نتحدّث هنا عن مقارنة الطفل بأقرانه. إنّ المقارنة بين الأطفال إحدى وسائل التربية الشائعة التي يستخدمها عادة بعضُ الأهل والمربّين بهدف توليد مشاعر الغيرة لدى الطفل، وبالتالي تحفيزه على محاكاة السلوك المرغوب لدى الطفل، وهو يهدف إلى غرس سلوك معيّن لدى الطفل ونيل إعجاب من يقومون بهذه المقارنة.
وكثيرٌ من الآباء والأمّهات لا يدركون مخاطر مقارنة الأطفال الآخرين مع أطفالهم، بل كثيرا ما نسمع عبارات مثل: “فلان أفضل منك، فلان أذكى منك”، أو أيّ شيء من هذا القبيل.
أحد الآباء لا يهتمّ بمشاعر أولاده، ولا يقترب منهم، ولا يحاورهم، ولا يقضي معهم وقتا، ممّا جعل أولاده جافّين عاطفيّا معه، بينما نجد صديقه يهتمّ بأولاده ويمازحهم، ويقضي معهم وقتا ممتعا، لذا فأولاده يعاملونه بعاطفة شديدة.
وهنا نجد الأب الأوّل يقارن أولاده دائما بأولاد صديقه ويسألهم: لم لا تكونون مثلهم؟ وهو لا يدرك أنّ الخطأ الأساسي بدأ من عنده.
على الآباء أن يعلموا أنّه لا يوجد طفلان نسخة طبق الأصل كلاهما عن الآخر، فكلّ طفل له اهتمامه ونفسيّته، فإن كان طفلك من هوّاة كرة القدم، وأردت له أن يرسم، وأجبرته على ذلك، فمن الطبيعيّ ألاّ يكون بمستوى من يحبّ الرسم.
أحيانا غيرة الأهل بعضهم من بعض، تجعلهم يجبرون أبناءهم على ممارسة هوايات ابن غيرهم، إلاّ أنّ لهذا الأسلوب أضرارا كثيرة، منها:
– خلق شعور بالدونية لدى الطفل يجعله يرى نفسه أقلّ من أقرانه.
– تنشئة شخص متكبّر يقارن نفسه بالآخرين، فيبالغ في مميّزاته وفي عيوب الآخرين، وذلك كأسلوب دفاعيّ ضدّ التقليل من شأنه دائما.
– لا يقدّر إنجازاته أبدا ولا يرضى عنها، ويستصغر ما يحقّق من نجاحات دائما.
– المغالاة في المقارنة بلا مراعاة لاختلاف الظروف والقدرات قد تجرّنا إلى تضخيم فضائل الآخرين على حساب تقديرنا لفضائل أولادنا.
– دفع الأولاد إلى الطموح الذي لا يراعي القدرات، ويتعلّق بالمستحيل، ويقتل الروح والعلاقات الإنسانية.
– قتل الطموح لدى الأولاد لشعورهم بأنّهم أقلّ من أن يحقّقوا أيّ شيء.
– اللامبالاة، حيث يرى الطفل أنّه لا فائدة من أيّ جهود يقوم بها، طالما أنّ والديه يريان الآخرين أفضل منه.
– ربما يصبح شخصا حسودا، لأنّه يركّز على ما يوجد لدى الآخرين وينقصه هو.
– المقارنة تقتل الموهبة لأنّ مشاعر الحسد والغيرة والدونية تستنزف طاقة الطفل وقدرته على القيام بأيّ أنشطة منتجة، وشغفه باكتشاف مواهبه.
والسؤال هنا: كيف يمكن تحفيز الطفل دون مقارنته مع الآخرين؟
تعتبر متانة العلاقة بين الطفل وأبويه أهمّ عامل لتحفيزه في جميع مجالات الحياة، وهذه بعض النقاط التي يجب على الوالدين التركيز عليها لتقديم الدعم للطفل:
– الابتعاد عن مقارنة الطفل بغيره.
– منح طفلك الثقة لتشجيعه وتحفيزه.
– مساعدة الطفل على استغلال موهبته وتنميتها.
– وجود قدوة للطفل.
– الاستماع لطفلك باهتمام وعناية.
أيّها الآباء، إذا أردتم تشجيع أولادكم فاكتبوا لهم جدول إنجاز بشكل شهريّ أو أسبوعيّ، واجعلوهم يقارنون إنجازهم لهذا الأسبوع بإنجاز الأسبوع السابق.
عندها سيتعلّمون كيف ينافسون أنفسهم، ولا يربطون عملهم بعمل غيرهم، إن تأخّر تأخّروا، وإن تقدّم تقدّموا.
أسأل الله أن يبعد عنّا وعنكم سوء الأخلاق، وأن يجعل بيوتنا عامرة بالطاعة والعمل الصالح وحسن الخلق، وأن يصلح لنا ولكم الذريّة، وصلّى الله على سيّدنا محمّد.
بقلم عدنان بن سلمان الدريويش