إنّ استعمال المربّي لاستراتيجيات التربية الإيجابية تؤدّي إلى تجاوب وتواصل وتفاعل بين المربّي والأطفال، وتكتمل قوّة هذه الخطوات باستراتيجية الإنصات الفعّال.
إنّ الإنصات الفعاّل غير الاستماع، ويعني الاستماع باهتمام وبكلّ الجوارح ومن خلال ملامح الوجه ولغة الجسم والرسائل الإيجابية التي يبعثها المنصت الإيجابي للمتكلّم.
الإنصات الفعّال يعني اهتماما بما يريد الطفل التعبير عنه، وتعني اهتماما إيجابيا بالرسائل الخفية للطفل، وهو طريق لتجاوز الحالات المتوتّرة بين الوالدين والأبناء.
وكلّما مورس الإنصات الفعّال كلّما عرفت العلاقات الأسرية انحسارا وتقلّصا للحالات المتشنّجة.
إنّ مفتاح الإنصات الفعّال يكمن في الرسائل غير اللفظية وفي الاتّصال غير الشفوي الذي يرسله الأب لابنه من خلال الابتسامة ولغة الجسم وملامح الوجه ونبرات الصوت المعبّرة عن الحنان والمحبّة والودّ التي تنبعث بين الفينة والأخرى معبّرة عن موافقتك وتفهّمك لما يقوله الابن.
خمس خطوات للإنصات الفعال:
1. اربط علاقة تواصل بين عينيك وعيني ابنك وتفادى أن تشيح وجهك عن ابنك، فإنّ ذلك يوحي بقلّة اهتمامك بما يقوله وقلّة اعتبارك لشخصه.
2. اجعل ثمّة علاقة اتّصال واحتكاك جسدي مباشر من خلال لمسة الحنان وتشابك الأيدي والعناق ووضع يدك على كتفيه، فإنّ ذلك يوطّد العلاقات المبنية على المحبّة ويسهّل لغة التواصل العاطفي وييسّر التفاهم ويفتح لدى الطفل أجهزة الاستقبال للرسائل التربوية الصادرة من الوالدين.
3. علّق على ما يقوله ابنك وبشكل سريع دون أن تسحب الكلام منه، مبديا تفهّمك لما يقوله من خلال حركة الرأس أو الوشوشة الميمية بنعم أو ما شاء الله،ممّا يوحي لابنك أنّك تتابعه باهتمام فتزيد طمأنينته.
4. ابتسم باستمرار وأبد ملامح الاطمئنان لما يقوله، والانشراح بالإنصات له مع الحذر من تحسيس الطفل بأنّك تتحمّل كلامه على مضض أو أنّه مضيّع لوقتك ولا تنظر للساعة وكأنّك تقول له لا وقت لديّ لكلامك.
5. متى ما وضحت الفكرة وتفهّمت الموقف عبِّر لابنك عن هذا وأعد باختصار وبتعبير أدقّ ما يودّ إيصاله لك لتعلّم ابنك اختصار ما يريد قوله وفنّ التعبير عن مشاعره وأحاسيسه والدقّة في التعبير وتقلّل بهذا من احتمالات الملل بينكما.
إنّ الإنصات الفعّال لا يكتمل إلا من خلال الاتّصال غير اللفظي الذي يطمئن الابن ويعيد له توازنه النفسي ويقضي بالتالي على مقاومة الطفل للرسائل التربوية الصادرة عن الآباء.
إنّ الأطفال عادة ما يعاندون ويبدون مقاومة لرغبات الوالدين.
والطريق السليم لامتصاص هذه المقاومة هو تخصيص وقت للإنصات الفعّال للطفل.
فكلّما تحدّث الابن ووجد قبولا واهتماما كلّما ضعفت المقاومة السلبية لديه وقلّ عناده.
خصّص وقتاً للإنصات الفعال: إنّ الإنصات الفعّال خطوة ضرورية في التربية الإيجابية لا غنى للمربّي عنها.
فكما أنّنا نخصّص أوقاتا لشراء ما يحتاجه أبناؤنا، ووقتا للاهتمام بصحّة أبدانهم ونظافتها، فكذلك نحتاج تخصيص وقت للإنصات لهم مهما قلّ هذا الوقت.
إنّ خمس دقائق ينصت فيها الأب لابنه قد تجعله يتفادى تضييع ساعات طويلة في معالجة مشكلات ناجمة عن قلّة التواصل أو مناقشة حالة توتّر.
خمس دقائق لا غير
خمس دقائق لا أهمّية لها عند عامة الناس وليس صعبا أن يخصّصها الأب يوميا لابنه.
خمس دقائق كلّ يوم تنمّي الحوافز الإيجابية لدى ابنك وتغرس لديه الدوافع التي تزوّد سلوك الإنسان بالعمل الصالح وملء الوقت بما ينفع دنيا وآخرة.
إنّ خمس دقائق مخصّصة للطفل تعني تمتّع الأب بوقت كبير لقضاياه الأخرى.
إنّ تخصيص خمس دقائق للطفل تعني أنّك تودّ التواصل مع ابنك وتحاول فهمه وتفهّم حاجاته ورغباته وأنّك تشعر به، وقبل هذا وذاك تعني أنّك تتقن فنّ الأخذ والعطاء وتمهّد قلوب الأبناء وبصيرتهم للإنصات الفعّال.
وبمعنى أوضح أنّك تقوّي الذكاء الوجداني لديهم المعروف لدينا بالبصيرة.
أنصت لأبنائك ليحسنوا الإنصات لك
فنّ الاستماع : وصفة أخلاقية ومهارة ضرورية.
المرجع: العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية. ستيفن كوفي.
في حياتنا، ومنذ صغرنا نتعلّم كيف نتّصل مع الناس الآخرين بالوسائل المتعدّدة، الحديث والكتابة والقراءة، ويتمّ التركيز على هذه المهارات في المناهج المدرسية بكثافة، لكن بقيت وسيلة اتّصالية لم نعرها أيّ اهتمام، مع أنّها من أهمّ الوسائل الاتّصالية، ألا وهي الاستماع.
لا بدّ لكلّ إنسان أن يقضي معظم حياته في هذه الوسائل الاتّصالية الأربع، الحديث، الكتابة، القراءة، والاستماع، لأنّ ظروف الحياة هي التي تفرض هذا الشيء عليه.
والاستماع يعدّ أهمّ وسيلة اتّصالية، فحتى تفهم الناس من حولك لا بدّ أن تستمع لهم، وتستمع بكلّ صدق.
لا يكفي فقط أن تستمع وأنت تجهّز الردّ عليهم أو تحاول إدارة دفّة الحديث، فهذا لا يسمّى استماعاً على الإطلاق.
في كتاب ستيفن كوفي العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية، تحدّث الكاتب عن أب يجد أنّ علاقته بابنه ليست على ما يرام، فقال لستيفن: لا أستطيع أن أفهم ابني، فهو لا يريد الاستماع إليّ أبداً.
فردّ ستيفن: دعني أرتّب ما قلته للتوّ، أنت لا تفهم ابنك لأنّه لا يريد الاستماع إليك؟
فردّ عليه: هذا صحيح.
ستيفن: دعني أجرّب مرّة أخرى، أنت لا تفهم ابنك لأنّه هو لا يريد الاستماع إليك أنت؟
فردّ عليه بصبر نافذ: هذا ما قلته.
ستيفن: أعتقد أنّك كي تفهم شخصاً آخر فأنت بحاجة لأن تستمع له.
فقال الأب: أوه، تعبيراً عن صدمته، ثمّ جاءت فترة صمت طويلة، وقال مرّة أخرى: أوه.
إنّ هذا الأب نموذج صغير للكثير من الناس الذين يردّدون في أنفسهم أو أمامنا: إنّني لا أفهمه، إنّه لا يستمع لي، والمفروض أنّك تستمع له لا أن يستمع لك.
إنّ عدم معرفتنا بأهمّية مهارة الاستماع تؤدّي بدورها لحدوث الكثير من سوء الفهم، الذي يؤدي بدوره إلى تضييع الأوقات والجهود والأموال والعلاقات التي كنّا نتمنّى ازدهارها.
ولو لاحظت مثلاً المشكلات الزوجية، عادة ما تنشأ من قصور في مهارة الاستماع لا سيما عند الزوج، وإذا كان هذا القصور مشتركاً بين الزوجين تتأزّم العلاقة بينهما كثيراً، لأنّهم لا يحسنون الاستماع لبعضهم البعض، فلا يستطيعون فهم بعضهم البعض، الكلّ يريد الحديث لكي يفهم الطرف الآخر، لكن لا يريد أحدهم الاستماع.
إنّ الاستماع ليس مهارة فحسب، بل هي وصفة أخلاقية يجب أن نتعلّمها.
إنّنا نستمع لغيرنا لا لأنّنا نريد مصلحة منهم، لكن لكي نبني علاقات وطيدة معهم.
بقلم د. مصطفى أبو سعد