يمكن الاستفادة من عدّة تدابير مهمّة على صعيد إصلاح سلوك الأطفال واحدها هو تشجيع الطفل و الإشادة به. 

ويمكن التواصل عادة الى إصلاحات عميقة في الطفل عبر الاستفادة من هذه التدابير، فهذا الأمر يعدّ ضرورياً في التعامل مع الأطفال غير السويّين، ولا سيما أنّ قطاعاً من الأفراد غير السويّين هم من الأشخاص عديمي الشخصية، الذين لا يؤمنون بأنّهم يمكن أن يكونوا أشخاصاً في موضع الاحترام والمحبّة.

فالإنسان في طبيعته يطرب للتشجيع، ويكفّ عن مزاولة السلوك المستهجن على إثر ذلك، ويرغّبه ذلك بالأعمال الصالحة، واللجوء إلى هذه التدابير من أجل البناء، وبغية تطبيقها من قبل أيّ فرد هو أمر محبّذ، وخصوصاً من قبل الأشخاص الضالعين بصورة مباشرة بأمر تربية الأطفال.

حاجة الأطفال للتشجيع والإشادة:

إنه لمن الخطأ أن نتصوّر بأنّ الطفل الفلاني لم يعد بحاجة للتشجيع بحجّة أنّه قد كبر، وأنّه عاد يدرك كافّة الأمور مثلاً. 

وهذا التشجيع في الواقع يشكّل ميلاً من الميول الفطرية للإنسان التي تبقى فيه مادام العمر، فنحن لا نعرف أحداً ليس بحاجة لهذا الأمر، فالجميع محتاجون له ويتمنّون الحصول على مكانة تخضع لتشجيع الآخرين وإشادتهم بها، فالمسابقات، والمحاولات، بل وحتى الحيل والخدع هي في غالبها بهذا القصد.

أحياناً تمنح المداعبة البسيطة الطفل قدرة وقوّة تدفعه لبذل الجهد.

إذاً فإنّ إشعار المرء بأنّ عمله يحظى بقبول واستحسان الآخرين يمنحه القوّة فيستمتع بذلك ويجد في نفسه روحاً منشرحة، وتنفتح الأبواب فيما بينه وبين المربّين بالشكل الذي يجعله قادراً على الكفّ عن ارتكاب التصرّفات الممزوجة، والامتناع عن إلحاق الأذى والإفساد والتخريب.

دور التشجيع وجدواه:

التشجيع والإشادة مبعث تعزيز المعنويات، فهما يمنحان الأشخاص طاقة جديدة، ويقوّيان في الطفل روحه المنهزمة، و يحييان فيه كرامته المضيّعة، فتستبدل الحقارة عنده بالعزّة، وتكون مدعاة لسلوكه سبيل النموّ والتكامل.

إنّ تشجيع الطفل والاطراء له يؤدّي الى انبثاق الشعور بالثقة لدى الأشخاص، فينمّيان فيه قابلياته الكامنة ويصلان بطاقاته الى أقصاها، فتنبلج كمالاته الخفيّة، ويضعان حتى الطفل في مقتبل العمر على الطريق وينفخان في كيانه قوّة جديدة.

وعن طريق التشجيع يتمّ إحياء شخصية الأطفال، وإنقاذهم من اليأس والتشاؤم، وتمهيد سبيل الحياة أمامهم بما يوفّره لهم من متطلّبات الانشراح. 

فحتى التشجيع العادي البسيط يغيّر مسيرة حياة المرء، وينشله من المساوئ و الأعمال الشائنة، فتتجلّى له رؤى جديدة.

و التشجيع والإشادة يعدّان نوعاً من أنواع التلقين على الاقتدار، فينشأ الطفل من خلاله ويحيا بواسطته، ولو كانت هنالك هزائم واندحارات في طريقه فإنّها تزول أيضاً، خصوصاً إذا كان هذا الأمر مدروساً فإنّه سيعتبر عاملاً في بناء الطفل.

لهذا السبب تبذل الجهود من أجل خلق وضع مشفق لدى الوالدين تجاه الفرد بما يصنع له محيطاً عاطفياً يمكن للشخص أن يبرز من خلاله ويعمل على بناء ذاته.

أضرار عدم الإهتمام بالطفل:

الأطفال الذين لم يتذوّقوا لذّة الثناء والإطراء، ولم يطبقوا عيناً في منازلهم على إشادة من والديهم، هم في الغالب يعانون من الإحباط المعنوي، وليس لديهم الاطمئنان في عملهم ومواصلة برامجهم. 

فكم من هؤلاء من يظنّ أنّ ما من عمل منهم يحظى بالقبول لدى الآخرين، فيشعرون عندئذ بالضعة والمهانة.

وكم من الأطفال الذين يودّون أن يكونوا جيّدين ويكفّوا عن التصرّفات غير المحمودة، لكنّهم يفتقرون لجرأة هذا الأمر، وعدم اهتمام والديهم بالثناء عليهم والإشادة بهم يؤدّي إلى بقاء هؤلاء على حالهم السابقة ليعتادوا عليها شيئاً فشيئاً.

أجل، ونحن نعتقد كذلك أنّ الإطراءات والإشادات تكون في بعض الموارد مضرّة بالطفل، ولكنّها على أيّ حال تشتمل على أضرار أدنى من أضرار اللوم والتقريع والنهر. 

فالطفل جراء ذلك يحصل على راحة البال، ويواصل مرغماً هذا الطريق والمنهج بغية صيانة كرامته وشرفه، ويألف السلوك الصحيح.

الآثار التربوية للتشجيع:

بشأن ماهية الإشادة والإطراء للطفل والثناء عليه وتشجيعه من حيث الآثار التربوية الإيجابية، فإنّ الإجابة واضحة، فمظاهر التشجيع تشوّق الأطفال لمزاولة أعمالهم فتجعلها مرغوبة للغاية، ونحن نستطيع من خلال هذا الأمر تمهيد الأرضية لتعزيز الثقة بالنفس لديهم، وتنتزع منهم روح اليأس والتهاون.

وعن طريق الاطراء والتشجيع يمكن تحسين علاقاتنا بالطفل وإصلاح وضعه وشطب نقاطه السلبية، وعادة ما يسعى المربّي في البداية لاستجلاء نقاط القوّة فيه والإشادة بها، ومن ثمّ يعكف على توجيه النقد له، وإفشاء نقاط ضعفه، ويحمله على إصلاحها.

فكم من الممارسات الجادّة، والمحاولات التي تتجاوز المقدار والحدّ يندفع الطفل لفرضها على نفسه جرّاء الإطراء والإشادة ممّا يجعله مستعدّاً لتحمّلها كما يتحمّل المرارة والحرمان، كيما يتمكّن من إحراز رضا أوليائه بالنتيجة ويدفعهم لتشجيعه والثناء عليه.

قيمة التشجيع والإشادة:

إنّ الإطراء والتشجيع اللذان يقدمّهما الوالدان والمربّون للأطفال إنّما هما في الواقع أجر يدفعونه في مقابل ما يتحمّله الأطفال من عناء. 

فأيّ فرد صغيراً كان أم كبيراً وفي أيّ منزل ومقام كان، يشعر في ظلّ الثناء والتشجيع بأنّه قد تسلّم استحقاق عمله، وعلى ما يبدو أنّه لا يجني في هذا المجال أجراً مادّياً، ولكن النتيجة المعنوية لذلك تفوق النتيجة المادّية بعدّة مراتب.

وعندما يقومون بالإشادة بالطفل فإنّه يشعر بأنّ مسؤولية التربويّين قد عرفوا قدره وشأنه، وأنّهم قد وقفوا على قيمة وأهمّية عمله، فهم يعتقدون به ويثمّنونه. 

وهذا الأمر يقضي على عنائه وتعبه، ويشرح قلبه، ويجري الأمور بصورة أكثر انسيابية.

توفير الأرضيات:

ولأجل مزاولتنا بناء الطفل وتربيته عبر هذه الطريق، فمن الضرورة بمكان قيامنا بتوطئة وتمهيد مستلزمات ذلك وأرضياته بصورة شخصية. 

وبعبارة أخرى تقوم بتكليف الطفل بعمل أو مهمّة يسيرة وممكنة الإنجاز، لكي ينجح في إنجازها ثمّ نعزم على تشجيعه والثناء عليه بعد نجاحه.

إنّ تنفيذ هذا الأمر، يقال بأنّه شكل من أشكال الحيل التربوية في جانب منه، لكنّه يؤدّي إلى فتح باب العلاقة بين الطفل والوالدين، ليتقرّب الطفل رويداً رويداً من المربّين، وإذا ما صادف أن جرى إيكال عمل شاقّ أحياناً الى الطفل فيجب حينئذ شحنه بالاطمئنان والأمل لأجل أن يواصل تقدّمه، وأنّه إذا ما فشل أثناء الطريق وحين العمل فإنّهم سيبادرون لمساعدته.

ومن الممكن أن تكون للطفل نقاط ضعف عديدة. لكن هذه القضية ليست بالمهمّة، إذ المهمّ أن يكتشف نقاط قوّته فنضعه موضع الإشادة والإطراء، كما يمكن أيضاً ومن بين جملة من الممارسات القبيحة والحسنة العثور على نقاطه الإيجابية، والقول له بأنّ عمله هذا كان حسناً.

النقطة الأخرى في هذا المجال، هي أنّ التشجيع والإشادة لهما أثر إيجابي أكبر حينما يكونان في حضور الجماعة، فعندما نمتدح العمل الحسن للطفل بحضور الآخرين نكون قد فتحنا في الواقع باب الملاحظة فيما بين الطفل وذلك الجمع، وهذا ما يلزم الطفل لأجل مراعاة تلك الملاحظات التي قد تحصّلت للكفّ عن الإنحرافات فيصبح ملتزماً ومسؤولاً.

الإشادة المنطقية:

نقطة أخرى ينبغي مراعاتها في هذا المضمار، وهي أن يكون الإطراء والتشجيع مصحوباً بالمنطق والدليل الذي يحظى بقبول الطفل. 

فالأطفال جميعاً يدركون الإشادات السطحية والتشجيعات التي تفتقر للأساس والصحّة، وإذا ما كانوا اليوم لا يلتفتون لذلك فإنّهم في الغد سيعونه، وفي هذه الحال سوف لن يثقوا بعد بوالديهم ومربّيهم، في حين نحن نعلم بأن وجود الثقة بالمربّي من أجل مواصلة الحياة وبناء الطفل وإصلاحه مبدأ لا يمكن تجاوزه.

وإنّه لمن الجدير والمناسب بمثل هذه الإشكال من الإشادات المنطقية أن تكون مصحوبة بالملاحظات الوعظية المبينة. 

فمثلاً يجري إفهام الطفل بأنّ عزّة وسعادة أيّ شخص بيد ذلك الشخص، فهو باستطاعته أن يهيّئ دواعي فخره وسعادته بنفسه، وفي معترك الحياة، الإنسان بذاته يستطيع أن يجعل من نفسه موفّقاً أو يلجئ نفسه للفشل. 

فمن الناحية المبدئية فإنّ المكانة في القضايا لها صلة تامّة بالبحث عن التطلّعات التي يمكن تحقيقها، ذلك لأنّه في غير هذه الحالة سوف لن تكون هناك خطوة إيجابية قد جرى رفعها في هذا الاتّجاه، فضلاً عن أنّنا جعلنا وضعه أشدّ سوءاً.

نوع التشجيع وكيفيته:

ينبغي أن تكون كيفية الإطراءات والتشجيعات على نحو يؤمن الطفل من خلاله بقيمته واستقلاليته واعتباره، أي أن تكون هذه القضايا مقبولة لديه قلبيّاً وأنّه فرد فاعل بمقدوره أن يحظى بقبول ورضا والديه ومربّيه.

ولابدّ للثناء والإطراء أن يكون على نحو يجد معه الطفل أنّ والديه ومربّيه يقدّرون عناءه، ويعتبرونه من صميم قلوبهم فرداً مهمّاً وقيّماً وجريئاً وذكيّاً. 

فهم قد رضوا به كعضو مفيد من أعضاء الأسرة، وهم أيضاً على استعداد للتغاضي عن نقاط ضعفه.

أحياناً، يمكن أن تكون الإطراءات والتشجيعات لفظية، وفي أحيان أخرى عملية، ففي النصف الأوّل يملك الوالدان والمربّون قلب الطفل حينما يقولون له أحسنت وأجدت، فبالإشادة اللفظية به يكونون قد أثنوا عليه ودفعوا له أجر عنائه.

وفي الصنف الثاني يمكن أخذ الطفل بالأحضان ومداعبته، وشراء الحاجة التي يحبّها، واصطحابه إلى أماكن للتمتّع بمناظرها، أو للمشاركة في المجالس.

فأحياناً يمكن وعبر مداعبة وملاطفة بسيطة، أو بالمسح باليد على رأسه، أو بتقبيل جبينه، أو بإلقاء قطعة من الحلوى بين يديه، نقل الطفل التائه الى قارعة الطريق، ودفعه بشكل عملي ليرى نفسه في مرحلة بأنّ إذعانه لارتكاب الخطأ ويعدّ حطّاً لشأنه، حيث سيعتبر نفسه أكبر وأهمّ من أن يرتكب خطأ.

الإشادة والتشجيع لمن ؟

الثناء والإطراء والتشجيع والإشادة، ومنح الاطمئنان والاهتمام، أمور يحتاجها الجميع، وهي ضرورية لكافّة الأشخاص، لكن ضرورتها تتأكّد لطائفة منهم. 

فعلى سبيل المثال هي ضرورية جدّاً للفرد الخجول وغير الاجتماعي، وللطفل الذي يشعر بالضعة والمهانة، وللطفل الذي يهرب من الجماعة، وللأطفال الذين يتمنّون أن يكونوا موضع اهتمام الآخرين ولكنّهم ليسوا كذلك، وللطفل الذي يشعر بالاضطراب والحيرة في أوساط الجماعة، ويعكف دوماً على الجلوس في زاوية منعزلاً، للطفل الذي يشكو من قلّة المحبّة أو أنه يتيم مثلاً، للطفل الذي لديه تصرّفات غير محبّذة وغير سليمة ونحن نعتزم إصلاحه، وفي النهاية لكلّ أولئك الذين لدينا النيّة في تنشئتهم وتربيتهم فإنّ هذا الأمر أبلغ ضرورة لهم.

فكم من الكثير من التشاؤمات وحالات اليأس، ومظاهر الانزواء يجري القضاء عليها في ظلّ الإشادة والتشجيع، ويعثر المبتلين بذلك على شخصيتهم، فيستشعرون بشخصيتهم وعظمتهم.

وكم من الأشخاص الذين نعرفهم ممّن ليس لديهم أحد في حياتهم اليومية يدلّلهم، أو يثني على أعمالهم ولو مرّة واحدة إن حصلت، وعلى هذا الأساس فإنّهم يعتبرون أنفسهم بأنّهم لم يعودوا بحاجة ليصبحوا أفراداً طيّبين، فهم يوغلون في الدنس، فيصنعون دواعي أذاهم وعناء الآخرين.

حدود التشجيع وأوانه:

في شتّى الأمور والقضايا، ومن بينها موضوع الإشادة والتشجيع أيضاً، ينبغي أن تراعى بعض الحدود، فمن الخطأ أن نترك الإطراء يتجاوز حدوده، لأنّ هذا الأمر يترك أثراً عكسياً في ذهن الطفل وفي تربيته، كما أنّه من الخطأ أن يحصل التشجيع بصورة مباشرة، لأنّه في هذه الحالة سيعتبر الطفل أنّه مسموح له من الآن فصاعداً أن يتلقّى أجراً معيّناً عن كلّ ممارسة إيجابية أو العزوف عن أيّ شكل من أشكال التصرّفات المرفوضة.

والنقطة الأخرى في هذا المجال هي أن يكون التشجيع والثناء في أوانه، فلو أنّ طفلاً أدّى عملاً إيجابياً فيجب عدم إيكال أمر الإطراء عليه إلى أمد آخر، بل يجب في ذلك اليوم إنجازه والوفاء به، ولا سيما هذا الأمر الذي ينبغي إنجازه في أوانه، والذي يجتاز فيه الطفل مشكلة بإصرار وعناد بعيدين أو يروم خلاله إصلاح وضعه.

المؤلّف : د. علي القائمي

المصدر : كتاب تربية الأطفال واليافعين وإعادة تأهيلهم

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.