سنبيّن في هذا المقال 7 نماذج للآباء والأمّهات.
رأيت أبا يصرخ على ابنه لأنّه لم يلتزم برياضته اليومية، فتوقّعت أنّ الابن مريض، وأنّ الرياضة علاج له حسب وصف الطبيب، لهذا الأب كان غاضبا، ولكنّي تفاجأت عندما سألت الأب عن سبب غضبه، فقال إنّ الرياضة أهمّ شيء بالحياة، وأنا ألزم أبنائي بأن يلعبوا يوميّا ساعة كاملة على الأقلّ.
هذا الأب الذي أتكلّم عنه يهتمّ كثيرا في تربية أبنائه في جانبين فقط لا ثالث لهما، الأوّل الجانب الرياضي، والثاني العلمي، ولا يعتبر الجانب النفسي والأخلاقي والإيماني مهمّ في حياته، ولا يحرص أن يربّي أبنائه عليها، ولهذا ينشأ الإبن رياضيا متميّزا وتعليميّا قويّا في مثل هذه الأسرة، ولكنّه ضعيف نفسيّا وسلوكيّا ودينيّا، وهذا يعتبر خللا تربويّا حتّى ولو صار هذا الإبن ناجحا رياضيّا أو تعليميّا في الحياة.
فالآباء أنواع، ومنهم هذا النوع الأوّل الذي تحدّثنا عنه ونسمّيه الأب الرياضي والعلمي.
وأمّا النوع الثاني فهو الأب المتشدّد دينيّا، ونلاحظ أنّ سلوك هذا الأب مثل سلوك الأب الأوّل، ولكن في الجانب الديني، فيغضب ويضرب أحيانا كلّما ذكّر أبنائه بالصلاة، ويعاقب أبنائه لو ارتكبوا أيّ مخالفة شرعية أو معصية، ويجبرهم على العبادات بالعنف، من غير حوار أو تفاهم معهم، ولا يهتمّ بالرياضة أو الجانب التعليمي لأبنائه.
والنوع الثالث الأب المتساهل والمدلّل، وهذا النوع لا يعرف أن يقول كلمة “لا” لأبنائه، ولا يلزمهم بالقيم والأخلاق أو بالعبادات، فهو متساهل بكلّ شيء وشعاره في الحياة هو تلبية طلبات أبنائه، وتركهم يديرون حياتهم كما يشاؤون حتّى يكونوا سعداء.
والنوع الرابع هو الأب البنك، وهو الأب الذي يرى دوره في الأسرة منحصر في التمويل، وصرف المبالغ النقدية لأبنائه، فهو يتعب ويكسب المال من أجلهم وهذا هو همّه وهذه أقصى أمانيه التربوية.
والنوع الخامس الأب التاجر، وأنا أعرف أبا أهمّ شيء عنده بالحياة أن يعلّم ابنه كيف يبيع ويشتري في صغره، وذلك حتّى إذا كبر يصبح تاجرا وهذا غاية مراده.
والنوع السادس الأب المهمل الغائب، وهو من أخطر الأنواع، لأنّه يهمل تربية أبنائه وتوجيههم ويركض وراء أهدافه في الحياة، سواء كانت أهدافا شخصية أو ترفيهية، أو رحلات سياحية.
والنوع السابع وهو النوع المثالي والرائع، ونسمّيه الأب الصديق الحازم، فهو صديق وقريب من أبنائه فإن كانوا صغارا يلعب معم، وإذا كانوا كبارا يصادقهم ويتحاور معهم، كما أنّه حازم فلا هو شديد وعصبي ولا هو ليّن يدلّل على حساب غرس القيم والأخلاق والدين.
فكما أنّ اللين والدلال مطلوب فكذلك الشدّة أحيانا مطلوبة وهذا ما نسمّيه بالحزم.
فالحازم غير الشديد والعنيف والعصبي، لأنّ الحازم يصمّم على تطبيق القيمة مع وجود علاقة طيّبة وحوار وتفاهم ورحمه مع الأبناء، فلا يعنّف ولا يضرب، ولا يهين أو يصرخ أو يشتم، وإنّما يحبّب الأبناء بتطبيق القيم بأساليب تربوية ذكيّة.
فكلّ هذه النماذج الستّة ليست نماذج صحيحة تربويّا، ولا تخرج لنا تربية متوازنة وجيّدة للأبناء، إلّا أنّ النموذج السابع هو النموذج المطلوب، وأحيانا تختلف مخرجات التربية بسبب اختلاف نموذج الوالدين، فقد يكون الأب من النوع الخامس وهو التاجر مثلا، والأمّ من النوع السادس وهي المهملة والغائبة، ففي مثل هذه الحالة تحدث كارثة تربوية بالبيت، أو لو كان الأب من النوع الثاني المتشدّد دينيّا والأمّ من النوع الأوّل الحريصة على الرياضة والتعليم، ففي هذه الحالة ينشأ الأبناء بتناقض وتذبذب كبير، وتكون نفسياتهم غير سويّة.
ولهذا مهمّ جدّا أن يتمّ الإتّفاق على السياسة التربوية بين الوالدين، وكلّما كانا قريبين من بعض ومتّفقين، كلّما أثّر ذلك إيجابيّا على الأبناء، كما أنّنا لا نتوقّع التطابق بين الأمّهات والآباء، ولكن مهمّ جدّا أنّهم يعرفوا ما هو النموذج الصحيح ويعملوا من أجله.
والأمر الآخر المهمّ: أن تحقّق التربية التكامل التربوي في كلّ الجوانب الإيمانية، والنفسية، والسلوكية، والجنسية، والاجتماعية، ومهارات الحياة.
بقلم د. جاسم المطوع