما الذي يجب أن تتحلّى به من صفات، وما هو الأسلوب الأنجح في تربية الأبناء وما هو الأساس الذي ينبغي أن تركّز عليه لأنّ التربية الجيّدة تقوم عليه.
لا تكن إطفائيا أو مروّضا لأبنائك بل كن مربّيا إيجابيا
لكي تكون أبا مثاليا ومربّيا ناجحا لأبنائك ينبغي أن تسأل نفسك هل تملك مقوّمات التربية المثالية أم لا، تأمّل وقارن بين هذه الأنواع من التربية التي تفصّل لك أنواع المربّي.
النوع الأوّل هو المربّي الإطفائي : يرى هذا الصنف أنّ دوره في التربية هو التدخّل في الحالات المستعصية والشديدة فقط.
فعند حلول الكوارث يتدخّل هذا النوع من المربّيين تماما كرجال الإطفاء.
فإذا ما رأوا سلوكا سيّئا في أبنائهم تدخّلوا، كأن يكون مثلا الإبن قد أصبح عدائيا أو عنيدا، فيتدخّل هذا النوع ليسأل ويبحث عن الحلّ.
فالتربية عندهم تدخّل إطفائي، وأغلب الرجال إطفائيون فتجد الكثير منهم يقول التربية في المراحل الأولى هي تربية الأمّ حتى سنّ 14 سنة، بينما التربية في الإسلام تبدأ من الدقيقة الأولى لخروج المولود.
فالأب هو الذي يؤذّن في أذنه، فبعض الرجال يرى أنّ دوره المراقبة والتدخّل عند عجز الأمّ.
النوع الثاني من الأولياء هو المُرَوِّض : الترويض كعمل بشري يكون في السِّرك مع الحيوانات كي تُحوَّل لحيوانات أليفة.
فهذا النوع من الأولياء يريد أبناء مُروّضين مطيعين.
هذا النوع يحاول أن يجعل ابنه مطيعا له في كلّ شيئ.
والمشكلة أنّه ليس كلّ أمر يأمر به الوالدان يكون موافقا لما هي عليه طبيعة هذا الطفل النفسية أو العقلية، وأحيانا قد يأمرهم الأولياء بما يخالف عكس فطرتهم، أو عكس طبيعة نموّهم المرحلية.
هذه الطريقة في التربية حقيقة تنطبق مع النظرة الفلسفية للإنسان في الغرب.
فالإنسان في الغرب حيوان ينبغي أن يروّض.
فترويض الإبن وفق هذه الطريقة يقضي على شخصية الطفل.
النوع الثالث هو المربّي الإيجابي: لكي تكون إيجابيا في التربية ينبغي أن تتّصف بثلاث صفات:
الصفة الأولى: أن تكون لديك مع ابنك علاقة إيجابية، فهذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إيجابيا مع قومه ” ولو كنت فضّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك “.
فالعلاقة بينك وبين أبنائك ينبغي أن تكون إيجابية.
الصفة الثانية: المربّي الإيجابي ينبغي أن ينظر لكلّ السلوكات التي لا تُعجبه أنّها أعراض، فتجده يبحث عن أسباب هذه الأعراض كي يعالجها.
الصفة الثالثة: هذا النوع يدرك الهدف من التربية.
فالهدف من التربية تكوين ولد قويّ الشخصية وأيضا ولد صالح.
فليس الهدف أن يكون الولد صالحا فقط.
فالرؤية الإسلامية تحتاج للرجل القويّ الأمين؛ قويّ الشخصية صالح الخلق.
فكثير من الناس قد ربّى طفله طيلة عشرين سنة على الصلاح والتقوى، وفجأة ينقلب هذا الإبن إلى الأسوء، يلعب به غيرهم بسهولة.
فالبنت قد تنزع حجابها بسهولة، والإبن قد يصل للإلحاد بسهولة ويغرّهم بعض فتيان العلم والإلحاد، لأنّ هناك خللا في بناء الشخصية.
فنحن قد ربّيناهم على الصلاح وغفلنا تربيتهم على قوّة الشخصية.
ركّز على قوّة الشخصية فهي أهمّ ميزة في الإنسان
ينبغي أن يعلم أنّ قوّة الشخصية يصعب بناؤها بعد ثمانية عشرة سنة الأولى، أمّا الصلاح فالإنسان قد يصلحه الله في أيّ وقت.
لذلك فهدف المربّي الإيجابي الأول تنشئة أبناء يتمتّعون بقوّة الشخصية.
فالعناد مثلا هو إحدى مظاهر قوّة الشخصية، فتجد الطفل لا يفعل شيئا إلا إذا اقتنع به، أو تجده يحافظ على رأيه ويصرّ عليه.
فمظاهر قوّة الشخصية قد تظهر عند الولد وعمره سنة أو سنة ونصف، فتجده مثلا يصرّ أن يلبس بنفسه أو يأكل بنفسه.
وفي مثل هذه الحالة قد لا يجيد الوالدان التعامل معه، فيعتبرون مثل هذه السلوكات سلوكات خاطئة، وبالتالي فمن خلال تصرّفاتهم قد يكونون سببا في ضعف الشخصية لدى الأبناء.
فقوّة الشخصية مهمّة، فالتربية السلبية للأبناء تولّد شخصية هشّة، فنسبة 65 في المئة من أفراد المجتمعات هشّة.
والهشاشة هذه موجودة في جميع طبقات المجتمع، الأغنياء والفقراء والمثقّفين وغير المثقّفين وفي الشوارع وفي المساجد.
فقد يكون الإنسان صالحا ومع ذلك يكون هشّ الشخصية، وقد يكون فاسدا وهشّ الشخصية أيضا.
وأحيانا قد يكون صلاح الهشّ أفضل من صلاح القويّ.
فالخوارج في زمن الصحابة فئة هشّة رغم صلاحهم، فالواحد من الصحابة يحقر صلاته أمام صلاتهم، فرغم ذلك هم فئة هشّة يُتلاعب بهم، فحتى الصالحون قد تكون شخصيتهم هشّة.
أسس ومقوّمات التربية الإيجابية للأبناء، السرّ في النجاح
التربية الإيجابية تقوم على أربع أسس وهي:
– بناء الثقة.
بناء العلاقة. –
تعديل السلوك السلبي. –
تعزيز السلوك الإيجابي. –
لكن السؤال هل ممكن أن يكون الإنسان مسلما كامل الإيمان ولا يحجّ، نعم يمكن إذا لم يكن مستطيعا، كذلك الصيام.
لكن هل يمكن أن يكون مسلما كامل الإيمان ولا يصلّي، لا غير ممكن فترك الصلاة ليس فيه عذر.
في هذه الأسس الأربع هناك ما يشبه الصلاة بالنسبة للدين، وهي بناء العلاقة.
فلا يمكن ان تكون مربّيا ناجحا دون علاقة مع ابنائك.
فإذا لم تكن العلاقة مبنيّة على الحبّ والإحترام فلا يمكن أن تكون التربية منك ناجحة.
أمّا إذا وجدت هذه العلاقة فقد لا يحتاج الابن لتعليم أو نصح منك، فتجد الابن يتبعك، يراك تصلّي فيصلّي، يراك تقرأ الكتب فسيقرأ.
فأساس التربية هي العلاقة، وللأسف أغلب الناس يركّز في التربية هو تعديل السلوك، والغالب أن التركيز على تعديل السلوك مع علاقة سيّئة فإنّها لا تنفع.
و هكذا نكون قد تناولنا موضوع التربية الإيجابية للأبناء أو كيف تكون مربّيا ناجحا لأبنائك.
بقلم د. مصطفى أبو سعد