تعطي هنا الدكتورة سوسن محمد الشاملي نصائح للوالدين لوقاية أبنائهم من الوقوع في الإلحاد.

إجراءات وقائية

حماية فطرة الأبناء من الانحراف

        يقع دور كبير على الوالدين في تربية الأبناء والدور الأهمّ الذى يجب على الوالدين القيام به هو الدور الوقائي وهو صيانة فطرة أبنائهم وحمايتها من الانحراف، ومتابعة النفس الإنسانية بالتوجيهات الإسلامية الربّانية، عـن طريق أخذ الاحتياطات والتدابير الشرعية التي تمنع من التردّي فـي خبائث العقائـد والأخلاق وسائر الأعمال، ليظلّ الفرد على الصراط المستقيم، مهتدياً للتي هي أقوم.

وجاء في معناه أيضا: “الإجراءات والوسائل التربويـة  كلّ جانب من جوانب حياته” التي وضعها الإسلام من أجل صيانة وحفظ المجتمع الإسلامي من كلّ الأمراض الحسّية والمعنوية ليكون المجتمع طاهراً بعيداً عن كلّ مواطن الفساد والانحلال الخلقي.

وخلاصة القول إنّ المراد بالدور الوقائي للأسرة المسلمة: مجموعة المهامّ والمسؤوليات المستنبطة من خلال توجيهات القرآن والسنّة التي أوجبها الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم على الأسرة المسلمة لحماية معتقد الطفل من الانحراف العقدي، ومدى ممارستها في تربيته لحماية معتقده من فكر الإلحاد بكافّة صوره وتطبيقاته.

         لقد سلك الأسلوب القرآني طرق عدّة في تفنيد الإلحاد والوقاية منـه، سنلقي عليها الضوء، حيث يعتبر التنوّع في القرآن الكريم للوقاية من الفكر الإلحادي مدرسة في التربية الوقائية، تحمي عقول الناشئة من الوقوع فـي المـرض الإلحادي، إذ تعالج أصل الفكرة بسلامة الفطرة، وتفنّد الشبهة الإلحادية بالردّ المقنع، وتحثّ العقل على التفكّر والتأمّل، وتستخدم الدلالات العقلية والحسّية على توحيد الخالق.

وجاءت السنّة منسجمة مع هذا السياق ومفسّرة لمجمله، وموضّحة وشارحة لمحكمه.

ويمكن تلخيص هذا المنهج الوقائي في نقاط، وذلك على النحو التالي:

        الوقاية بالمحافظة على سلامة فطرة الطفل من الإلحاد

        الفطرة هي ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به والإيمان بوجوده سبحانه، وقد جاء في لسان العرب عن معنى الفطرة:  أنّ الله فطر الخلق على الإيمان به والفطر في اللغة: الابتداء والاختراع، والمعنى أنّ الإنسان يولد بداية على نوع من الجبلّة والطبع المتهّيء لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنّما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد.

وقيل معناه كلّ مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به فلا تجد أحدا إلا وهو يقرّ بأنّ له صانعا وإن سمّاه بغير اسمه ولو عبد معه غيره

قال تعالى: ” فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرت الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذٰلك الدين القيّم ولٰكنّ أكثر الناس لا يعلمون “.

    قال ابن كثير رحمه الله: ” واتّقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين “، قال ابن تيمية: ” فالحنيفية تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنّه لا إله غيره “.

من موجبات الفطرة ومقتضياتها الحبّ لله، والخضوع له، والإخلاص له هو أصل أعمال الحنيفية”.

وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : “كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسّون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ” ثمّ قرأ أبو هريرة رضي الله  ” فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله “.

فالفطرة السوّية تهتدي إلى وجود الخالق بما أودع الله في الإنسان من قوانين كلّية، تظهر آثارها في الطفل الناشئ الذي لم يتعلّم أو يتكلّم، فهو يدرك أنّ الحادث لابدّ له من محدث، وأنّ الجزء دون الكلّ، وأنّه يستحيل الجمع بين المتناقضين، وهذا من أوائل العقل و بواكيره.

بل اعتبره شيخ الإسلام ابن تيمية أشدّ رسوخا في النفوس من مبدأ العلم الرياضي، كقولنا: إنّ الواحد نصف الاثنين، ومبدأ العلم الطبيعي كقولنا : إنّ الجسم لا يكون في مكانين؛ لأنّ هذه المعارف أسماء قد تعرض عنها أكثر الفطر، وأمّا العلم الإلهي فما  يتصوّر أن تعرض عنه فطرة.

ومن هنا يظهر دور الفطرة في الوقاية من الإلحاد، يقول الهوشان: “إنّ للفطرة الإلهية التي فطر الناس عليها دور كبير في الوقاية من فكر الإلحاد، بل والعلاج منها أيضا، فمع كثرة المفكّرين والمنظّرين والباحثين في كيفية معالجة الإلحاد المنتشر بين شباب المسلمين وبناتهم، ومع كثرة الخوض في المناقشات الفكرية مع من تلوّثوا بهذه اللوثة الفكرية الخطيرة من المسلمين، ومحاولة إقناعهم عقليا ومنطقيا ببطلان الإلحاد، وعدم توافقه مع العقل والتفكير السليم، ومع التقدير الكبير لدور هذه المناقشات والحوارات الفكرية في إزالة شبه المشتبهين، ونفض غبار الإلحاد الذي حجب عنهم رؤية الحق، فإنّ ذلك قد لا يكون كافيا لمعالجة تزايد أعداد الملحدين في صفوف المسلمين، نظرا لعدم تطبيق مبدأ الوقاية، وعدم قطع دابر السبب الذي يرد منه الإلحاد، ألا وهو انحراف الفطرة الإلهية التي فطروا عليها، والتي هي السبب الرئيسي في انتشار الإلحاد الذي نراه.

ويمكن معالجة هذا الأمر من خلال ترك الإنسان على ما خلقـه الله تعالى عليه و فطره، من ميل نحو الإيمان بوجود خالق للكون وصانع، مع ما يترتّب على ذلك من الخضوع له والانصياع، والعبادة والطاعة والانقياد، والمحافظـة علـى هـذه الفطرة السليمة، خير وسيلة لإبعاد شبح الإلحاد عنه، وأمر كاف للوقاية منه.

 فالإلحاد أمر خارج عن نطاق المألوف والعادة، بل خارج عن نطاق الجبلّة والطبيعة التي خلـق الإنسان عليها، وهي نقطة في غاية الأهمّية لا بدّ من التأكيد والتركيز عليـه للوقاية والعلاج من الإلحاد.

فالأصل أن يكون الإنسان مؤمنا بوجود الخـالق والإلـه، كمـا أنّ الأصل فيه أن يولد بعقل وقلب وحواسّ، وعكس ذلك هو الاستثناء.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حمّاد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يروي عن ربّـه تبارك وتعالى أنّه قال: خلقت عبادي حنفاء كلّهم فاجتالتهم الشياطين وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا.

         قال ابن القيّم رحمه الله: فالخلق مفطورون على معرفة الله تعالى وتوحيده، فلو خلّوا هذه الفطرة لنشأوا على معرفته وعبادته وحده.

وهذه الفطرة أمر خلقي خلقـوا عليه ولا تبديل لخلقه، فقد مضى الناس على هذه الفطرة قرونا عديدة، ثمّ عرض لهـا موجب فسادها وخروجها عن الصحّة والاستقامة، بمنزلة ما يعرض للبدن الصحيح والطبيعة الصحيحة، ممّا يوجب خروجهما عن الصحّة إلى الانحراف.

وإذا كـان تـرك الناس فطرتهم السليمة دون تأثير عليها وتغيير لملامحها أمر شبه مستحيل في هـذه الأيام التي نعيشها، نظرا لكثرة الأفكار الهدّامة الوافدة من الشرق والغرب، والتي أصبحت في متناول كلّ أحد، عبر وسائل الاتّصال التي غزت العـالم، ورافقـت فتيـان المسلمين وشبابهم حتى في غرفة نومهم، فإنّه لا بدّ إذن من بعض الإجـراءات التـي تحمي فطرة المسلمين السليمة، وعقيدتهم القويمة من خـلال ربـط فتيـان وشباب المسلمين منذ نعومة أظفارهم بالله تعالى، من خلال تنمية فطرتهم السليمة، وتدعيمها في كلّ مناسبة، من خلال تشجيعهم على التأمّل والتفكّر في عظمة الله وقدرته، وبديع خلقه وحكمته، في النفس والكون والحياة.

 فقد كان رسول الله صلّى الله عليـه وسـلّم شديد الحرص على تدعيم فطرة الصحابة الإيمانية، خاصّة عند الفتيان والشباب، فنراه يربط ابن عباس رضي الله عنه بتلك الفطرة و يدعمها، من خلال الوصيّة المشهورة له: ” يا غلام، إنّي أعلمّك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف.

هـذه بعـض الرؤى العمليّة في تقوية وتدعيم الفطرة الإلهية للوقاية من الإلحاد، تلك الفطـرة التـي تعتبر السدّ المنيع في وجه كلّ الشبهات والأفكار الهدّامة الوافدة في هذا العصر، وفـي مقدّمتها الفكر المادّي الإلحادي، الذي جعل من التقدّم المادّي الذي وصل إليه الإنسان إلها من دون الله، فعبد ما صنعه بالأمس، وهو بذلك يشبه إلى حدّ كبير ما كـان عليـه الناس في زمن الجاهلية، حيث يصنع الرجل صنما من تمر يعبده في النهار، فإذا جاع أكله، فهل يعقل هذا في القرن الحادي والعشرين ؟

ويقول ابن القيّم رحمه الله تعالى واصفا الفطرة أنّها ناتج لما يغرس فيهـا: أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها، فإن غرست شجرة الإيمان والتقوى أورثـت.

 ويقول أيضا رحمه الله تعالى:  وإن غرست شجرة الجهل والهوى فكلّ الثمر مرّ.

فالخلق مفطورون على معرفة الله تعالى وتوحيده، فلو خلّوا لنشأوا على معرفته وعبادته وحده.

وهذه الفطرة أمر خلقي خلقـوا عليـه ولا تبـديل لخلقه، فقد مضى الناس على هذه الفطرة قرونا عديدة، ثمّ عرض لها موجـب فسادها وخروجها عن الصحّة والاستقامة، بمنزلة ما يعرض للبدن الصحيح والطبيعة الصحيحة، ممّا يوجب خروجهما عن الصحّة إلى الانحراف.

ولكن المفاجأة أنّه في أحدث بحث علمي تبيَّن أنّ الأطفال يولدون وفي داخلهم معلومات ولا علاقة للوراثة بها وهي محدّدة بثلاث صفات أساسية كما يلي:

الإيمان بالله الواحد: حيث وجد العلماء أنّ الطفل يولد ودماغه مجهّز بأفكار محدّدة تقول له إنّ الله هو خالق الكون، وأنّ كلّ شيء له سبب، وأنّ الله واحد وليس متعدّد.

 الصدق: حيث وجد العلماء بعد دراسة الدماغ أنّ خلايا الدماغ مهيَّأة للصدق، وأنّ دماغ الطفل مبرمج لكي يكون صادقاً وليس كاذباً. وكذلك تمييز الخير عن الشر.

 التعلّم: حيث يولد الطفل وهو مهيّأ لتعلّم اللغة، على عكس بقيّة الكائنات التي لا تستطيع النطق أو البيان. 

فدماغ الإنسان مجهّز بمعلومات دقيقة ليتعلّم ويتكلّم ويبدع.

وهذا بالضبط ما تعبّر عنه الآية الكريمة ” فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون “، فسبحان الله.

وفى بحث علمي جديد يؤكّد أنّ الإنسان يؤمن بالله فطرياً أو طبيعياً (حسب صحيفة التلغراف 2011)، فالإيمان بالله تعالى هو جزء من الطبيعة البشرية وجزء من تصميم الإنسان.

وهنا نتذكّر قوله تعالى: ” وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين “.

فالله عزّ وجلّ منذ أن كان الإنسان في عالم الذرّ وقبل أن يخلق البشر وضع في داخله فطرة الإيمان بالله، وهو ما يكتشفه العلماء اليوم، فسبحان الله.

وفي بحث جديد أيضاً لجامعة أكسفورد تبيّن أنّ الإنسان بفطرته يؤمن بالله تعالى ويؤمن بالآخرة أيضاً.

لقد أكدّت أربعون دراسة منفصلة وفي بلدان متفرّقة وتشمل ثقافات متنوّعة، أثبتت الدراسات التحليلية أنّ البشر لديهم ميول طبيعي للاعتقاد بوجود خالق للكون وكذلك يقين بالآخرة.

ويقول الباحثون من جامعة أكسفورد إنّ الاعتقادات الدينية للبوذيين أو الهندوس أو اليهود والنصارى تأتي حسب التعاليم التي يلقنّها الآباء للأبناء، وتختلف من ثقافة لأخرى، ولكن الشيء الذي يوجد في أعماق الإنسان ويولد معه هو الإيمان بالله واليوم الآخر.

ومن هنا نتذكّر أنّ النبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم قد سبق هؤلاء العلماء لتأكيد هذه الحقيقة عندما قال: ” ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه ” رواه مسلم.

هذا الحديث يشهد على صدق النبيّ الكريم… تطابق كامل بين الدراسة العلمية التي  شارك فيها الكثير من العلماء والباحثين برعاية جامعة أكسفورد و أنفق فيها ثلاثة ملايين دولار.

 والآن سؤالنا لكلّ ملحد: هل تصدّق ما تقوله جامعة أكسفورد؟ نحن نصدّق ما قاله النبيّ الأعظم قبل 14 قرناً، ولذلك فإنّنا نؤمن بالله تعالى… فالحمد لله على نعمة الإسلام.

       عمل جلسات أسبوعية قرآنية لتدبّر القرآن الكريم

تقع مسؤولية تربيتهم على عاتقنا، وخاصّة المراهقين منهم والشباب، للتأكّـد مـن سلامة فطرتهم، والإجابة عن كلّ تساؤلاتهم التي تدور في نفوسهم وعقولهم.

ولا شـكّ أنّ ذلك يتطلّب معرفة وعلما محصّلا عند الأب أو المربّي والمعلّم.

يعتبر عقد لقاءات إيمانية لتلاوة القرآن وتدبّره وذكر الله تعالى من أكبر المساعدات على تقوية الفطرة الإلهية، ومن أشدّ موانع انحرافها وزيغها.

فقد تجدي بضع جلسات إيمانية في عـودة الـنفس إلـى خالقها ومولاها، ما لا تفعله عشرات جلسات المجادلة والمناقشة الفكرية.

     التدبّر في مخلوقات الله لتأكيد العقيدة الصحيحة

 لقد دعا القرآن الكريم الإنسان إلى النظر في آفاق الكون من حوله، والتفكُّر في آلاء الله، وقراءة صفْحة الكون المفتوحة أمامه، ففي القرآن الكريم ما يزيد على ألـف آية تتحدّث عن معالم هذا الكون، وتذكر مفرداته من السماوات والأرض، والشمس والقمر، والكواكب والنجوم، والجبال والبحار والأنهار، والمطر والرعد والبرق … إلـى آخره.

وإذا كانت هذه الآيات قد ذكرت تلك المفردات في سياق لفت الأنظار إلى مظاهر قدرة الله عزّ وجلّ في الخلق، دلالة على وحدانية الخالق جلّ وعلا وتثبت قضيّة البعث الذي أنكره الكفّار، فإنّها مع ذلك قد جاءت في أسلوب وعبارة تفتح أمام العقل البشري آفاقا واسعة للتفكير في دلالاتها عبر عصوره المتعاقبة من بعد نزول القرآن.

فيقوم لديه من هذه الدلالات في كلّ عصر ما يشهد بالحقّ الذي جاءت به.  

كما حثّ الله تعالى الإنسان على التفكير والنظر في الكون والتأمّل في الظواهر الكونية المختلفة.

قال تعالى: ” قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق “.

كما حثّ على تحصيل العلم ومعرفة سنن الله وقوانينه في جميع ميادين العلوم المختلفة، قال تعالى: ” أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت “.

ولم يحثّ القرآن الإنسان على التفكير و البحث العلمي في الظواهر الطبيعية فقط

           وإنّما حثّه أيضاً على التفكير في نفسه وفي أسـرار تكوينه البيولوجي والنفسي، وهو بذلك يدعوه إلى ارتياد ميادين العلوم البيولوجية والفسيولوجية والطبّية والنفسية.

قال تعالى: ” فلينظر الإنسان ممّا خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب “.

لقد استنهض الله سبحانه وتعالى العقل على التفكّر بأنّه وسيلة لرفع قيمة الإنسان.

قال تعالى: ” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”.

وقد حطّ القرآن من شأن من لا يستخدم عقله وتفكيره بأن جعله أدنى درجة من الحيوان.

قال تعالى: ” إنّ شرّ الدوابّ عند الله الصمّ البكم الذين لا يعقلون “.

 إنّ حرص القرآن الكريم على دعوة الناس إلى التعقّل والتفكير واضح في عدد من الآيات التي تتضمّن عبارات: ” أفلا يعقلون “، ” أفلا يتفكّرون”، ” لعلّكم تتفكّرون “، ” لعلّكم تعقلون “، حيث وردت مشتقات “العقل” في القرآن الكريم 44 مرّة، كما وردت مشتقات الفكر فيه 18 مرّة.

  وجاءت السنّة النبويّة مؤكّدة على دعوة القرآن الكريم من حيث التفكير في آيات الله وفي بديع خلقه.

        فالتأمّل والتفكير في خلق الله من أفضل أنـواع العبـادة، ونهى عن التفكير في ذات الله.

فعن ابن عباس أنّ قوماً تفكّروا في الله عزّ وجلّ فقـال النبيّ عليه الصلاة والسلام: .” تفكّروا في خلق الله، ولا تفكّروا في الله “

 وذلك النهي يرجع لعدّة أسباب منها قصور العقل الإنساني عن إدراك ما هو خارج نطاق قدرته وأنّ العقـل الإنساني يفكّر على أساس ما لديه من صور حسّية مدركة من العالم المحسوس الـذي يعيش فيه، فإذا حاول أن يفكّر فيما هو في عالم الغيب فإنّه سيضلّ ويهلك.

كما أنّ العقل الإنساني لا يستطيع أن يدرك فيما وراء العالم المحسوس إلا بفضل الله تعالى عن طريق الوحي والإلهام الإلهي، ” فإنكم لن تقدروا قدره “، فالله عزّ وجلّ ليس كمثله شـيء.

         يوجّه الرسول أصحابه ويشجّعهم على التفكير والاستدلال العقلي فيما يستجدّ من مشكلات الحياة ممّا لم يرد فيه حكم في القرآن والسنّة ويوصي بالاجتهاد، ويرغّبهم في ذلك بالثواب في الآخرة.

فعن عمرو بن العاص أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ” إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثـمّ أخطأ فله أجر.

يقول الأهدل في مقال له بعنوان ” نظرة تأمّل في ملكوت السموات والأرض”: وقفت مع نفسي وقفة تأمّل وتدبّر وتفكّر، والتفكر في خلق الله من أجلّ العبادات التي غفل عنها الكثيرون، ولأنّ التفكير يولّد التأمل في خلق الله، واستشعار عظمته سبحانه وتعالى.. تأمّلت في ملكوت السموات والأرض وما فيها من إبداعات حيّرت العقول، وترامى تحت عجائبها المفكّرون الفحول، بل عجزت كلّ الوسائل الدقيقة والتقنية الحديثة أن تصل إلى شأو هذا الكون الفسيح المترامي الأطراف فرجع البصر خاسئا وهو حسير.

وازدادت حيرتي حينما علمت علما يقينا أنّ في السماء مخلوقات بأحجام عظيمة تفوق الخيال، وتتجاوز المحيط الفكريّ، وحدود الخواطر، وتيقّنت أنّ هذه المخلوقات تسير وفق خطّة محكمة، لا تتعدّى حدودها المرسومة لها، ولا تميل عن مسارها.

و زادني دهشة ارتباط هذه المخلوقات العلوية ارتباطا وثيقا بحياة المخلوقات السفلية الكائنة في هذه الأرض المليئة بالعجائب هي الأخرى، فغضضت طرفي وطويت تفكيري أمام كون لا يسعه تفكير مخلوق، ولا يحيط به عقل إنسان وتلوت قول الله  تعالى: “ما قدروا الله حقّ قدره، إنّ الله لقويّ عزيز “.  

ثمّ عاد التأمّل والتفكّر من جديد في كوكبنا الذي نعيش عليه، وهو هذه الأرض فجلت بطرفي وتفكيري في بحارها وأنهارها وجبالها وترابها وكائناتها الحيّـة المتنوّعة، وكلّ ما مرّ بخاطري وتفكيري، وإذا بي أقف أمام خلق يعجز العقل البشريّ عن إدراك كنهه، وتقف الأفكار حائرة في عظمة صنعه، ودقّة تنظيمه، وبعد كلّ هـذه التأمّلات خرجت بنتيجة حتمية، وهي أنّ هناك قدرة إلهية خلـف بـدء الخلـق وكافـّة الأحداث، وأدركت أنّ الله واجب الوجود.

          وأدركت القدرة الإلهية للخالق، وعظمته وعلمه اللانهائي المحيط بالكون، في السماء وفي الأرض.

وأنّ خلق السموات والأرض، وما أوجد فيهما من مخلوقات تسعى، لا نعرف إلا بعضا منها، ولا ندري عمّا تفرّق منها في ملكوت الله الواسع إلا النزر القليل.

 فإبداع هذا الكون، وضخامته الهائلة، وتناسقه، وجريانه وفق نظام دقيق، ينبّئ عن عظمة مبدعه، و هذا يهدي المتأمّل فيها إلى قدرة الله عزّ وجلّ، فتنجذب النفوس إلى الإيمان، وتتفجّر ينابيع التسبيح والإقرار بتلك العظمة والقدرة من قلبه على لسانه، ويدرك المتأمّل أنّ هذا الكون بما فيه لم يخلق عبثا ولا باطلا.

فلا يملك الإنسان بعد كلّ هذه الدلائل إلا أن يتوجّه إلى خالقه ومالكه خاشعا متضرّعا، معلنا قناعته بحكمته تعالى في خلق المخلوقات قائلا: ” ربّنا ما خلقت هذا باطلا، سبحانك فقنا عذاب النار “.       

 بعد هذا الاستعراض لمنهج القرآن والسنّة الوقائي في حماية العقل من الفكر المنحرف بكافّة أشكاله، ومنه فكر الإلحاد، يجد المنصف نفسه أمام مدرسة في حمايـة عقل الطفل من التيه والضلال، نحن في أَمسّ الحاجة إلى الغوص في بحارها واصطياد مدلولاتها وكنوزها، وتقديمها للجيل وتربيتهم عليها لوقايتهم من الانحرافات الفكرية.

       تعديل سلوك الوالدين الدينى

         يرسم الوالدين لأبنائهم الأطر التي يتحرّكون ضمنها، لذا فإنّ معظم الأسر في مجتمعاتنا تؤدّي وظائفها الاجتماعية التقليدية مع أبنائها من خلال إكسابهم أنماط تعامل غير مكتوبة، ويمكن ملاحظتها على الواقع اليومي المعاش بوسائل و ببساطة يتعلّم الأطفال، الإناث والذكور، دروساً كثيرة من ملاحظة الآخرين.

 والتقليد لم يقتصر على ذلك فقط، بل يمتدّ إلى أن يشمل مستوى التديّن عند الوالدين، كتقليد البنت لأمّها، فنرى الطفلة في سنّ الثالثة من عمرها ترتدى الحجاب مثل والدتها.

وعلى النقيض، إذا كانت الأمّ غير محجّبة وتضع مستحضرات تجميل على وجهها، تجد الطفلة تلعب بمستحضرات التجميل وتضعها على وجهها تلعب به.

و ببساطة يتعلّم تعلّم غير مقصود أو متعمّد، وسمّيت بالتعلّم بالملاحظة أو التقليد.

        وكذلك الأولاد من الذكور حينما يقومون بتقليد آبائهم، بأخذ أدوار الرجولة وتحديد مسؤولياتهم وهم صغار، ويتحمّلون أعبائها دون الأخذ بنظر الاعتبار فارق السنّ لديهم.

وأيضا ترى الطفل يريد أن يذهب إلى الجامع ليصلّى مثل والده والأطفال يقفون يمثّلون حركات الصلاة مثل الآباء.

وعلى النقيض، تجد الأطفال الذين ينشأون في أسرة لم يصلّى فيها الوالدين لا يعرفون الصلاة لأنّهم لم يروا أمامهم أحد من الوالدين يصلّى.

وتكرار الأفعال الجيّدة التي تحظى بدعم أو تعزيز إيجابي، مثل الصدق مقابل الكذب، واحترام الكبير والعطف على الصغير وما إلى ذلك من قيم تُغرس في نفوس يساعد على اكتسابها بسهولة وبناء فرد متديّن بسهولة.

وعلى النقيض، تكرار الأفعال السيّئة من الوالدين مثل الكذب وغيرها من المحرّمات يخرج طفل غير متديّن.

        ولعلّ أقرب مثال على هذا، مثال يقول “من شابه أباه فما ظلم”.

وهو مثل أثبت صحّته دراسة فرنسية، وجدت أنّ أكثر من 71% من الأبناء الذكور يتشابهون في السلوكيات والعادات المكتسبة مع آبائهم.

وبحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، أفادت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة السوربون أن أكثر من 71% من الأبناء الذكور يتشابهون في السلوكيات والعادات المكتسبة مع آبائهم، في حين تتراجع تلك النسبة إلى 40% بالنسبة للإناث.

فالأب، وكذلك الأمّ، يجب أن يكونا نموذجاً وقدوة لطفلهما، حتى يكون من السهل على الطفل أن يقلّد السلوك الجيّد في حياته، بدلاً من تنفيذ نصائح وأوامر لسلوكيات لا يراها.

فالأب في نظر أبنائه هو ذلك البطل الذي يقلّدونه في كلّ شيء، في حركاته وتصرّفاته، في التواضع والأمانة وفي كلّ سلوكياته، لأنّ الطفل يميل إلى اعتبار أنّ كلّ تصرّفات والده مثالية، من دون أن يشعر الأب بذلك.

        ضرورة وجود الأمن والاستقرار في الأسرة

       لاحظ عالم النفس بنيامين هلاهمى أنّ الكثير من الحالات الملحدة يجتمع فيها التقصير الأبوي مع اختلال رمز الأمّ، وجمع ملاحظاته حول هذا الخلل الأسرى المزدوج في عدد من النقاط وهى كلّما تضاءل اهتمام الوالدين بالدين كلّما ازداد تمرّد أبنائهما عليه.

إذا كان الوالدان مختلفين في الدين، وترتّب على ذلك خلافات في الأسرة، زاد احتمال ارتداد الأبناء عن الدين، وإن ارتدّوا عن الدين بالرغم من نشأتهم في أسر متدينة، عادة ما تكون علاقتهم بالأسرة غير طيّبة.

         استخدام الوالدين اللين في تعزيز العلاقة بينهم وبين الله

 بعض الأسر تستخدم الشدّة مع الأبناء لأنّه مقصّر في الصلاة أو لأنّه مقصّر في حفظ القرآن، فيبدأ الآباء في استخدام الضرب والعقاب و يقوم البعض الأخر أيضا بأن يبدأ في إصدار تعاليم على الأبناء بدون ضرب وينفّذها الابن بالفعل لكنّه يأتى في مرحلة المراهقة ويبدأ التخفّف لأنه يحسّ أنه لم يعيش حياته.

ورأيتها بنفسى، أمر أب ابنته أن ترتدى الخمار في سنّ الخامسة، وبعد أن كبرت البنت خلعت الحجاب نهائيا.

إنّ القسوة تأتى بنتيجة عكسية تماما وأيضا البدء في سنّ صغير يجعل الطفل يحسّ بالضغط، فلا بدّ أن يتمّ بالتدرج، وهذا ما أمرنا الله به عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

 قال: ” مروا الصبيّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها “.

 انظر في قوله: مروا لمدّة ثلاث سنوات، يعني من سبع إلى عشر، ثلاث سنوات، في كلّ سنة 360 يوما تقريبا، في 3 سنوات = 1080 يوما تقريبا، في خمس أوامر عند كلّ صلاة تقول له صلّ = 1080 × 5 = 5400 أمر بالصلاة بدون ضرب أو نهر أو تعذيب.

وتبدأ في سنّ العاشرة من عمر الطفل، فإذا قصّر في صلاته أو تهاون وتكاسل في أدائها، فعند ذلك يجوز للوالدين استخدام الضرب تأديباً له على ما فرّط في حقّ نفسه، وعلى ظلمه لها بإتّباع سبل الشيطان.

ويكون الضرب، ضرب المعلّم المربّي المشفق، لا ضرب المنتقم، وذلك لكي يضعوا الطفل في موقع الجدّية وليعلم أنّ هذا الأمر جدّ لا هزل فيه، فعل لا قول، ويشترط في الضرب أن يؤلم بعض الشيء لا أن يشوّه أو يجرح.

يجب أن نفهم الطفل سبب الضرب كأن نقول لهم حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ” مروا الصبيّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها “.

بقلم الدكتورة سوسن محمد الشاملي

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.