سنعرّفكم في هذا المقال على دور القصّة الدينية في تربية الطفل.
مقدّمة:
تعدّ مرحلة الطفولة قاعدة أساسية في العملية التربوية، وخطوة أوّليّة في السلّم التعليميّ يمكن من خلالها أن ينمو الطفل نموّا متكاملا، وتساعده أيضا على توسيع مداركه بما يتلاءم وخصائص نموّه المختلفة، ليتمّ إشباع حاجاته المتعدّدة بطريقة صحيحة.
ففيها تتشكّل قيمه وقدراته واتّجاهاته، وتتفتّق فيها مواهبه، وتتحدّد ميوله، وتقوى استعداداته، وهي مرحلة المرونة، والقابلية للتعلّم، والنموّ العقلي الواضح.
ولذلك فإنّ التعلّم فيها يظلّ ملازما للإنسان طوال حياته، وكلّ ما يغرس فيها من مكارم الأخلاق، ومن صفات الخير والشرّ يؤتي أكله في مستقبل حياة الإنسان.
ولذلك فإنّه بمقدار ما يبذل من جهد في رعاية الأطفال وتربيتهم التربية السليمة يكون المجتمع قويّا، لأنّ العناية بهم أساس لكلّ نهضة حقيقية، وأساس لكلّ تقدّم سليم، فبضعفهم يضعف المجتمع وينهار، وبقوّتهم يقوى ويزدهر.
ومن هنا كان لزاما على المربّين وعلى القائمين بأمور التربية والتعليم أن يولوا الأطفال جلّ اهتمامهم، وفائق عنايتهم.
وتعتبر مرحلة الطفولة أيضا من أهمّ المراحل المؤثّرة مستقبلا في حياة الإنسان، وحياة مجتمعه الذي يعيش فيه، إيجابا وسلبا، لأنّ كلّ دعامة وأساس تربوي سليم يؤسّس في هذه المرحلة، سيكون مردوده إيجابيّا على شخصية الفرد في الكبر، وعلى مجتمعه الذي يعيش فيه أيضا.
وأنّ أيّ قصور ناجم من قبل الآباء والأمّهات والمربّين في تربية الطفل في مرحلة طفولته سيكون مردوده سلبيا وسيّئا يصعب معالجته فيما بعد.
والتربية الإسلامية أفضل تربية للطفل المسلم في جميع جوانب نموّه المختلفة، باعتبارها تربية متكاملة، متوازنة، تعدّه في جميع جوانب النموّ المختلفة لحياتي الدنيا والآخرة، في ضوء المبادئ والقيم والأساليب والطرق التي جاء بها الإسلام، وهي متنوّعة ومتعدّدة، ومهمّة المربّي اختيار الأنسب منها، وتوظيفها لتحقيق الأهداف التي تنشدها من وراء ذلك الاستخدام.
وتنمو المشاعر الدينية تدريجيّا مع نموّ الطفل، ثم ما تلبث أن تبدأ الانفعالات والعواطف في التبلور تدريجيّا خلال مرحلة الطفولة المبكّرة حول موضوع الدين وحبّ الله، والخوف منه، وحبّ رسوله، و يصطبغ شعور الطفل الديني في هذه المرحلة بالصبغة الحسّية، متأثّرا بخياله وبفكره الحسّي.
ويرتبط النموّ الأخلاقي عند الطفل بنموّ الشعور الدينيّ، لأنّ الأخلاق ثمرة من ثمرات الإيمان، والتنشئة الدينية السليمة.
ويقوم المربّي المسلم بغرس التربية الخلقية في نفس المتربّي بالبرامج والأنشطة التي تعكس على الجوارح سلوكا حسنا.
وتنشط الحياة العقلية للطفل في مراحله الأولى، وتزداد قدرته على التعلّم بالخبرة، ولذلك يتطلّب النموّ العقلي للطفل التربية العقلية التي تغذّي عقله بالمعرفة، وتدرّبه تدريبا منظّما على النظر البعيد، والتفكير الصحيح، لأنّ التربية العقلية هي طريق موصل إلى الإيمان بالله تعالى.
ومن أهداف تربية الطفل الاجتماعية في الإسلام ضبط سلوكه، وكفّه عن الأعمال التي لا يقبلها المجتمع، وأن تكون هذه السلوكيات نابعة من المنهج الربّاني.
وتتعدّد الأساليب التربوية التي تتحقّق بها التربية الإسلامية الشاملة للطفل، ومن تلك الأساليب: أسلوب التربية بالقدوة، وأسلوب التربية بالعادة، وأسلوب التربية بضرب المثل، إلاّ أنّ من أنجح تلك الأساليب، ومن أقواها أثرا تربويّا في الطفل أسلوب التربية بالقصّة الدينية.
نظرا للميزات التي امتازت بها، والسمات التي انفردت بها دون غيرها من الأساليب، نظرا لطبيعة البشر التي ترفض التوجيه المباشر وتنفر منه، ولطبيعة التعلّم الأوّلي التي يتعلّم بها الطفل.
ويساهم عرض القصص الدينية بشكل فاعل في تربية الطفل التربية الإسلامية، التي تؤهّله كإنسان متكامل في جوانب نموّه المختلفة، ليكون عابداً لله، معمّرا لأرضه المستخلف فيها.
ومع تلك الأهمّية التي احتلّتها القصّة الدينية في تاريخ البشرية عامّة، وتاريخ التربية الإسلامية خاصّة، ومع استمرار تلك الأهمّية إلى وقتنا الحاضر، إلاّ أنّه يتعيّن على المربّي المسلم أن يحسن انتقاءه للقصص الدينية المستخدمة في تربية الطفل، بحيث يتمّ انتقاءه قصصا تربوية إسلامية تحقّق أهداف التربية الإسلامية للطفل، أو تحقّق بعضا منها.
ولهذا كان طبيعيّا أن تكون القصة في القرآن الكريم موجّهة خاضعة للأغراض الدينية التي جاءت لتحقيقها.
فليس القرآن كتاب قصص وحكايات، وإنّما هو كتاب تربية وتوجيه وهداية، ولكن الدقّة في الأداء، والبراعة في الأسلوب، جعل القصّة الدينية مع خضوعها للغرض الديني طليقة من الوجهة الفنّية، وجعل استخدام القصص الدينية للتربية على إطلاقها جزءا من منهج التربية الإسلامية.
واستخدام القرآن الكريم، والرسول القصّة الدينية في التربية، وفي ترقيق القلوب، وتنوير العقول، وأخذ العظة والعبرة من قصص الأقوام السابقة، ومن ثمّ استخدمتها الأمّهات في التربية أيضا، وفي تزويد أطفالهنّ بنماذج وقدوات لم يعاصروها، بدءا بالرسول صلّى الله عليه و سلّم، وحتى يومنا الحاضر.
مشكلة الدراسة وسؤاليها: تحتلّ القصّة الدينية مكانا متصدّرا بين الأساليب التربوية المستخدمة لتربية الطفل، نظرا للعناصر المشوّقة التي تحتويها، والتي تتّحد مع بعضها البعض في اتّساق عجيب، تضفي طابع تشويق، يجذب نحو انتباه الطفل، مؤثّرا بذلك في عواطفه وانفعالاته وعمليّاته العقلية، وباعتبارها من أنجح أساليب التربية التي يمكن الاستعانة بها لتربية الطفل التربية الدينية في مراحل الطفولة الأولى.
وتحتاج وسائط التربية الإسلامية، والمربّون المسلمون للقصّة الدينية، كأسلوب تربويّ يستعينون به، لرفـع المسيرة التربوية والتعليمية قدما للأمام في جميع المراحل عامّة، ومرحلة الطفولة بصفة خاصّة.
ومن هنا تكمن مشكلة هذه الدراسة في تدنّي القيم والوعي الديني لدى الشباب بشكل عامّ، ولدى الأطفال بشكل خاصّ، وكذلك في ضعف الوازع الديني، ممّا يتطلّب نشر الوعي الديني، وتهذيب الأخلاق، وتعديل السلوك.
ولعلّ أحسن ما يؤدّي ذلك القصّة الدينية، إذ إنّها تشوّق الأطفال، وتثير حماسهم نحو سماعها أو قراءتها والتعامل معها، ممّا يؤدّي إلى تربيتهم تربية دينية، وتنمية جوانب نموّهم المختلفة.
وبالتحديد حاولت هذه الدراسة الإجابة عن السؤالين الآتيين:
ما مفهوم القصة الدينية ؟
ما دور القصة الدينية في تربية الطفل سلوكيّا وقيميّا ؟
أهمّّية الدراسة: يمكن تقسيم أهمّية الدراسة إلى أهمّية نظرية وأهمّية عملية تطبيقية:
وتبدو الأهمّية النظرية للدراسة في تناولها لموضوع تربوي مهمّ وهو الكشف عن دور القصّة الدينية في تربية الطفل، بإضافتها لأدب تربوي ينطوي على معرفة تربوية جديدة حول موضوع القصّة الدينية، والتكوين العلمي لطبيعتها، ومكوّناتها، ومصادرها، وتوضيح الأدوار التي تكون غامضة في بعض الأحيان.
أمّا الأهمّيّة العملية للدراسة فيمكن أن يستفيد من نتائجها في تربية الأطفال في الجوانب السلوكية والخلقية والاجتماعية، إذ يستطيع الطفل من خلالها تعلّم ما في الحياة من خير وشرّ وتمييز بين الصواب والخطأ، والقدرة على التفكير في اتّخاذ القرار بما يساعد على تكوين شخصيته، وتوجيه سلوكه، وذلك عن طريق التحكّم في نوع الخبرات المقدّمة له بطريقة القصّة الدينية.
وتتجلّى أهمّيتها العملية أيضا بتأثيرها على السلوك القيمي للأطفال القرّاء في المواقف اليومية، باعتبارها أكثر حيوية وتشخيصا للمواقف الحيّة، وأكثر جاذبية لهم ومن أقدرها على إقناعهم.
فهي تستثير مشاعرهم، وتمتلك عقولهم، وتنمّي القدرة على الابتكار لديهم، وتعمل على تعديل سلوكهم سلوكا دينيّا في حدود ما هو مطلوب منهم، فالأطفال يتأثّرون بقراءة القصص، وبخاصّة الدينية منها، بحيث يؤدّون ما هو مطلوب منهم من شعائر، وفي التعامل مع الآخرين، ومع الكون والبيئة المحيطة بهم.
حدود الدراسة: يمكن التعامل مع نتائج الدراسة الحالية في ضوء المحدّدين الآتيين:
اقتصارها على الجانب النظريّ المتمثّل في الأدبيّات والدراسات السابقة المتعلّقة بالقصّة الدينية.
اقتصارها على نوع واحد من أنواع القصص (القصّة الدينية).
مصطلحات الدراسة: تقوم الدراسة الحالية على المصطلحات الآتية:
القصّة الدينية: وهي القصّة التي تهدف نحو هدف تربويّ ينسجم مع غاية الإسلام الربّانية في تحقيق العبودية لله، وتحقيق مهمّة الخلافة في الأرض، ومصدرها القرآن الكريم، أو السيرة النبوية، أو سير الأنبياء والمرسلين، أو حياة الصحابة والصالحين، وتاريخ الإسلام.
التربية بالقصّة: وهي استخدام القصّة الدينية كأسلوب تربوي يساهم في تربية الأطفال تربية دينية إسلامية في مراحل طفولتهم الأولى وتنميتهم في جوانب نموّهم المختلفة، نظرا لما تمتاز به من قدرة عجيبة على جذب انتباههم نحوها، وضمان بقاء أثرها فيهم إلى ما بعد سماعهم أو قراءتهم لها، بالإضافة إلى تضمينها الكثير من الأهداف التربوية الإسلامية التي يسعون نحو بلوغها والوصول إليها.
الطفل لغة: هو المولود، وجمع الطفل: أطفال، وتطلق كلمة الطفل على الولد الصغير من الإنسان والدوابّ، قـال ابن الأنباري: ويكون (الطفل) بلفظ واحد للمذكّر والمؤنّث والجمع، قال تعالى: أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ[النور: 31].
الطفل اصطلاحا: الطفل في التربية: يطلق على الولد والبنت حتى سنّ البلوغ، وقد حدّد سنّ البلوغ بثماني عشرة سنة للذكور وسبع عشرة سنة للإناث.
منهج الدراسة: استخدم الباحث المنهج الوصفي الذي يقوم على جمع المعلومات والبيانات، والعمل على تنظيمها وتحليلها، ومن ثمّ استخراج الاستنتاجات ذات المغزى بالنسبة للموضوع المطروح.
ومن خلال هذا المنهج قام الباحث بجمع المعلومات ذات الصلة بالقصّة الدينية، ومصادرها، وأهدافها، وعلاقتها بتربية الطفل، سلوكيّا وقيميّا.
الأدب النظريّ والدراسات السابقة:
أهمّية القصة: تمثّل القصص خبرات وتجارب ومشاعر وأحداث الإنسان التي مرّ بها في حياته سواء الواقعية منها، أم تلك التي من إبداع التخيّل الإنسانيّ.
وقد حلّل وفسّر العديد من المختصّين في أنّها تحدّد إطار هوّيتنا وتاريخنا الوطني، كما اعتبر إلقاؤها طريقة قديمة لإيصال الأفكار والصور التي تسمح للأفراد بتقاسم الخبرات الشخصية وتكوين المعرفة للمجتمع.
وإنّ إلقاء القصص وروايتها يتطلّب مهارة وقدرة على سرد أحداثها باللغة المنطوقة ولغة الجسد لتعبّر عن الذات وتوجّهها.
وتستخدم القصص للتوافق بين رسالة وقيم المؤسّسات واحتياجات الموظّفين فيها مثل الحاجة للانتماء والمساهمة، إذ وجد الباحثون أنّ رواية القصص مقنعة أكثر للمستمعين إذا ما قورنت بالمناقشات و الإحصائيات والحقائق التي يمكن التشكيك بها.
فالقصّة تجعل الموضوع حقيقيّ للمتلقّي أو الجمهور وذلك لسهولة فهمها، وللقصّة دور في تقليل مقاومة التغيير.
وللقصّة المقدّمة للطفل طابع خاصّ يميّزها عن القصص الأخرى المقدّمة لمن هم أكبر منه سنّا، رغم اشتراكها معها في العناصر والأسس البنائية التي تقوم عليها كلّ منها. فهي من أحبّ أنواع الأدب الذي يقبل عليه الطفل بشغف وإعجاب، منفّسا به عمّا يعتريه من انفعالات وضغوط نفسية، ومفسّرا لما يدور في العالم من حوله، ممّا لا يجد له إجابة ترضي تطلّعه ورغبته الدائمة في الاكتشاف.
وتعدّ القصّة أيضا من أقوى عوامل استثارة الطفل، والتأثير فيه تأثيرا لا ينحصر على وقت سماعه أو قراءته، وإنّما يتجاوز إلى تقليد ما يجري فيها من أحداث، وما تنطوي عليه من شخصيات ووقائع وسلوك وأخلاق في حياته اليومية الواقعية.
وتعطي القصّة الطفل فرصة لتحويل الكلام المنطوق إلى صورة ذهنية خيالية يتمثّلها، فيبحر معها، وينطلق في أجوائها بمتعة وراحة نفسية، تمكّنه من تشرّب القيم والأخلاق بيسر وسهولة، وتتيح له فرصة الخلوة مع النفس والكلمة، ممّا يعطيه فرصة للتفكير والتأمّل الذاتيّ في الكلام المكتوب، ومن ثمّ الاقتناع به دون تدخّل خارجيّ واضح، وتجذب انتباهه بحركتها المستمرّة السارية فيها، وبالتطوّر التاريخي لأحداثها، الذي ينجم عنه صراع يصل به إلى حلّ نموذجي مثالي يكتسب الطفل به أسلوبا للحياة، أو نموذجا للتفكير، أو سلوكا يحتذى به.
ومن غير وعظ أو إرشاد للكبـار المحيطين به، والذين غالبا ما يواجهونه بأسلوب قهري ينفّره من معاني الخير وقيم الفضيلة، مع مساعدتها له على أن يتعرّف إلى أناس كثيرين، وأشياء متنوّعة، وأزمنة وأماكن متنوّعة، ومواقف وأحداث مختلفة، ولغات ولهجات متباينة، يتّصل بهم، ويتفاعل معهم، موسّعا بذلك دائرة خبراته، ومنمّيا بذلك شخصيته في جوانب شتّى، وتقريب المفاهيم المجرّدة، وإبرازها في صورة حيّة مجسّدة، خصوصا مفاهيم العقيدة الإسلامية، والأخلاق الفاضلة، بأسلوب يتناسب ومستوى إدراك الطفل واستيعابه للأمور.
عناصر القصّة الأساسية:
1. لفكرة: وهي الأساس الذي يقوم عليه بناء القصّة، والهدف المراد بلوغه من وراء تفاعل الأحداث، وتحرّك الشخصيات.
ومن سمات الفكرة التي ينبغي مراعاتها في قصّة الطفل أن تراعي خصائص نموّه وطبيعة مرحلته، وأن تكون بنّاءة تدعو للفضائل، وتنفّره من الرذائل، وتمدّه بالمعارف والمعلومات التي تسهم في بنائه ونموّه، وتشير إلى القدوات المنشودة من السلف الصالح، أو النماذج المعاصرة المثلى.
2. الأحداث: وهي مجموعة الوقائع التي تقوم بها شخصيات القصّة، والتي تدور حول الفكرة العامّة لها، من بدايتها إلى نهايتها، في نسيج متكامل.
وغالبا ما تبدأ بطيئة أثناء التمهيد، ثم ما تلبث أن تتسارع تدريجيّا، وينمو بينها الصراع مع نموّ حركة القصّة حتى تصل إلى العقدة، قمّة الأحداث وذروتها، التي تتكشّف وتنحلّ مع الوصول إلى الخاتمة والنهاية بطريقة منطقية مقنعة لا افتعال فيها.
وكلّما كانت الأحداث متطوّرة ومشوّقة كلّما دفعت الطفل إلى متابعة قراءة القصّة أو سماعها بمتعة وفهم، وكلّما بعثت فيه الرغبة أيضا لاكتشاف النهاية التي تفضي إليها وهي تتفاعل مع الشخصيات.
ومن المستحسن عدم الإكثار من الأحداث، حتى لا يقع الطفل في حيرة، ويضيع عنه خطّ الحدث الرئيسي، وحتى يستطيع فهم ما يقرأه أو يسمعه ويتذكّره ويربط بين أطواره للوصول إلى المعنى الكلّي والعبرة من العمل بمجمله.
3. الشخصيات: الشخصية عنصر مهمّ من عناصر البناء الفنّي في القصّة، وهي تعمل مجتمعة لإبراز الفكرة التي من أجلها وضعت تلك القصّة.
وتنقسم الشخصية من حيث الجنس إلى: شخصيات من عالم الشهادة، كالشخصيات البشرية، والشخصيات الحيوانية، وشخصيات من عالم الغيب: كالملائكة، والجنّ، والأشباح، والشياطين.
وتنقسم الشخصية من حيث الدور: إلى الشخصية الرئيسة، التي يطلق عليها شخصية البطل، وإلى الشخصيات الثانوية، التي تتكامل فيما بينها لإظهار الشخصية الرئيسة، وما يصدر عنها من تصرّفات وأخلاق وصفات.
وقد تتبنّى تلك الشخصيات صفة دائمة لا تتغيّر طوال القصة، فالمجاهد، والفارس، والصديق المخلص، يبقون على حالهم منذ بداية القصّة حتى نهايتها، فتكون شخصيات بسيطة مسطّحة.
وقد تكون شخصيات نامية معقّدة لا تبدو للقارئ أو السامع بل تتكشّف له تدريجيّا، وتتطوّر بتطوّر أحداث القصّة، وتفاعلها معها.
ولتساهم الشخصيات في نجاح قصّة الطفل يجب أن يتوافر فيها الإقناع والبعد عن التناقض، والانسجام والتفاعل مع الأحداث، والتشابه مع مثيلاتها في الحياة، إن وضعت تحت تأثير الظروف نفسها، ورسم التكوين الجسمي، وملامح الشخصية، بحيث ترى أمام الطفل مجسّدة بدانة أو نحافة، طولا أو قصرا، سمرة أو بياضا، وما إلى ذلك من خصائص خلقية مميّزة.
والاشتمال على أبطال من الأطفال، وعلى نماذج بشرية تتمثّل فيها الطفولة من نواح عدّة، والإيحاء بصفات الشخصية، مع سهولة الأسماء، حتى لا يقع الطفل في لبس مع أسماء الشخصيات الأخرى.
4. الزمان والمكان: زمان القصّة ومكانها هما بيئتي القصّة الزمانية والمكانية، أي زمان وقوع القصّة ومكان حدوثها.
والزمان قد يكون فترة من التاريخ، أو فصلا من فصول السنة، أو أسبوعا أو يوما في الزمن الماضي البعيد، أو في الزمن الحاضر أو في المستقبل، كما أنّ المكان قد يمثّل منطقة واسعة، أو مدينة كبيرة، كما يمثّل مزرعة أو قرية، أو فصلا دراسيّا صغيرا.
ومن الضروري أن ترتبط أحداث القصّة بزمان ومكان حدوثها، لتكون أكثر حيوية وصدقا في تعبيرها عن ذلك الزمان وذلك المكان الذي جرت ووقعت أحداثها فيه.
وهناك أزمنة وأمكنة من الخير الكثير أن يتمثّلها الطفل ويتصوّرها منذ حداثة سنّه، مثل: يوم الجمعة، وشهر رمضان المبارك، وشهر الحجّ الحرام، ومثل: مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة، وبيت المقدس.
وأنّه من الخير أيضا أن يتعرّف إلى فضائلها وآدابها، وكلّ أمر يدفعه لتعظيمها والوفاء بحقّها.
5. الأسلوب: أسلوب القصّة هو طريقة الكاتب في صياغة الجمل، واختيار الكلمات المعبّرة عن فكرة قصّته.
والأسلوب الجيّد هو الأسلوب المناسب لموضوع القصّة وأحداثها وشخصياتها، والذي يخلق جوّ القصّة، ويظهر الأحاسيس فيها، ويلائم الفئة العمرية التي سيقدّم له.
ومن الشروط التي ينبغي مراعاتها في أسلوب قصّة الطفل ما يأتي:
وضوح الأسلوب: ويعني أن يكون في مقدور الأطفال استيعاب التراكيب، والألفاظ، وفهم فكرة القصّة، وتيسير ذلك إذا كان النسيج اللفظي بسيطا من غير سذاجة، خاليا من كثرة الزخارف والتنميقات.
قوّة الأسلوب: ويتمثّل في إيقاظ حواسّ الطفل وإثارتها، لجذبه كي يندمج وينفعل بالقصّة، ويتيسّر ذلك بنقل انفعالات الكاتب إلى ثنايا عمله القصصيّ، والتعبير عنها بالجمل والعبارات المناسبة.
جمال الأسلوب: ويعني: سريان الجمل والعبارات في توافق لفظي، وتأليف صوتي، واستواء موسيقي.
6. عناصر التشويق: عناصر التشويق في القصّة ضرورية لجذب انتباه الطفل إلى القصّة، ثمّ لضمان استمرار قراءته لها، والاستماع إليها حتى النهاية، ثمّ الاحتفاظ بها واستعادتها.
وتتعدّد مصادر التشويق في القصّة، فقد يكون مصدر التشويق آتيا من أسلوب الإخراج الفنيّ (رسوم، ألوان، حجم الصفحة وشكلها)، وقد يكون آتيا من موهبة الكاتب في الكتابة، واختيار العنوان، وعرض الفكرة، وقد يكون آتيا من غير ذلك، لكن يجب أن يحرص الكاتب على بثّه في كلّ مكوّنات القصّة، وفي جميع عناصرها.
مصادر القصّة الدينية: تتعدّد المصادر التي يستقي منها القاصّ المسلم قصّته الدينية، ومنها القرآن الكريم، باعتباره المصدر الأوّل من مصادر القصّة الدينية، فهو يحتوي على العديد من القصص التي تذكّر الناس، وتشرح لهم طريق الخير، وتحذّرهم من طريق الشرّ، بأسلوب لغويّ جزل، وقوّة بيان، ووضوح معنى، ينفذ إلى القلوب، ليفتح مغاليق العقول، ويحصل الاعتبار والعظة لأولي الألباب، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ [يوسف: 111].
وموضوعات القصّة الدينية متنوّعة، وشخصياتها وأحداثها متعدّدة، فهناك القصّة التي يدور موضوعها حول الصراع بين الخير والشرّ، كقصّة آدم في صراعه مع الشيطان، وهناك القصّة التي يدور موضوعها حول رعاية الله تعالى لعباده المؤمنين، وإهلاكه للمكذّبين، كقصّة إبراهيم وإحراقه في النار، ونجاته منها، وقصص هلاك الأقوام المكذّبة، كقصّة نوح وأصحاب مدين، وغيرهم.
وهناك القصّة التي تنتمي شخصياتها إلى عالم الغيب، من ملائكة، وشياطين، وجنّ، والقصّة التي تنتمي شخصياتها إلى عالم الشهادة: من المؤمنين الصالحين، نساء ورجالا، كزوجة آدم، وامرأة فرعون، وأمّ موسى وأصحاب الكهف، والكافرين، كامرأة لوط، وإمرأة العزيز، وكهامان وقارون، وقوم عاد، وقوم ثمود، وغيرهم.
وهناك أيضا شخصيات لا تنتمي إلى عالم الإنس والجنّ، كبقرة بني إسرائيل، ونمل وهدهد سليمان، والتي تعدّ من الشخصيات الحيوانية المحبّبة إلى عالم الطفل، والذي لا يملّ ولا يضجر من سماع القصص التي تدور حولها.
وأدّى ارتباط الحدث بالشخصية إلى تنوّع الأحداث في القصّة الدينية، ما بين أحداث خارقة تمثّل القدرة الإلهية، في صورة خارجة عن مألوف البشر، مثل: الملائكة الذين تجسّدوا في صورة بشر مستضاف من قبل إبراهيم، وشقّ البحر، وتفجير العيون بعصا موسى، وما بين أحداث مألوفة قد يقع مثلها في حياة الإنسان، فيها العظة، والنفع الكبير.
ومن القصص الدينية المستمدّة من القرآن الكريم، والمناسبة للأطفال، قصص الأنبياء، وقصص الطير والحيوان، كقصّة أصحاب الفيل، وقصّة أصحاب الجنّة.
ويعدّ الحديث الشريف المصدر الثاني للقصّة الدينية، وإذا كانت القصّة بارزة في القرآن الكريم، فإنّها كذلك في حديث رسول الله صلّى الله عليه و سلّم.
فهناك القصّة الواقعة للرسول صلّى الله عليه و سلّم في فترة من فترات حياته المختلفة، تحت ظروف متعدّدة، كقصّة الإسراء والمعراج، وهناك القصّة التي تروي واقعة حدثت في الزمن الماضي لأشخاص لهم وجود حقيقي، كقصّة الملك و الغلام والساحر والراهب، المسمّاة بقصّة أصحاب الأخدود، والقصّة الغيبية التي تقصّ ما سيقع في المستقبل ممّا لم يطّلع عليه الإنسان، والذي هو تحت القدرة الإلهية المعجزة، كقصّة الدجّال، وقصّة آخر رجل يخرج من النار ويدخل الجنّة.
وتتنوّع الشخصيات والأحداث في الحديث الشريف، كما تنوّعت في قصص القرآن الكريم، فهناك الشخصيات التي تنتمي إلى عالم الغيب، كجبريل، وميكائيل، والشخصيات التي تنتمي إلى عالم الشهادة، من الأنبياء، والصالحين والطغاة، كمحمّد في قصّة الإسراء والمعراج، والخضر في قصّة موسى، والملك والساحر في قصّة أصحاب الأخدود، بالإضافة إلى تنوّع الأحداث بما ينسجم مع طبيعة وغايات القصّة في الحديث الشريف، ما بين أحداث خارقة للعادة، كرؤية الملائكة في صورة حسنة، وحفر الملك لزمزم، ومخاطبته لهاجر في قصّة بناء الكعبة، وأحداث غيبية، وأخرى معتادة، قد تقع بعد ذلك.
ومن قصص السنّة النبوية المناسبة للأطفال: قصّة المرأة المعذّبة للهرّة، وقصّة الرجل الذي سقى كلبا فغفر الله له لفعله ذلك، تقصّ عليهم من قبل المعلّم أو المعلّمة كما وردت في أحاديث رسول الله صلّى الله و سلّم بصورة مبسّطة.
وتعدّ كتب السيرة من مصادر القصّة الدينية، فهي ممتلئة بقصص وقعت أحداثها لأناس سيرهم وحياتهم مليئة بالمواقف الأخلاقية والبطولية، التي تهذّب الأخلاق، وتقوّم السلوك، كالقصص الموجودة في سيرة الخلفاء الراشدين أجمعين.
ومن قبلهم سيرة الرسول صلّى الله عليه و سلّم من مولده وحتى وفاته، وقصص الصحابة والتابعين والصالحين، أمثال: خديجة، وأسماء، وعمّار، وبلال الحبشي، الذين يجد فيهم الأطفال القدوة الحسنة، والمثال المحتذى، والذي لو ساروا عليه وانتهجوا نهجه لكلّل سعيهم بالفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة.
ومن قصص كتب السيرة المناسبة للأطفال: قصّة حفر الخندق، وقصّة ذات النطاقين، وقصّة الشقيقين، معاذ ومعوّذ.
ويعدّ الواقع المعاش من مصادر القصّة الدينية، فالأحداث مليئة بالأحداث، وبيئة الطفل مليئة أيضا، فالطبيعة وجمالها وزينتها، وعادات الشعوب وطبائعها، ومشاكل المجتمع، ومظاهر حضارته، مجال خصب أمام الأديب لكتابة قصّته، التي تفيد الطفل، وتعرّفه بالعالم من حوله، لاسيما في مراحل طفولته الأولى التي يكتشف فيها عالمه المحيط به بوجهة التصوّر الإسلامي لذلك العالم، والنابع من التزام الأديب المسلم، الذي يعبّر تعبيرا فنّيا هادفا بتصوّر إسلامي واضح، عن الكون والإنسان والحياة.
القصّة الدينية في القرآن الكريم: والقصّة الدينية في القرآن الكريم ثلاثة أنواع وهي كالآتي:
الأوّل: قصص الأنبياء، وتضمن دعوتهم إلى قومهم، والمعجزات التي أيّدهم الله بها، وموقف المعاندين منهم، ومراحل الدعوة وتطوّرها وعاقبة المؤمنين والمكذّبين.
كقصّة نوح، وإبراهيم، وموسى، وهارون، وعيسى، ومحمّد صلّى الله عليه و سلّم، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
الثاني: قصص قرآنية تتعلّق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت ثبوتهم، كقصّة الذين أخرجوا من ديارهم، وطالوت وجالوت، وابني آدم، وأهل الكهف، وذي القرنين، وقارون، وأصحاب السبت، ومريم، وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل ونحوهم.
الثالث: قصص تتعلّق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كغزوة بدر وأحد في سورة آل عمران، وغزوة حنين وتبوك في التوبة، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب، والهجرة، والإسراء، ونحو ذلك.
الدراسات السابقة: تناول الباحث في دراسته 4 دراسات، وهي مرتّبة بحسب تسلسلها الزمني، كما يأتي:
أجرت الحييد (2005) دراسة هدفت إلى التعرّف إلى مصادر قصص عبد التوّاب يوسف الديني للأطفـال، وتحليل نماذج منها، لإبراز الأثر التربوي التوجيهي لها، والكشف عن قيمتها الفنّية.
توصّلت الدراسة إلى نتائج من أهمّها: أنّ قصص عبد التوّاب يوسف الدينية للأطفال قصص أدب إسلامي متوافق مع طفل العصر، وأنّ عبد التوّاب يوسف استطاع بنتائجه الأدبية التقريب بين الأطفال وبين مصادر دينهم الإسلامية: قرآن كريم، وحديث شريف، وسيرة، ليعزّز الثقة بذلك في نفوسهم، ويحفّزهم على إكمال طريق بطولات أجدادهم، والتقدّم في جميع مجالات الحياة، بعد أن أحدث فيهم ذلك النتاج القصصي الأثر التربوي الإسلامي المطلوب.
وأجرت محمّد (2001) دراسة هدفت إلى معرفة أثر شخصيات القصّة في تنمية بعض القيم الأخلاقية لدى طفل الروضة ببرنامج قصصي مقترح.
استخدمت الباحثة في دراستها المنهج التجريبي، توصّلت الدراسة إلى نتائج من أبرزها وجود علاقة بين شخصيات القصّة، وتنمية بعض القيم الإسلامية لدى طفل الروضة، وأنّ أطفال هذه المرحلة يميلون للقصص ذات الشخصيات البشرية أكثر من غيرها.
وأجرت عبد الرحمن (1991) دراسة هدفت إلى معرفة أثر استخدام القصص الدينية في تدريس بعض فروع التربية الدينية الإسلامية وأثرها على تحصيل تلاميذ الصفّ الأوّل الإعدادي وعلى سلوكهم الدينّ.
وتكوّنت عيّنة الدراسة من تلاميذ الصفّ الأوّل الإعدادي، وتوصّلت الدراسة إلى نتائج من أبرزها: أنّ أسلوب القصص الديني في تدريس التربية الدينية الإسلامية لتلاميذ الصفّ الأوّل الإعدادي له أثر فعّال في تحسين تحصيل التلاميذ على مستوى التذكّر والفهم، بالإضافة إلى أنّه يسهم في تحسين اختياراتهم للسلوك الديني المناسب في المواقف الحياتية، بصورة أفضل من استخدام الأسلوب العادي في التدريس.
وأجرى جرّار (1988) دراسة هدفت في وضع منهج للقصّة الإسلامية بقصص القرآن والحديث الشريف، ومن ثمّ إبراز الخصائص المميّزة لها.
استخدم الباحث في دراسته أكثر من منهج ومنها: المنهج التاريخي، والمنهج الفنّي الفكري، توصّلت الدراسة إلى نتائج منها: أنّ القصّة الدينية هي القصّة التي يتجلّى فيها التصوّر الإسلامي للكون والحياة والإنسان والمجتمع.
التعقيب على الدراسات السابقة: ويسجّل الباحث على الدراسات السابقة التي تناولها الآتي:
اتّفقت بعض هذه الدراسات في بعض نتائجها من حيث فاعلية استخدام القصّة الدينية في تربية الأطفال، وأثر ذلك الاستخدام في تحصيل الطلبة، وفي سلوكهم الديني، وتنمية القيم الدينية لديهم، وإبراز الأثر التربوي التوجيهي لدراسة القصص كدراسة عبد الرحمن (1991)، وكدراسة محمّد (2001)، وكدراسة الحييد (2005).
اختلفت بعض هذه الدراسات في المنهجية المستخدمة، فاستخدمت الحييد (2005) المنهج التحليلي الفنّي، واستخدمت كلا من محمّد (2004)، وعبد الرحمن (1991) المنهج التجريبيّ، واستخدم جرّار (1988) المنهج التاريخيّ والوصفيّ.
وتتميّز هذه الدراسة عن الدراسات السابقة بالعمل على تعميق مشكلة البحث بالتعرّف إلى دور القصّة الدينية في تربية الطفل، وأفاد الباحث مع ذلك من الدراسات السابقة في المنهجية التي اتّبعتها، والمسوغات التي أوردتها، وبعض توصياتها، وفي تحديد مصادر القصص الدينية المستخدمة في تربية الطفل في الإسلام.
نتائج الدراسة وتفسيرها: يتضمّن هذا الجزء تفسير نتائج الدراسة، التي هدفت إلى الكشف عن دور القصّة الدينية في تربية الطفل.
نتائج السؤال الأوّل وتفسيرها: نصّ السؤال الأوّل للدراسة على: ما مفهوم القصّة الدينية؟
وللإجابة عن سؤال الدراسة يستعرض الباحث العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت مفهوم القصّة الدينية.
القصّة الدينية نوع من القصص يتناول موضوعات دينية كالعبادات والعقائد والمعاملات وسير الأنبياء والرسل، وقصص القرآن الكريم والكتب السماوية، والبطولات والأخلاق الدينية، وما أعدّه الله تعالى لعباده من ثواب أو عقاب، وأحوال الأمم الخالية وعلاقتها بقضيّة الإيمان بالله تعالى، وموقفها من الخير والشرّ.
وشاع في القصّة الدينية قراءة قصص الأنبياء والصالحين، وقصص الحيوان في القرآن الكريم، وغزوات النبيّ صلّى الله عليه و سلّم، وفجر الدعوة، وقبلة المسلمين، وحياة الرسول الكريم صلّى الله عليه و سلّم، وأصحاب محمّد، وأمّهات المؤمنين، ونساء خالدات، والسيرة، وكلّها حكايات تدعو إلى الفضائل وتنفّر من الرذائل، وتجمع بين المتعة والتشويق والمغزى الخلقي والمواقف القيمية، أسلوبها قصصي وعقدتها الصراع بين الخير والشرّ، مستمدّة غالبا من الكتب السماوية، وتستخدم لغة سهلة ومفردات مألوفة غالبا، وفيها حقائق دينية مفيدة، وفيها مواقف للعظة والاعتبار ودلائل على أنّ حياة الأنبياء والرسل حياة مثالية كريمة، تصوّر مواقف البذل والعطاء والتضحية في سبيل المبدأ والعقيدة.
وتوضّح القصّة الدينية أسس الدعوة إلى الله، وبيان أصول الشرائع التي يبعث بها كلّ نبيّ، وتثبيت قلب رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وقلوب الأمّة المحمّدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحقّ وجنده، وخذلان الباطل وأهله، وتصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم، وإظهار صدق رسالة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال، ومقارعته أهل الكتاب بالحجّة فيما كتموه من البيّنات والهدى، وتحدّيه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل.
والقصّة الدينية ضرب من ضروب الأدب، يصغى إليها السامع، وترسّخ عبرة في النفس، وبيان حكم الله تعالى فيما تضمّنته، وبيان عدله تعالى بعقوبة المكذّبين، وبيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين، وتسلية النبيّ صلّى الله عليه و سلّم عمّا أصابه من أذى، وترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد، وتحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم، وإثبات رسالة النبيّ صلّى الله عليه و سلّم فإنّ أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجلّ.
ومن أهمّ أغراض القصّة الدينية إثبات الوحي والرسالة، وتحقيق القناعة بأنّ سيدنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم وهو الأميّ الذي لا يقرأ ولا يعرف عنه أنّه يجلس إلى أحبار اليهود والنصارى، يتلو على قومه هذه القصص من كلام ربّه، وقد جاء بعضها في دقّة وإسهاب، فلا يشكّ عاقل في أنّها وحي من الله، وأنّ محمّد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يبلّغ رسالة ربّه، والقرآن الكريم ينصّ على هذا الغرض نصّا في مقدّمات بعض القصص أو في أواخرها، قال تعالى: إنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلونَ، نَحْنُ نَقُصٌّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هذا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لِمِنَ الْغافِلينَ [يوسف: 2-3].
وقال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نوحيها إِلَيْكْ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا [هود: 49].
ومن أغراض القصّة الدينية أيضا بيان أنّ الدين كلّه من عند الله، وأنّ الله ينصر رسله والذين آمنوا ويرحمهم وينجّيهم من المآزق والكروب، من عهد آدم ونوح إلى عهد محمّد صلّى الله عليه و سلّم، وأنّ المؤمنين كلّهم أمّة واحدة، والله الواحد ربّ الجميع.
وكثيرا ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة في سورة واحدة، معروضة عرضا سريعا بطريقة خاصّة لتؤيّد هذه الحقيقة، كما في سورة الأنبياء، إذ ورد ذكر موسى وهارون، ثمّ لمحة موجزة عن قصّة إبراهيم ولوط، وكيف نجّاهم الله وأهلك قومهما، وقصّة نوح، وجانب من أخبار داود وسليمان، وما أنعم الله عليهما، وأيّوب حين نجّاه الله من الضرّ، وورد ذكر إسماعيل وإدريس وذي الكفل وكلّهم من الصابرين الصالحين.
قال تعالى: وَذا النّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا [الأنبياء: 87]. وقال تعالى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمَّ وَكَذَلِكَ نُنْجي الْمُؤْمِنينَ [الأنبياء: 88]. وقال تعالى: وَزَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبَّ لا تَذَرْني فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثينَ [الأنبياء: 89]. وقال تعالى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهْ إِنَّهُمْ كَانوا يُسارِعونَ في الْخَيْراتِ وَيَدْعونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لنا خاشِعينَ [الأنبياء: 90].
ويختم الله هذه السلسلة من الأنبياء بخبر مريم وابنها عيسى عليهما السلام، قال تعالى: وَالَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فيها مِنْ روحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيةً لِلْعالَمينَ [الأنبياء: 91].
ثمّ يخاطب الله مباشرة جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم بقوله: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمًَّة واحِدًَة وَأَنا رَبُّكُمْ فَاعْبُدونِ [الأنبياء: 92].
وفي هذا شدّ لأزر المؤمنين، وتسلية لهم عمّا يلاقون من الهموم والمصائب، وتثبيت لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم ومن تبعه من أمّته، وتأثير في نفوس من يدعوهم القرآن إلى الإيمان، وأنّهم إن لم يؤمنوا لا محالة هالكون، وموعظة وذكرى للمؤمنين.
وجاء في سورة العنكبوت لمحة خاطفة عن قصّة كلّ نبيّ، مختومة بالعذاب الذي عذّب به المذنبون من قومه حتى ختمت جميع القصص المجملة بقوله تعالى: فَكُلاً أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَة وَمِنْهُمْ مِنْ خَسَفْنا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمونَ [العنكبوت: 40].
فعلى المربّي أن يستحضر مكان الموعظة والذكرى من كلّ قصّة، ليحاور الأطفال حوارا يوجّههم إلى معرفتها والتأثّر بها والعمل بمقتضاها.
ويرى الباحث أنّ من أغراض القصّة الدينية: تنبيه أبناء آدم إلى خطر غواية الشيطان وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم منذ أبيهم إلى أن تقوم الساعة، وإبراز هذه العداوة عن طريق القصّة أروع وأقوى، ودعا إلى الحذر الشديد من كلّ هاجسة في النفس تدعو إلى الشّر، ولمّا كان هذا موضوعا خالدا فقد تكرّرت قصّة آدم في مواضع شتّى، ممّا يدعو المربّي إلى الإلحاح على هذا الموضوع وتوجيه الأطفال إلى الحذر من غواية الشيطان في كلّ مناسبة ملائمة.
نتائج السؤال الثاني وتفسيرها: نصّ السؤال الثاني للدراسة على: ما دور القصّة الدينية في تربية الطفل سلوكيّا وقيميّا؟ وللإجابة عن سؤال الدراسة يستعرض الباحث العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت دور القصّة الدينية في تربية الطفل سلوكيّا وقيميّا.
أدرك الآباء والأمّهات قديما قيمة القصّة وأثرها النفسي والتربوي في نفوس الناشئة الذين ينبغي أن يربّوا على مآثر قومهم، وشعائرهم الدينية السائدة.
فحكت الأمّهات لأطفالهنّ قصصا عن أمجاد قومهم، وبطولاتهم في الأيّام والحروب والمعارك، فشبّوا وهم أكثر ولاء لهم، وأكثر حماسا واندفاعا للذود عنهم، والحفاظ على مجدهم وكرامتهم.
وترسّخ القصّة الدينية العقيدة في نفس الطفل، وتبصّره بالقيم الخلقية الفاضلة، وتنمّي إعجابه وحبّه للصفات الطيّبة، وتحذّره من السلوكيات والرذائل المنافية لمبادئ الإسلام وآدابه، وتقديم المفاهيم الدينية المجرّدة بصورة محسوسة، ليقرب فهمها للأذهان.
وعندما جاء الإسلام أكّد القرآن الكريم أهمّية القصّة الدينية في تنمية التفكير الناقد، ولم يقف عند ذلك التأكيد، بل تجاوزه مستخدما إيّاها في التربية، ومحقّقا من ورائها أهدافا تربوية متعدّدة، فربّي بها النبيّ صلّى الله عليه و سلّم وصحابته الكرام، والمسلمين من بعدهم، ورهّب بها الكفار والعصاة من سوء العاقبة، مدخلا بذلك الرعب والخوف في نفوسهم.
واستخدم الرسول صلّى الله عليه و سلّم القصّة الدينية في التربية، بعرض نماذج للسلوك السويّ الذي يمثّل قدوة حسنة للمسلم، ويرغّبه في العمل الصالح، وينفّره من السلوك المنحرف للنجاة من سوء المصير، والفوز بحسن الختام، والقصص في ذلك كثير، فهناك قصّة الغلام والراهب، وقصّة موسى والخضر، والملك والساحر، وغيرها.
وبعد وفاة النبيّ استخدمها الآباء والأمّهات من المسلمين، لتتزوّد بها الأجيال التي لم تعاصر النبيّ صلّى الله عليه و سلّم بقصص عن سيرته وحياته وخلقه العطر، إلى جانب تزويدهم بقصص الفتوحات الإسلامية، وأبطال المسلمين، ليكونوا مثلا لهم، وقدوة محتذاة، يسيروا على طريقها وينتهجوا نهجها في الحياة.
واستخدمت القصّة الدينية استخداما واسعا في تثبيت القيم الإيمانية وترسيخها في النفوس، لذا عند ذكرها للطفل يراعى تبسيطهـا ليتمكّن من استيعابها، وينشأ محبّا للحقّ والعدل والخير ويحيا على التسامح والإحسان.
وتطوّر أسلوب تعلّم القيم حديثا، حتّى أصبح أسلوب للتحليل والمناقشة وإصدار الحكم والوصول إلى الإجابة عن طريـق الصواب والخطأ.
فقصص الأمم المعذّبة، وقصص الأقوام البائدة، وقصص الأقوام الناجية خير مثال على ذلك، وهي كثيرة في القرآن الكريم، كقصّة قوم عاد وثمود وقوم فرعون وأصحاب الكهف، وغيرها.
وفي العصـر الحديث أسفرت النتائج التي قام بها الباحثون في مجال قصّة الطفل أهمّيتها الكبرى في بناء شخصية الطفل وفعاليتها البارزة في تحقيق أهداف تربيته، ومن تلك الدراسات دراسة محمّد (2001) والتي أسفرت نتائجها إلى أنّ للقصّة دورا في تنمية بعض القيم الأخلاقية لدى طفل الروضة، وخصوصا البرامج القصصية، ذات الشخصيات البشرية.
ويرى الباحث أنّ القصّة الدينية تساهم بشكل فاعل في تنمية القيم الخلقية لدى الأطفال، إذ تعمل أيضا على تحسين السلوك الديني في المواقف المختلفة، إلى جانب تحسين العمليات العقلية لديهم على مستوى الفهم والتذكّر، وتؤدّي دورا مفيدا في تربيتهم وحملهم على مكارم الأخلاق.
والإسلام يدرك هذا الميل الفطري إلى القصّة الدينية، ويدرك ما لها من تأثير ساحر على القلوب، فيستغلّها لتكون وسيلة ناجعة من وسائل التربية وتقويم السلوك.
ويتمّ التركيز على استخدام أنماط شخصية وأبطال في التاريخ بالقصّة الدينية ومنها تتبلور الفضيلة أو السمات المرغوبة للشخص مثل: الأمانة، والتحضّر، والشجاعة، والمثابرة، والولاء، والتحكّم في النفس، والتسامح، والعدالة، واحترام كرامة الفرد والمسؤولية.
وإنّ استخدام الأبطال في القصّة الدينية يعكس ثوابت أخلاقية وقيم عالمية، فالبطل لا يقصد به شخص ذائع الصيت إنّما يضحّي ليفيد الآخرين والمجتمع ويكون مصدر إلهام لهم.
وإنّ الحديث عن الشجاعة والشخصيات المتمثّلة بها سواء رجالا أو نساء يكون مصدر جذب انتباه المتعلّمين واهتمامهم ويقودهم إلى الأسئلة والنقاش والتأمّل عن القيم ويشكّل ويوفّر نماذج لهذه القيم يتّبعها المتعلّم.
ولكن يجب مراعاة الأمانة في صياغة هذه القصص وبشكل دقيق وموزون من حيث طرح وجهة النظر الإيجابية والسلبية لحياة الشخص الممثّل للقصّة، وأن يتمّ اختيار هذه القصص من حضارات مختلفة وبقاع مختلفة في العالم لتوسيع مدارك المتعلّم واحترام وتقبّل آراء المجتمعات الأخرى.
وتهدف القصّة الدينية إلى الارتقاء بأخلاق الطفل، وإكسابه الفضائل الخلقية، وتنفيره من الرذائل والصفات المذمومة، وذلك بالشخصيات التي تحتويها القصّة، والقيم الخلقية التي تعرضها، والتي تدفع الطفل إمّا لتقليدها والسير على نهجها، وإمّا إلى الاشمئزاز والنفور منها.
وترسّخ القصّة الدينية العقيدة الإسلامية لدى الأطفال، وإفهامها لهم بطريقة متدرّجة نامية، وأسلوب شيّق مبسّط، يتناسب وإدراكهم، فهي تساعد بكلّ ما فيها من أشخاص وأحداث على تجسيد المعنويات وإبرازها بصورة حيّة تجيب على كثير من تساؤلات الطفل حول الكثير من المسائل المتعلّقة بالعقيدة، والتي ينتظر إجابات شافية مقنعة عنها.
وتعمل القصّة الدينية على إمداد عقل الطفل بالمعلومات والمعارف التي تعمّق نظرته للحياة، والتي تعرّفه بالبيئة من حوله، وتكسبه فنّ التعامل معها.
وتنمّي خياله المحميّ من الزيغ والضلال، والمرتبط بما هو صحيح في سنن الكون، وبما هو ممكن جائز، فتفسح له مجالات رحبة تتخطّى حدود الزمان والمكان، فيرحل إلى الماضي التليد، ويحلّق في أجواء المستقبل البعيد، فيتفاعل مع أحداث وشخصيات، ومعالم وأفكار غريبة عنه، قد يألفها أو ينفر منها، ولكنّه في النهاية يخرج بخبرة، ويحصل على سعادة ومتعة.
فالقصّة التي تتوافق مع تجارب الطفل تدفعه للاستمتاع بها، واستنتاج الكثير من المعلومات منها، خاصّة إذا كانت تستثير عواطفه وعقله الباطن بمعالجتها لمشاكله الحقيقية، فعندما سيرى نفسه برؤية الآخرين، و سيتوصّل إلى فهم أفضل لذاته، وسيصبح فنّ الحياة سهلا يسيرا عليه فهمه والتعامل معه.
ويرى الباحث أنّ القصّة الدينية تنمّي مهارة الاستماع عند الطفل، باعتبارها من أهمّ المهارات اللغوية في المراحل الأولى من تعليم اللغة، فالطفل ينطق ما يسمعه ويقلّده، فإذا كان استماعه جيّدا كان نطقه للمادّة المنطوقة صحيحا، وإن لم يكن استماعه جيّدا فإنّ ما سينطقه سيعتريه الخطأ الكثير.
وللقصّة الدينية دور بزيادة حصيلة الطفل اللغوية، بما تحتويه من مفردات وعبارات جديدة، قد يتمكّن الطفل من ترديد بعضها وحفظه، وتعمل على تنمية مهارة الكلام عنده، وذلك بتدريبه على التعبير عن مشاعره، واستدعاء أفكاره بطلاقة عند مطالبته بإعادة سرد القصّة، ووضع بداية أو نهاية لها، وكذلك عند إعطائه الأدوار المختلفة الموزّعة بينه وبين غيره لتمثيل أحداث وشخصيات القصّة، وتنمية مهارة الكتابة عند الطفل، وذلك بتدريبه على رسم الحروف، وكتابة بعض الكلمات المتضمّنة فيها.
ويرى الباحث أيضا أنّ للقصّة الدينية دورا في تربية الطفل من الناحية الاجتماعية، إذ تزوّده بالحقائق المختلفة والمعلومات العامّة عن المجتمع الذي يعيش فيه، وعن العالم من حوله، وإعداده ليعيش إيجابيّا متكيّفا مع المجتمع، مندمجا فيه، وملتزما بأنماط سلوكية إسلامية تقوم على الحبّ والعدل والمساواة والخير للإنسانية جمعاء، وذلك بتفاعله مع أحداث القصّة، وتقمّصه لشخصيات أبطالها، وتعرّفه إلى أنماط مختلفة من السلوك الاجتماعي المتضمّن في القصّة التي يستمع إليها أو يقرأها.
وتعمل القصّة الدينية على إكساب الطفل العادات الصحيحة الإسلامية السليمة، بما تعرّضه له من سلوكيات صحيحة حول المأكل والمشرب والملبس والمسكن، وطريقة الحفاظ عليها وعلى نظافتها، ونظافة الأبدان وحمايتها من الجراثيم والأخطار التي تهدّد الصحّة الشخصية، والصحّة العامّة أيضا.
ويرى الباحث أنّ القصّة الدينية تعمل على تنمية قدرات الطفل الحركية عند دفعه لتمثيل أدوار القصّة، وتقليد حركات أبطالها في القوّة والنشاط.
وتعتبر قصّة سيّدنا يوسف من القصص الدينية التي تنمّي القيم الخلقية عند الأطفال كالعفّة والأمانة، وهي مدعاة لهم أن يتزيّنوا بالعفاف، و يكرموا أنفسهم من أن يدنّسوها بالرذيلة.
قال تعالى: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ…. كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 23-24].
إنّ هذه الصورة المشرقة العالية جدّا في العفّة والاستعلاء على الرذيلة يجب أن تكون حاضرة في أذهانهم، موقف عظيم ليوسف، ودرس لكلّ طفل، بحيث برز هنا بوضوح وجلاء استعلاء الإيمان على الشهوة والمغريات، وثبات الشابّ المؤمن الصادق المخلص الصابر يوسف أروع الأمثلة في الثبات ورفض المعصية مع تكاثر الدواعي أمامه، إذ كان شابّا وفي بلاد غربة، وإنّه رقيق في بيت سيّدة، وإنّ المرأة هي التي طلبته، قال تعالى: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ.
والشأن في المرأة أن تكون هي المطلوبة لا الطالبة. قال تعالى: “وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ” يوحي بكثرة الأبواب في القصر، فقد غلّقتها وأحكمت إغلاقها والتشديد في اللام يوحي بإحكام الإغلاق للأبواب حتى لا يدخل منها أحد عليها. “هَيْتَ لَكَ” طلب مغر ومعناه: (هلّم) أو (تهيّأت لك) من أشدّ الإغراءات الموصلة إلى الفاحشة ممّا يستهوي أمراض القلوب وضعاف الإيمان وعبّاد الشهوات من الشباب، وإنّها ذات منصب وضعاف الإيمان يتمنّون الوصول إليه بأيّ وسيلة، وإنّها ذات جمال، وهذا داع خطير من دعوات الشهوة والمعصية.
لكنّ قوّة الإيمان استعلت على نار الشهوة وأطفأتها، مع أنّ يوسف كان شابّا والشباب مركب الشهوة، وكان غريبا عن أهله ووطنه، والمقيم بين أهله وأقاربه يخشى أن يعلموا بما جرى له من سوء فيسقط من عيونهم، ويكون عارا عليهم فإذا تغرّب زال المانع، وإنّ المرأة هي المطالبة، فيزول بعد ذلك كلفة تعرّض الرجل لها وطلبه وخوفه من عدم الإجابة.
وعند قراءة الطفل لقصّة يوسف سيكون لها الأثر العظيم في نفسه وخاصّة إذا رأى محلاّ فيه فتنة وأسباب معصية أن يفرّ منها ويهرب غاية ما يمكنه ليتمكّن من التخلّص من المعصية، لأنّ يوسف عليه السلام لمّا راودته التي هو في بيتها، فرّ هاربا يطلب الباب ليتخلّص من شرّها.
إنّ من دخل الإيمان قلبه وكان مخلصاً لله في جميع أموره، فإنّ الله يدافع عنه ببرهان إيمانه وصدق إخلاصه، من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي، لقد كان يوسف مثالا للتربية السليمة التي عاشها في كنف والديه، إذ كان أبوه يذكّره بأجداده إبراهيم وإسحاق، ليمتثل أعمالهم دائما.
إنّه كان المثل الإنساني في العفّة والأمانة والصدق، والأطفال حين يتأمّلون هذه القصّة يعرفون الثبات الذي ثبته يوسف .
وإنّ الطفل عندما يقرأ قصّة يوسف عليه السلام سيكون لها دور في تربيته بالبعد عن أسباب المعصية، فيبتعد عن أسباب المعصية ودواعيها، وضرورة التضحية والتحمّل، فيتحمّل ما يلاقيه في الدعوة إلى الله، أو ما يلاقيه في طاعة الله عزّ وجلّ، أو ما يلاقيه في البعد عن المعصية.
فنتيجة هذه التضحية ونتيجة هذا التحمّل لا شكّ أنّها ستكون بعد توفيق الله سبحانه وتعالى الأجر العظيم والنجاح في مثل هذا الابتلاء، وستكون النتيجة الثمرة العاجلة التي يجدها الطفل في الدنيا.
وتربّي قصّة نبيّ الله يوسف عند الطفل قيمة الأمانة، فيعرف أنّ نبي الله اتّصف بالمحافظة على الأمانة وحمل المسؤولية، وأنّ الأمانة سبيل إلى الفلاح، فكان يوسف مثالا للأمانة، ثمّ كان له التمكين والفلاح.
فبعد أن ذكرت امرأة العزيز براءته التي بلغت حاكم مصر، قال: جيئوني به أجعله مقرّبا لديّ من خلصائي وأهل مشورتي. قال تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي [يوسف: 54].
فأتوه به مكرّما محترما، فلمّا جاء يوسف وكلّمه الملك، أعجبه كلامه، وعرف براءته وعظيم أمانته وحسن خلقه وزاد موقعه عنده، قال تعالى: فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ [يوسف: 54]، إنّك اليوم عندنا عظيم المكانة، أمين على الأسرار، ومؤتمن على كلّ شيء.
فأراد يوسف أن ينفع العباد، ويقيم العدل بينهم. قال تعالى: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55]، فإنّي خازن أمين، ذو علم وبصيرة بما أتولاه.
ويرى الباحث أنّ قصّة يوسف عليه السلام تربّي عند الطفل قيمة الأمانة بمعرفته الأمور الآتية:
المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، هذه القوّة سببها أنّ الأمين لا يحيد عن الصراط المستقيم، ويتوب دائما إلى الله تعالى، والأمين قويّ، لأنّه يمسك شهواته ودوافعه للخيانة ويدرؤها ويمنعها من التعدّي، يمسكها بحبّه لله وطاعته، ولأنّه يعرف أضرار هذه المعصية عليه وعلى مجتمعه، فهو بقوّته خير، وبتقرّبه وتمسّكه بالصواب أحبّ إلى الله.
المؤمن هو الذي يحافظ على الأمانات، ويرعى العهود، فإذا اؤتمن لم يخن، وإذا عاهد أوفى بالعهد ولم يغدر، ولفظ “الأمانة” شامل لجميع الأمانات سواء كانت مع الخالق أو مع المخلوق، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون: 32؛ المعارج: 8].
أمر الله بأداء الأمانة إلى أهلها، والأمر في كتاب الله يقتضي الوجوب، فقال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء: 58].
التوصيات:
1- ضرورة أن تكون القصص الدينية مستوحاة من القرآن الكريم بالدرجة الأولى.
2- اعتماد القصّة الدينية في تهذيب سلوك الأطفال.
3- مراعاة استخدام القصّة الدينية عند تأليف البرامج الموجّهة للأطفال.
توعية معلّمي ومعلّمات الأطفال بأهمّية القصّة الدينية، وضرورة مراعاتها في تعليم المواد المختلفة.
بقلم د. قاسم نواف البري