هل سألت نفسك يوما ما: ماذا يعرف أبناؤنا عن أبطال الأندلس ؟
“هذا اليوم هو يوم عيد هنا بمدريد بمناسبة الإنتصار على المسلمين في إسبانيا وإخراجهم منها”، هذه أوّل عبارة سمعتها من صاحبي عندما وصلت لإسبانيا لإلقاء محاضرة بمدريد، فقلت له: وهل هذا العيد في كلّ أسبانيا؟ قال: نعم، فهو يوم إجازة ويحتفلون في الليل باللباس العربي الأندلسي، ومشاهد تمثيلية للمعارك والحروب حتّى يعيش الأطفال تاريخهم عندما طردوا المسلمين وانتصروا عليهم، بدعم من القساوسة والدول الأوروبية.
استوقفني هذا الحدث وتساءلت بماذا نحن نذكّر أبناءنا طوال العام ؟
وهل عرّفنا أبنائنا بأبطال الأندلس من قادة وعلماء، ومبدعين ومخترعين، والذين كان لهم الفضل في النهضة العلمية التي تعيشها أوروبا اليوم.
وهل درّسنا أبنائنا أشهر المعارك التي غيّرت مسار التاريخ وهي القادسية في العراق، واليرموك وحطّين في الشام، والزلاقة في بلاد الأندلس ؟
أكتب هذا المقال وأنا في إسبانيا وبعدما تعرّفت على شابّ إسباني مسيحي، قال لي بأنّ جدّه العاشر كان مسلما أندلسيّا.
إنّ هذا التاريخ المغيّب عن أطفالنا لا بدّ أن يتعرّفوا عليه من خلال المسرحيات والأفلام والقصص والإحتفالات، والبرامج التعريفية والمسابقات، والجولات السياحية.
فهناك شخصيات مهمّة لو تعرّف عليها أبناؤنا لساهمت في تنمية روح العزّة بدينهم وهويّتهم وعقيدتهم، ويتعرّفون على الجهد العظيم الذي بذله الأوائل لنشر الدين وتحقيق العدالة السماوية، مثل التعرّف على قصّة “عبدالرحمن الداخل”، وكيف أنّه كان شابّا وحيدا طريدا، لم يتجاوز عمره 25 سنة، يدخل إسبانيا بمفرده ثمّ يوحّد الدولة ويجمع الكلمة ويديرها إدارة حكيمة، ويكون سببا في بداية الدولة الأموية من جديد، وتغيير تاريخ أوروبا وجعلها من أفضل دول العالم، وشخصيات أخرى مثل “عبد الرحمن الأوسط” و “عبدالرحمن الناصر”، الذي أسّس قرطبة وعمره 23 سنة، ونظّم طرقها وطوّر بناءها وبنى مساجدها ومدارسها وجامعاتها، وأسّس مكتبتها الأموية والتي كان فيها 400 ألف كتاب، وكانت مقصد الباحثين في العالم كلّه، واستحدث خدمة نسخ الكتب من خلال تشغيل النساء في منازلهنّ، وكان له الفضل في جعل الأندلس أقوى دولة في العالم، وقد احتفلت إسبانيا منذ 40 عاما بمرور 1000 عام على وفاته، وقد سبق هؤلاء القادة عقبة بن نافع، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، ويوسف بن تاشفين، والذين وضعوا بصمات لا تمحى في التاريخ.
أمّا علماء الأندلس فهم كثير وقد ساهموا في النهضة العلمية في كلّ الجوانب، ف “عبّاس ابن فرناس” هو أوّل من فكّر في الطيران، واستنبط الزجاج من الحجارة وصنع آلة لحساب الزمن، و “مسلمة المجريطي” هو الذي حرّر علم الكيمياء من الخرافات والسحر، واشتهر بتحضير أكسيد الزئبق، و “أبو القاسم الزهراوي” هو طبيب ومن أكبر الجرّاحين في زمانه، وهو أوّل من ألّف في الجراحة، وأوّل من استعمل ربط الشريان بخيط من الحرير، وأوّل من أوقف الدم بالكيّ، وتوسّع باستعمال فتح الجراحات واستئصال السرطانات، و “ابن حزم” قال بكروية الأرض واستدلّ بقول الله “يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل”، و”ابن الزرقالي” هو من صنع اسطرلابا عرف باسمه وكان أكبر راصد في عصره، و”الشريف الإدريسي” هو الذي تحدّث عن الأقاليم وصنع خرائط دقيقة، من غير أن يملك أقمارا صناعية، أو كاميرات رقمية، و “ابن رشد” سيرته واسعة في العلم والفقه والقضاء، و”ابن البيطار” هو من أشهر علماء النبات، و”ابن زيدون” الأديب الشاعر، ولو أحصينا العلماء والقادة فإنّنا نحتاج لمقالات كثيرة، مثل الإمام القرطبيّ في التفسير، وابن حزم الأندلسي، وابن حيّان القرطبي، والقاضي أبو بكر بن العربي، والقاضي عياض وغيرهم من العلماء.
فمن ينسى أو يهمل تاريخه فإنّه يصبح لا أصل له، ولا يستطيع أن يعيش حاضره أو مستقبله، والفرق بين التاريخ والأسطورة أنّ التاريخ فيه حقائق بينما الأسطورة عبارة عن خرافات وخيالات، ونحن تاريخنا غنيّ بالأحداث البطولية، ولا نحتاج أن نألّف أساطير مثل الغرب حتّى نجعل تاريخنا غنيّا، فهذه الخواطر الأندلسية راودتني وأنا بمدريد، فقلت أنقلها لكم لعلّكم تشاركوني الرأي.
بقلم د. جاسم المطوع