سنبيّن في هذا المقال كيف أجيب إذا ولدي سألني لماذا الله لا يحمينا من الشرّ؟
فاجأني ابني بطرح عدّة أسئلة متعلّقة في فهم القدر فقال: ما ذنب من يموت بسبب الزلزال أو الانفجار أو الفيضان؟ وما ذنب الطفل الذي يغرق بالبحر أو يولد معاق؟ وما ذنب الفقير أن يعيش فقيرا؟ ولماذا الشرّ موجود بالدنيا؟ ولماذا الله لا يحمينا من الشرّ؟ وإذا كنت أنا مستقيم وأحترم القانون ولا أضرّ أحد فلماذا تأتيني المصائب وأتضرّر من الكوارث؟ فأين عدل الله ورحمة الله بما ذكرت؟ إنّ عقلي لا يستطيع أن يفسّر التناقض الذي ذكرته.
الأب: إنّ ما ذكرته يا ولدي أسئلة يفكّر بها كلّ شخص، وهي أسئلة مهمّة، وقد طرح المفكّرون والفلاسفة قديما هذه الأسئلة، فالخير والشرّ قديم، والدم والقتل والكوارث منذ القدم سواء كانت بفعل الإنسان أم من القدر، ولكن من الخطأ أن ننظر لجزء من الصورة ونحكم على الصورة كلّها، قال: ماذا تقصد؟ قلت: مثلا لو جاءك ألم بضرسك بسبب التسوّس وذهبت لطبيب الأسنان فإنّك ستشعر بألم العملية الجراحية البسيطة التي يعملها حتّى ينقذك من ألم أسنانك، فلو اعترضت على ألم العلاج وحكمت على الطبيب بأنّه ظالم أو غير رحيم، لكان حكمك عليه خطأ، لأنّه كان يؤلمك من أجل أن يريحك ويسعدك، ولكنّك نظرت لجزء من الصورة وهي ألم العلاج، ولم تنظر للصورة كاملة وهي أنّك أنت كنت السبب للمشكلة بتناول السكّريّات، ولم تنظر للراحة التي بعد العلاج، فألم التسوّس بسيط بالنسبة للراحة التي ستعيشها بعدها، فالأصل هو الخير والاستثناء هو الألم أو الشرّ، وهكذا ينبغي أن تنظر للخير والشرّ في الدنيا.
قال: أريد مثلا آخر لأفهم المسألة أكثر، قلت: طالما أنّك تحبّ السيّارات سأعطيك مثلا بالسيّارة، فإنّ ريحة العادم الذي يخرج من السيّارة سيّء وضرّ لو نظرت إليه وحده، بينما لو علمت أنّ العادم هذا مفيد لحركة السيّارة لصرت تنظر إليه بزاوية مختلفة ولا تسمّيه شرّا، لأنّ فيه خيرا كثيرا في دفع السيارة وحركتها، قال: الآن فهمت المقصود، إذن كلّ شرّ أكيد فيه خير ولكنّي أحيانا لا أشاهده، قلت: نعم، وهذه نظرة المسلمين للأحداث بالحياة، وعلينا الإيمان بالقدر خيره وشرّه، فالأصل في الحياة الخير وليس الشرّ، فالأطفال الطبيعيين هم الأصل و المعاقون هم الاستثناء، والحياة المستقرّة هي الأصل والكوارث استثناء، وقصّة موسى عليه السلام مع العبد الصالح تفسّر لنا كيف ينبغي لنا أن ننظر للصورة كاملة، حتّى نشاهد عدل الله ورحمته في الأقدار.
قال: الآن فهمت، قلت: نحن المسلمون نؤمن بأنّ بعضنا لبعض عدوّ، وأنّ الإنسان مبتلى ويتعرّض لامتحان بالحياة، وما تسمّيه أنت شرّ هو امتحان للمسلم لينظر الله هل يصبر وينجح بالاختبار ويرضى بالقدر خيره وشرّه أم لا، لأنّ هدف وجودنا عبادة الله، والله يختبرنا بالخير والشرّ لينظر مدى صبرنا ورضانا وإيماننا، قال تعالى: “ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة”، قال : الآن وضحت الصورة يا أبي.
قلت: وهناك صورة أكبر لا بدّ أن تراها كذلك حتّى يكون حكمك على الشرّ الذي تراه صحيحا، وهي أنّك تنظر للدنيا والآخرة عند رؤيتك للأحداث، فالدنيا هي جزء من الحياة وليست كلّ الحياة، فالفقير قد يكون شقيّا بالدنيا ولكنّه سعيد بالآخرة، وهذه زاوية أخرى لا بدّ أن تراعيها بالحكم على أحداث الحياة، قال : الآن فهمت عدل الله ورحمته في أحداث الحياة وعرفت كيف أنظر للشرّ بعين العدل والرحمة.
بقلم د. جاسم المطوع