مقالنا هذا يتناول أسئلة حول أهمّية بناء الطفل القيادي يجيب عنها في ضيافة مجلّة ابداع د. مصطفى أبو سعد، دكتور علم النفس التربوي والمدرّب العالمي في البرمجة اللغوية العصبية والمتخصّص في المجال التربوي والأسري العالمي في البرمجة اللغوية العصبية يحلّ علينا ضيفاً في صفحة هذا العدد ويتفضّل بالإجابة على أسئلة إبداع حول أهمّية بناء الطفل القيادي منذ مراحل الطفولة المبكرة وأهمّ الأمور التي تكون سبباً في بناء الشخصية القيادية لدى الأطفال.
س- كيف ننشئ طفلاً على غرار أبيه، لديه قيم إدارية، وما أهمّية قيمة تنظيم الوقت في الطفل القائد؟
ج- أنا من المعجبين بمثل هذه الخطوات والمبادرات الطيّبة التي تسعى لتكريس أنواع من السلوكيات الفكرية العالية التي يعبّر عنها بالمهارات.
وأعتقد أنّ مجلّتكم تساهم إلى حدّ كبير في رفع مستوى التنمية البشرية في البلد.
وأهمّ شيء أن نؤمن متى نعلّم الطفل المهارات وكيف نعلّمه إيّاها وأهمّ سؤال هو متى؟ ثمّ كيف؟
فمن خلال الدراسات النفسية تبيّن لنا أنّ 90 % من شخصية الطفل تتشكّل في السنوات السبع الأولى، حيث تتشكّل عند الطفل المفهوم الذاتي الذي فيه التقبّل والإدراك والقيم وهي أهمّ سنوات في عمر الإنسان على الإطلاق.
من الممكن تعليم الناس كيف ينظّمون وقتهم ويتّخذون القرارات ويعتمدون على أنفسهم في سنوات متقدّمة من العمر لكن تعليم إنسان تجاوز السبع سنوات يحتاج إلى رغبة وليس من السهولة تشكيل رغبات داخلية.
ونحتاج إلى اتّخاذ القرار أيّ أنّه يريد التغيير ونحتاج إلى الفعل والمهارة والالتزام والاستمرارية والطاقة والتوقع الإيجابي.
لكن الطفل لديه كلّ هذه المقوّمات في السبع سنوات الأولى، فلديه حبّ الفضول والاكتشاف، وكثرة الحركة تعبّر عن هذه الرغبة أنّه يريد أن يتعلّم أشياء كثيرة، ولديه القرار لأنّه يريد أن يعتمد على نفسه ويتعلّم أشياء جديدة، وتوقّعات الطفل كلّها إيجابية.
ومن المهارات التي يحتاجها الطفل هي الاعتماد على الذات، لكن علينا أن نسأل سؤالاً هامّاً، هل أعطيت للطفل الفرصة ليمارس قوّة الاستقلال والاعتماد على الذات؟
إنّ هذه المهارة تبدأ في السنتين الأوليتين من عمر الطفل، فهو يريد أن يأكل بمفرده، وأن يلبس ملابسه دون مساعدة، وهذه بدايات تشكيل مهارة، وهي الاعتماد على الذات.
وأيضاً مهارة حلّ المشكلات، فالطفل في هذا العمر يريد أن يحلّ مشكلته بنفسه، ويريد حلّ جميع المشكلات التي تواجهه دون تردّد وبأيّ وسيلة كانت ودون الاعتماد على الآخرين.
وبعض الآباء يخطئون حينما يركّزون على أشياء يمكن تعلّمها بعد السبع سنوات الأولى مثل الحفظ.
لا تشدّد عليه كثيراً، اجعله يحفظ ما تيّسر له من القرآن أو الأحاديث والأدعية دون أن تركّز عليه، لأنّ التركيز الأساسي يجب أن يكون على تعلّم المهارات، حيث يوجد الكثير من المهارات التي لا يمكن تعلّمها إلا بهذه السنّ، ومنها الجرأة والشجاعة والقدرة على اتّخاذ القرار والثقة بالنفس والصورة الإيجابية عن النفس والتقبّل الذاتي، وهذه كلّها من أقوى المهارات التي تصنع القائد والإداري الناجح.
لكن نحن لا نريد فقط إداريين، نريد قادة وهذا هو المطلوب والأهمّ، لأنّ القائد هو من يرسم الأهداف ويضع الخطط الاستراتيجية، أمّا المدير فهو يدير ويحقّق أهداف مرسومة سلفا.
أمّا المرحلة العمرية من 7 إلى 18 سنة، ففيها تتشكّل 10 % من شخصية الإنسان وهي ليست قليلة، ففيها يمكن إعادة تشكيل شخصية الابن عن طريق الاقناع واللين والتفاهم.
ويمكن فيها كذلك تقويم شخصية الطفل بتعديل بعض الخصائص القابلة للتعديل.
وهذا هو الشقّ الأول من بنيان شخصية الطفل وهو متى؟
أما الشقّ الثاني: وهو كيف؟ فهو كيف ينبغي أن أعلّم ابني كيفية اتّخاذ القرار؟ وكيف يؤمن بقيمة قوّة اتّخاذ القرار والاستقلالية والاعتماد على الذات.
والأهمّ هو كيف أعلّم ابني القيم، ومن الممكن أن أستغرق سنة كاملة في تعليم ابني قيمة الوقت.
وهذه بعض المفاهيم الهامّة في قيمة الوقت: أهمّية الوقت، ماذا يعطيني الوقت، المحافظة على الوقت، سعادة احترام الوقت، أهمّية احترام وقت الآخرين، الوقت بالنسبة للمسلمين مهمّ جداً لأنّه يدخل في عقيدة الإنسان المسلم الناجح، الوقت كالسيف، الوقت جزء من حياتك إمّا يقودك إلى النجاح أو إلى الفشل.
بعد القيم والمعتقدات التي يتمّ تعلّمها في السنوات الثلاث الأولى، ينتقل إلى السنوات الرابعة والخامسة، وفيها بناء الأحاسيس والمشاعر، دع ابنك يحبّ الوقت، ويحترمه.
أعتقد أنّ السلوكيات السلبية المنتشرة في عالمنا العربي هي بسبب المعتقدات.
فيجب أن نؤمن أنّ الوقت ثمين ويجب المحافظة عليه وعدم إضاعته.
ثمّ يأتي دور السلوك وهو الدور الأسهل والأبسط لأنّ الإنسان عندما يؤمن ويحبّ ويشعر بقيمة الوقت لن يضيّعه في أيّ شيء آخر تلقائياً، ويكون مبرمجاً على احترام الوقت وتنظيمه واستغلاله في خدمة أهدافه وتحقيقها.
لذا فالذين يدخلون دورات تنظيم الوقت، هم يأخذون جداول قد لا تنفعهم لأنّهم بالأساس لا يشعرون بقيمة الوقت.
وهذا المعنى العظيم نفهمه من سيرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد ظلّ عليه الصلاة والسلام مدّة 13 عاماً يبني القيم والمعتقدات والمشاعر وما كان يفرض على المسلمين سلوكيات نهائياً.
وحتى عندما فرضت عليهم الصلاة، كانوا يتعاملون بالربا والخمر، ولم يكونوا مطالبين بدفع الزكاة، لأنّه من الصعوبة أن تطالب الإنسان بسلوك قبل أن تبني لديه القيم والمعتقدات.
بعد فتح مكّة قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: “لولا أنّ قومك حديثي عهد بالإسلام لأمرت أن أهدم الكعبة وأن أعيد بناءها مثل ما بناها إبراهيم”، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
لذلك هناك القاعدة الأساسية: انتبه إلى أفكارك لأنّها تتحوّل إلى قيم، وقيمك تتحوّل إلى معتقدات، والمعتقدات تتحوّل إلى مشاعر حبّ وأحاسيس والتي بدورها تتحوّل إلى سلوكيات تحدّد مصيرك.
إذاً الذي يحدّد مصير الإنسان في الواقع هي الأفكار.
فالفكرة إذا أعطيتها طاقة أصبحت قيمة، والقيمة إذا فكّرت بها وتبنّيتها أصبحت معتقد، والمعتقدات تولّد الحماس والمشاعر، والمشاعر ينتج عنها سلوكيات.
س- كيف أوفّق بين القيم والمهارات المختلفة، أي كيف أعلّم ابني قراءة كتاب لوحده وفي نفس الوقت أعلّمه مشاركة الآخرين والاختلاط بهم؟
ج- هذا هو المطلوب، وهو التوازن، بين الانطواء والتقوقع من جهة، وبين الشللية والجماعات، من جهة أخرى.
فيجب على الطفل أن تكون لديه مهارات اجتماعية للتواصل مع الآخرين وكذلك مهارات ووقت للتأمّل الذاتي والقراءة والتفكير والاسترخاء، وهذه من سمات الناجحين، أي أن تكون لديه لحظات اختلاء مع الذات.
دع ابنك لوحده دون إزعاج حتى ولو لبضع دقائق، وكذلك كان أعظم القادة والعظماء وهم الرسل.
فقد كان إبراهيم الخليل عليه السلام يتأمّل في النجوم يومياً، وموسى عليه السلام ذهب إلى جبل الطور وكان يتأمّل، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم اختلى في غار حراء، وكان يقضي الليالي يتحنّف ويتأمّل وهناك نزل عليه الوحي.
لكن من المهمّ إبعاد الطفل قدر المستطاع عن ألعاب الكمبيوتر والسيجا والبلاي ستيشن، لأنّها تعلّم الطفل الاتّكالية والسهولة في الحياة، كلّ شيء بضغطة زرّ، وكذلك تؤصّل العنف والإحباط الذاتي، لأنّ الطفل يصنع لنفسه بطلاً بضغطة زرّ، فإمّا أن يقتل أو يفشل.
لهذا فألعاب الكمبيوتر أخطر من التلفزيون، لأنّها تعلّم الطفل العنف والإحباط والفشل، غير أنّ الأطفال مصرّون دائماً على ممارسة هذه الألعاب المثيرة.
والحلّ هو أن لا أحرمهم من هذه الألعاب بتاتاً، لكن بحدود ضيّقة و بأوقات محدودة وأنواع من اللعبات معيّنة.
ثمّ علينا أن ننمّي الهوايات لدى الطفل مثل الرسم والفكّ والتركيب والنادي العلمي أو التعامل مع الآخرين، وأن أهيّئ لهم الصحبة الصالحة التي تزيد من طموحهم ومناقشاتهم، ومنافسة أقرانهم.
وكذلك علينا أن ننمّي لدى الطفل قيمة الهدف الجماعي، يجب أن نعلّم الطفل أنّنا كلّنا نحقّق الهدف، ونكمل الدور الذي بدأه شخص آخر، وهي قيمة مهمّة جداً لأنّها إحدى القيم الأساسية لدى الفتى القيادي، ويجب أن تكون لدينا لجان تهتمّ بتنشئة الفتى القيادي.
وفي الكويت بدائل كثيرة ولجان مهتمّة بالفتى والفتاة القيادية، وهي من الإبداعات التي نحمد الله عليها.
فأشخاص مثل الدكتور طارق السويدان في المركز القيادي لتدريب الفتيان والفتيات ولجنة الصحبة الصالحة والنشء المسلم ومراكز الشباب والمراكز الكشفية والنادي العلمي والأندية الرياضية وجهود الدكتور محمد الثويني، كلّها بدائل تتيح الفرصة المناسبة لبناء القادة ذوي الذكاء العاطفي والبنية النفسية السليمة المبدعة.
س- كيف يستطيع الطفل أن يختار تخصّصه؟
ج- إنّ اختيار الطفل لتخصّصه ومستقبله العملي يكون من خلال تنمية المهارات والهوايات وهذا بعد سنّ 14-15 سنة.
فيجب أن نساعده على اختيار تخصّص يتناسب مع طبيعة شخصيته، لكن ليس من الضرورة أن تكون مهنة للعمل بها.
مثلاً الشخصية الاجتماعية ذات العلاقات العامّة لا يمكن أن يعمل في مهنة تتطلّب الانفرادية مثل العمل كصائغ برامج في الكمبيوتر.
ولدى الدكتور طارق السويدان دورة تخصّصية هي صناعة كيف تختار تخصّصك، وهي من أقوى الدورات وأنفعها.
س- هل هناك علاقة بين كون الإنسان ذا ذكاء عالٍ، وفي نفس الوقت يكون من ذوي الدرجات المتدنّية في الدراسة؟
ج- نعم هناك علاقة بين الذكاء العقليّ والتحصيل الدراسي لكنّهما لا يصنعان من الشخص إنساناً ناجحاً.
لذا فإنّ الذكاء العاطفي يصنع منك القائد والزعيم، وهذا يتماشى مع النظرة الإسلامية: “إنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.
وفي الحديث: “وأنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه” وهذا هو الذكاء العاطفي الوجداني، وهو أقوى من الذكاء العقلي.
إنّ كثيراً من عباقرة البشرية كانت لهم عقبات في التعلّم مثل آينشتاين ودافنشي وإديسون وروزفلت، قد طردوا من المدرسة وقيل عنهم أغبياء، لكنّهم كانوا أذكياء وعباقرة، ودرجة ذكائهم تجاوزت 140 درجة.
وهناك نوع من الصعوبات التي تواجه بعضاً من هؤلاء مثل العسر القرائي ومعدّل المصابين به بين 4 إلى 10 بالمئة.
والقراءة مهمّة جدّاً، وعلى الآباء أن يجهّزوا غرفة تكون مكتبة للقراءة وبجوّ مناسب يساعد الطفل على القراءة والتفكير.
س- كيف نثق بالمدرسة مع أنّها تخرج بعض السلوكيات السيّئة؟
ج- المدرسة أحد المبرمجين الأساسيّين للطفل وتعطيه معلومات عن الحياة وتشكّل جزءاً من شخصية الطفل، وعلينا متابعة أبنائنا في المدرسة من خلال سؤال المدرسة ومراجعتها ومراجعة الأخصّائي الاجتماعي وحضور مجالس الآباء.
لكن يجب علينا أوّلاً أن نحصّن أبناءنا عن طريق المعتقدات والمبادئ، ولا نقدّمهم للمدرسة كالوعاء الفارغ، وعلى كلّ منّا أن يتحمّل مسؤوليته تجاه أبنائه.
س- ما هو رأيك في العقاب البدني؟
ج- أنا شخصيّاً لا أميل ولا أرتاح لهذا المبدأ لأنّ هناك ألف طريقة وطريقة بديلة عن الضرب والعقاب البدني، وهناك أكثر من 50 أسلوباً للمحاسبة والمعالجة، لكن لا أتعامل مع أبنائي بمبدأ العقاب بل بمبدأ المحبّة والإقناع والتحاور الهادئ العقلاني، إلا في حالات ضيّقة جدّاً وبعد استنفاد على الأقل مائة وسيلة وخطّة، لكن عليّ أوّلاً أن أجعله يؤمن بالقيم، وأدرّبه على السلوك لفترة تتجاوز الثلاث سنوات، فإذا لم ينجح ذلك معه شيء ربّما يكون العقاب البدني أو الضرب غير المبرّح حلاً، لكن الضرب أسلوب العاجز والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يضرب قطّ إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى.
والحمد لله إنّني أرى إقبالاً رائعاً على الدورات والكتب والبرامج الإعلامية التي تدعو إلى تنمية المهارات لدى أطفالنا.
تناولنا إذا هنا أسئلة حول أهمّية بناء الطفل القيادي يجيب عنها في ضيافة مجلّة ابداع د. مصطفى أبو سعد.
د. مصطفى أبو سعد (أهمّية بناء الطفل القيادي)
المصدر : مجلّة ابداع، العدد العاشر