نجيب في مقالنا هذا عن السؤال التالي: متى يكون الأب غشّاشا لإبنه؟

تربية الأمّ تختلف عن تربية الأب، ومن الخطأ أن تطلب الأمّ من الأب أن يكون مثلها في التربية. 

فالطفل يتعلّم أمور كثيرة من والده، لأنّ طبيعة تعامل الأب معه مختلفة عن تعامل أمّه.

 فالأب يلعب ويمزح ويضحك، ويتحدّث ويصارع معه بطريقة مختلفة تماما عن الأمّ، وكذلك تعامله المالي أو طريقته بالتفكير واتّخاذ القرار مختلفة، فيتعلّم الإبن معنى الرجولة من أبيه، ويتعلّم منه معنى القوّة والثقة والثبات، ومواجه التحدّيات. 

فللآباء تأثير قويّ على الأبناء حتّى ولو كانوا قليلي التواصل معهم.

وفي الغالب فإنّ الآباء يجدون صعوبة بالتعامل مع الطفل، وخاصّة في سنواته الأولى عندما يكون صغيرا أو رضيعا، ولكنّ التعامل معهم يكون أسهل كلّما كبر الإبن. 

وأحيانا ترجع صعوبة التعامل في فترة المراهقة عندما يكون للإبن رأي وشخصية مختلفة، وخاصّة إذا كان يرغب أن يكون مختلفا عن أبيه.

أمّا على المستوى العاطفي والصحّة النفسية فللأمّ دور مهمّ في تكوين نفسية الإبن وصحّته العاطفية، والأب يكون له دور مكمّل ومهمّ في استقرار نفسيته. 

ولهذا مهما كان الأب مشغولا عن ابنه إلّا إنّه لا بدّ أن يجد وقتا ليتواصل معه حتّى يشعر الإبن باحترامه وتقديره ويتأثّر من أبيه. 

فإذا أراد الأب أن يترك بصمته التربوية في نفسية ابنه، عليه أن يستغلّ لحظات اللعب والحديث والإستماع لإبنه، وإذا كبر الإبن وتزوّج وصار أبا فإنّه لا ينسى هذه اللحظات التي قضاها مع أبيه. 

ولهذا يعتبر أكبر تحدّي لدى الأب في حياته العائلية هو تنظيم وقته وحسن إدارته ليخصّص من وقته لمعايشة ابنه ومصادقته.

فالأب في البيت رمز للثقة والقوّة والأمان، وكلّما كان الأب صادقا مع ابنه وقدوة له كلّما كان تأثيره أكبر. 

فالطفل يعرف الأشياء بما يشاهد ويعايش، فقد سئلت طفلة مرّة ما هو تعريف الأب ؟ فأجابت: الأب الذي يخرج للعمل كلّ يوم، وينام بعد عودته من العمل، ويأتيه صداع في رأسه، فهي عرفت الأب حسب ما كانت تشاهد والدها، ولهذا مهمّ جدّا أن يكون الأب قدوة حسنة لإبنه، لأنّه بتصرّفاته وسلوكه يرسم له شخصيته وحياته، ويساهم في طبع ذكريات معنى الأبوّة بذهنه،

فأن تكون أبا ليس شيئا بسيطا، وإنّما هو شيء عظيم، فقد أقسم الله تعالى بالأبوّة والبنوّة فقال “ووالد وما ولد”، وهذا يفيد عظم مسؤولية الأب وعظم مكانته بالأسرة، كما أنّ الأب له مقام كبير وخاصّة إذا كان شيخا كبيرا، فقد استشفع إخوة يوسف عليه السلام بمقامه فقالوا “قالوا يا أيّها العزيز إنّ له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين”، فمقام الأب كبير وتأثيره أكبر، ولهذا قد يفسد الأبناء وينحرفون بسبب تأثّرهم بأبيهم، وقد بيّن الله تعالى ذلك في قوله “وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا”.

كما أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوصى بالاهتمام بأصدقاء الأب وأحبّائه، فقال “إنَّ من أبرِّ البرّ أن يصل الرجلُ أهلَ وُدِّ أبيه”، يعني أحبّاء أبيه، وكذلك أمّه وجدّه، من أبرّ البرّ أن يصل أقارب أبيه وأصدقاءه، فكلّ هذا من البرّ والإحسان وكرم الأخلاق.

فالأب المميّز هو المنشغل دائما بتقويم سلوك ابنه وحسن تربيته ومصادقته وعلاج مشاكله، أمّا الأب المهمل فهو الذي تكون فقط وظيفته إنجاب الطفل، ثمّ يعيش حياته ولا يتحمّل مسؤولية ابنه أو تربيته فهذا من الغشّ التربوي، وعقوبته عظيمة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم “ما من عبد يسترعيه الله رعيّة يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته إلّا حرّم الله عليه الجنّة”.

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.