سنتناول موضوع صداقة المراهق. إنّ الابن الذي تعوّد على الصداقة مع أبيه في مراحل الطفولة و المراهقة، من السهل عليه أن يدخل مرحلة المراهقة ويجتازها بسهولة، دون أن تؤثّر على العوامل النفسية والذاتية له.. والأب الذي كوّن علاقة صداقة مع طفله حتى وصل إلى سنّ المراهقة لن يكون من الصعب عليه الحفاظ على تلك الصداقة القديمة مع ابنه، كما سيكون من الذكاء بحيث يفهم التغيّرات التي تحدثها مرحلة المراهقة في ابنه وآثارها الإيجابية والسلبية كي يتعامل معها.
من الغريب أنّ دول العالم تعتبر مرحلة الطفولة من الولادة وحتى بلوغ 18 سنة، وفي بعض الدول 21 سنة، إلّا أنّه في مجتمعاتنا عندما يبلغ الطفل 13 – 15 سنة يقولون له الآن صرت رجلا بالرغم من أنّ هذه المرحلة يعوّل عليها كثيرا في بناء شخصية الإنسان وتكوينه النفسي، إلّا أنّ التجاهل سمة الكثير من الأسر التي تعامل الطفل على أنّه صغير جاهل، والمراهق على أنّه كبير جاهل.
بعض الآباء والأمّهات يعتبرون أنّ إعلان مشاعرهم لأبنائهم في سنّ المراهقة هو عمل صعب، إذ يشوبه بعض الحياء سواء من الوالدين أو من الابن، كذلك يواجه بعض الرفض من الابن عندما يجد هذا الأمر غريبا ولم يعتد عليه منذ الصغر، لذلك فإنّ عملية بناء صداقة مع الابن في مرحلة المراهقة هي عملية صعبة، ولكنّها ليست مستحيلة، بل على العكس قد تكون الصعوبة بها في الخطوة الأولى، ثمّ يكون الطريق ممهّدا، وسوف تكون ثمرته ممتازة وطيّبة.
قرار.. مصارحة.. تنفيذ
الخطوة الأولى لبناء صداقة مع الابن المراهق ما هي إلّا ثلاث مراحل متّصلة على هذا النحو: قرار.. مصارحة.. تنفيذ.
يتّخذ الإنسان القرار وفق ما لديه من إمكانيات وقدرات وآمال ورغبات في النتائج المترتّبة على هذا القرار.. فلو نظرنا إلى قدرات وإمكانات كلّ منّا سنجد أنّنا نضيّع تلك الإمكانات دون الاستفادة منها، إمّا أمام التلفاز أو مع الأصدقاء أو في الفراغ الذي يواجه الكثير منّا.. فمن منّا لا يمتلك وقتا تقتضيه صداقة ابنه ولو مدّة 30 – 60 دقيقة يوميّا.
أمّا النتائج المترتّبة على قرارك، فهي عظيمة لابنك ولك أيضا.. ستنقذ ابنك من رفاق السوء وستضيف لأصدقائك صديق العمر الذي سيرعاك عند الكبر وسيفرحك بصداقته في كلّ وقت تراه يكبر أمامك.
والمصارحة إمّا أن تكون شفهية أو فعلية، وهي تحتاج من الأب إلى أن يفكّر كما يفكّر الشابّ المراهق حتى يفهم ابنه، وبالتالي يوجد أرضية مشتركة تكون أساس البناء.. أمّا عن كيفيّة السلوك، فلكلّ أب إمكانات وإبداعات في إيجاد تلك الأرضية بحيث تكون من اهتمامات الابن.
ولتنفيذ البرامج التي تبني صرح الصداقة، فتأتي الرغبة بها بعد المصارحة وهو يحتاج إلى تخطيط محكم لبرامج شائقة تجذب الابن ولا تكون مغيّرة للسلوك الذي كان يسلكه مع الابن في السابق، وعليه في مرحلة التنفيذ أن يكون يقظا بحيث يكون التغيير تدريجيا في العلاقة، ولا يكون التغيير طفرة ثمّ يعود مرّة أخرى إلى ما كان عليه.
دعوة للعشاء..
ونسوّق هنا مثلا: لرجل وجد ابنه المراهق يخرج مع أصدقاء لا يعرفهم ولا يعرف مدى أخلاقيّاتهم.. هنا قرّر الأب أن يتابع ابنه وحيث إنّ ابنه يحبّ مشاهدة مباريات كرة القدم، فقال له: لقد كنت في السابق أشجّع نادي كذا، فلماذا لا نذهب معا؟
وبعد المباراة، قال: لماذا لا نذهب لتناول العشاء سويّا؟ وهناك تحدّث معه في الأمور التي يحبّها وابتعد عن الأمور التي لا يحبّها أو الأمور الروتينية مثل الدراسة والمهام والمسؤوليات التي عليه.
كرّر ذلك كلّ أسبوع ثمّ بعد ذلك كرّره مرّتين في الأسبوع وهكذا.. حتى أصبح اللقاء يوميا..
وكذلك أنت حاول أن تعتبر الابن كصديق أو كيان مستقلّ عنك.. لا تحاول أن تمارس معه سلطة الأب، بل حاول أن تنسى ذلك وأنت تحدّثه وامنحه الفرصة للانطلاق والتعبير بحرّية عمّا يراه ويرغبه.
إذا وجدت فرصة لتقديم هدية له فافعل، أو أرسل رسالة على الهاتف، كلّفه فيها بأشياء بسيطة يحبّها، واستأذنه في القيام بها إذا كان بإمكانه ذلك.
الصداقة والعنف
ليست الصداقة بين الأب وابنه معناها التغاضي عن الأخطاء أو قبولها من الابن بحجّة عدم إغضابه أو إزعاجه حتى يقبل صداقتي ولا يتركني ويذهب إلى أصدقاء آخرين يوافقونه على تلك الأخطاء التي يريدها، إنّما الصداقة هي التي ترفع من شأن الإنسان وسلوكيّاته، وملاحظة سلوك الشابّ دون مراقبة، ومحاولة تدريب المراهق على الصدق في التعامل، والشجاعة في مواجهة المشكلات والحكمة في معالجتها لا أن نتغاضى عن الأخطاء أو نؤجّل مواجهة المشكلات.
يواجه بعض الآباء مشكلة كبيرة في إصرار وعناد أبنائهم على الأخطاء والسلوكيّات غير القويمة وذلك بهدف أن يثبت المراهق شخصيته و يشعر بكيانه وذاته، وأحيانا يكون ذلك ليرضي أصدقاءه الذين يحكون له قصصا وأكاذيب أحيانا عن شخصياتهم القويّة وفرض آرائهم على الآخرين.
قد يواجه بعض الآباء هذا السلوك من أبنائهم بمزيد من العنف والتوبيخ ظنّا منهم أنّهم بذلك سيغيّرون سلوك أبنائهم وهذا خطأ لأنّ السلوك إذا تغيّر سيكون تغييرا مؤقّتا ينتهي بانتهاء القوّة التي تفرضه، ولكن إذا أراد الأب تغيير سلوك ابنه فعليه أن يحاوره ويقنعه بالحجّة والبرهان العقلي، دون استخدام سلطان القوّة في الإقناع أيضا، ويلجأ إلى أسلوب بعض المهارات الخاصّة كالألعاب والقراءات الثقافية في موضوعات التربية.
أمّا في حالة تعمّد الوالدين عدم الفهم أو التسليم بالحلّ العقلاني، فمن الممكن أن تكون الشدّة والحزم من دون العنف هي الحلّ.
إنّ الأب الذي لم يبدأ مبكّرا في تكوين الصداقة مع ابنه، سيصعب عليه كثيرا القيام بمهام تغيير السلوك عندما يصبح ابنه شابّا، لأنّهما اعتادا على ذلك، وإنّ تأثيره على ابنه سيصبّ أقلّ إذا تطوّر سلوكه تطوّرا كبيرا خلال السنوات التي سبقت مرحلة المراهقة، وعلى الأب في مثل هذه الحالة أن يصبر ويطيل صبره على ابنه ويتذكّر دائما النتيجة والهدف الذي يسعى إليه وهو إنقاذه والمحافظة عليه وتكوين شخصيته وكيانه مع التشجيع الإيماني.
نعم، الإيماني.. حيث إنّ الطاعة إذا كانت من باب التعبّد كانت أسرع وأربح للآباء والأمّهات.
فالبناء العقدي المسلم، والتعبّدي القويم والأخلاقي السليم يعطي نتائج رائعة من دون شكّ.
المصدر: كتاب كيف أكون صديقا لابني؟