مقالنا اليوم عن “هاي” “باي” “هلو” مفردات الجيل الجديد ومدى تأثّر أبنائنا باللغات الأجنبية.
هل من الخطأ أن يستخدم أبنائنا كلمات أجنبية مثل: “هاي” أو “باي”، عند اللقاء والوداع؟ وهل من الخطأ أن يتحدّث الوالدين مع أبنائهم بلغة أجنبية داخل البيت؟
إنّ اللغة الإنجليزيه لغة عالمية، وتعلّمها أصبح ضرورة عصرية لمتابعة التقدّم العلمي والتكنولوجي اليوم، ولكنٍ سؤالنا ليس عن تعلّم اللغات بشكل عامّ، وإنّما عن ترك الشخص لغته الأمّ، واستبدالها بلغة أجنبية أخرى، ونعني أن يكون الشخصين عربيّين ولغتهم الأمّ عربية ويتحدّثان بالإنجليزية، هذا ما نقصده في مقالنا هذا، فنحن مع استخدام اللغة الأجنبية مع الأجنبي الذي تكون لغته الأمّ هي الأجنبية، ولكنّ ما نراه من الجيل الحالي أنّه يتكلّم الإنجليزية في الوقت الخطأ، ومع الشخص الخطأ.
ولعلّ أكبر تحدّي يواجه الجيل الحالي، هو أنّه كيف يتعلّم اللغة الإنجليزية ويتحدّث بها دون إهمال اللغة العربية، لأنّ الطفل عندما يتعلّم لغتين بنفس الوقت فإنّه يحصل عنده “تداخل صوتيّ” بين اللغات، فالنطق للغته الأساسية وهي العربية يكون نطقا سيّئا بسبب التداخل الصوتي بين اللغتين، وكذلك يحصل عنده “تداخل لغوي” بين الكلمات والمعاني، فاللغة ليست كلمات وإنّما هي طريقة في التفكير والتحليل ورؤية الأمور، كما أنّ لكلّ لغة طريقتها في التعبير عن مشاعرها ولغة الجسد الخاصّة بها، ولكن الفرق بين لغتنا العربية وباقي اللغات أنّ اللغة العربية مرتبطة بالدين، فهي لغة القرآن ولغة العبادات مثل الصلاة والأذكار.
فالمعروف أنّ لكلّ لغة نظامها وقواعدها الخاصّة بها، فإذا تعلّم الطفل لغتين ستختلط عليه القواعد، ويفقد حلاوة التذوّق بالكلمات والعبارات، وإذا لم يكن لديه ذكاء لغويّ فإنّه من الصعب عليه أن يجمع بين لغتين بمهارة، وفي الغالب يميل للغة الأسهل، فاستخدام “هاي” أسهل وأسرع من “السلام عليكم”، فيحدث عند الطفل ما نسمّيه “بالتآكل اللغويّ”، مع الوقت وتموت لغته العربية وتحيا اللغة الأجنبية.
وإذا كان الوالدين كلامهم أجنبيّا مع الطفل في البيت فإنّهم يساهمون في إماتة اللغة العربية عنده، فإذا أراد الطفل أن يرتاح بمشاهدة كارتون، أو يلعب ألعاب إلكترونية وهي باللغة الأجنبية فهذه كذلك تساهم في إماتة اللغة العربية عنده، ثمّ يجد نفسه مستغني عن اللغة العربية شيئا فشيئا، حتّى يصل لمرحلة يصعب عليه قراءة القرآن وتفسيره أو قراءة الأحاديث النبوية وفهمها، فينسلخ عن دينه وهويّته وثقافته حتّى يصبح أجنبيّا في تفكيره وكلامه وعربيّا شكله أو مكان إقامته، وإذا كبر وتزوّج لا يستطيع أن يربط أبنائه بالقرآن بسبب ضعفه باللغة العربية، وأبناؤه عندما يكبرون ويتزوّجون سيكونون أضعف منه وهكذا يحدث الإنسلاخ عن الدين والهوية والثقافة شيئا وشيئا، بتخطيط الوالدين سواء علموا أو لم يعلموا بالنتائج.
وأذكر شابّا تحدّث معي بحسرة بأنّه لا يستطيع قراءة القرآن بسبب تعلّمه بمدرسة أجنبية، وأنّ والداه كانا يتحدّثان معه باللغة الأجنبية، فوجد صعوبة كبيرة عندما كبر في قراءة القرآن وفهمه وقراءة السيرة النبوية وفهمها، وقد سمعت هذه المعاناة من أكثر من شخص، ولهذا الحلّ يكون في توعية الوالدين بأهمّية اللغة العربية وتعليمها أبنائهم مع حرصهم على قراءة القرآن وحفظه، ويلزمون أبنائهم بأن يتكلّموا العربية مع أصدقائهم أو إخوانهم حتّى نحافظ على سلامة لسانهم العربي.
ويتبادر في ذهني سؤالا أترك القارئ يجيب عليه، وهو: هل تعليم اللغة الأجنبية في مدارس ثنائي اللغة ببلادنا بهدف إماتة اللغة الأمّ عند الطفل أم إتقان اللغتين مع الحرص على إحياء اللغة الأمّ؟
بقلم د. جاسم المطوع