سنبيّن في هذا المقال كيف أتصرّف إذا ولدي سألني عن شكل الله ويريد أن يراه؟

إحدى الأمّهات تفاجأت عندما جاءها ولدها والذي يبلغ من العمر أربع سنوات يجري وهو فرحان، ليعرض عليها الرسمة التي كان يرسمها، فقالت له: ما هذا الشكل الذي رسمته ؟ فأجاب: هذا “الله”، تقول الأمّ فسكتّ لم أعرف كيف أتصرّف فقال ابني: ماما أنا أحبّ أرسم كلّ من أحبّه وأنا أحبّ الله فرسمته.

هذه الأمّ تحدّثت معي مستفسرة عن ما هو التصرّف الصحيح بمثل هذه المواقف، وقالت كيف أتحدّث مع طفل صغير عن “الله”، فقلت لها: أنت كيف تصرّفت عندما حصل لك هذا الموقف، قالت: أنا جاوبته بأنّنا المفروض نرسم الأشياء التي نشاهدها، أمّا الأشياء التي لم نشاهدها فلا ينبغي أن نرسمها لأنّنا لا نعرف شكلها، ثمّ أخذت منه الورقة وأعطيته لعبة ليلهو بها ثمّ مزّقت الورقة التي رسمها، قلت لها: تصرّفك جيّد بأنّك استوعبت الموضوع ووجّهت الطفل، ثمّ أشغلتيه بشيء آخر فهذه ثلاثة قرارات سليمة في التعامل مع الحدث.

قالت: ولكن كنت أتساءل لماذا هو فكّر أن يرسم هذه الرسمة ؟ قلت: هو أخبرك بأنّه إذا أحبّ شيء رسمه، وهو طفل صغير غير مميّز وغير ناضج فلا يعرف الصواب من الخطأ، والطفل في هذه المرحلة يكون خياله كبير، حتّى أنّك تشاهدينه أحيانا يتكلّم مع الأشياء، وهذا تصرّف طبيعي، فهو يعيش بعالم خيالي يحاول أن يوازي العالم الواقعي الذي يشاهده، وربما أنت كثيرا ما تتحدّثين معه عن الله بطريقة إيجابية، فلهذا هو لحبّه لله تخيّل شكل معيّن و رسمه. 

قالت: ولكن الرسمة كانت قريبة من شكل الإنسان، قلت لها: هذا طبيعي لأنّ الطفل هو إنسان، ويشاهد البشر من حوله فيتخيّل أنّ الله مثل الإنسان.   

وهذا دورك التربوي والتوجيهي بأن تركزّي على معلومة: “أنّ الله ليس كمثله شيء”، وأنّ الله هو القويّ وهو الكبير وهو الخالق وهو الحفيظ، وهكذا حتّى يتعلّم الطفل أسماء الله وصفاته، ويعرف أنّ الله تعالى ليس مخلوق ولا يشبه شيئا من المخلوقات ولهذا نحن لا نرسم الله أو نتخيّل شكله.

والرسومات في عالم الطفل هي عبارة عن لغة يريد أن يعبّر بها الطفل عمّا يدور في نفسه، فلو رسم يد أمّه أطول من جسدها فهو يعني في الغالب أنّها تضربه، فهو يبالغ بالرسم حسب انفعالاته، وعادة ما يرسم الطفل ما يهتمّ به ويجذب انتباهه، كما أنّ الطفل دائما يحبّ أن يبحث عن أسباب الأشياء لأنّه يريد أن يفهم الدنيا ويتعرّف عليها، ولهذا دائما يسأل لماذا ولماذا ولماذاّ وربما يسأل في اليوم الواحد أكثر من 300 سؤال من أجل أن يتعرّف، ونحن لا بدّ أن نجيب على أسئلته لأنّه يرانا نحن مصدر العلم والمعرفة فلا نضجر ولا نسكته لأنّه في طور التعلّم.

ولهذا كان تصرّف الأم جيّدا لأنّها لم تغضب على طفلها عندما رسم الله، وإنّما علّمته الصواب، فلو سأل الطفل لماذا لا أشاهد الله علينا أن نجيبه ولا نغضب عليه، والسؤال ليس عيب أو خطأ وإنّما وسيلة للتعلّم.

وقد سأل نبيّنا موسى عليه السلام هذا السؤال قائلا: “ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني”، فلو طلب الطفل أن يشاهد الله فنقول له : إنّنا لا نستطيع أن نرى الله ونحن في الدنيا، ولكنّنا سنراه بالجنّة إن شاء الله، ولكن ربّنا جعلنا نشاهد مخلوقاته بالدنيا مثل السماء والأرض والبحر والحيوانات وووو…، فنلفت نظر الطفل إلى عظمة الخالق والتفكّر في آيات الله بدل التفكّر في ذاته، هذا لو كان صغيرا، فإذا كبر قليلا نقول له أنت تشعر بالحبّ وتشعر بالجوع، ولكنّك لا تراه ولكن ترى آثاره وتشاهد علاماته، فكذلك ربّنا سمح لنا في الدنيا أن نرى آثاره ومخلوقاته وفي الآخرة سنراه إن شاء الله، وقد ورد بالأثر: “تفكّروا في آلاء الله ولا تفكّروا في ذات الله”.

المصدر: د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.