سيتناول هنا الدكتور جاسم المطوع مفهوم جديد للحرية عند أبنائنا و كيفة التعامل معه.

عمره 16 سنة ويدخّن السيجارة ويقول ليس من حقّ أبي أن يمنعني عن التدخين.

و فتاة عمرها 15 سنة تخرج مع شاب عمره 18 سنة وتقول ليس من حقّ أبي أن يمنعني طالما أنا وحبيبي متفاهمين وراضين.

وشاب عمره 14 سنة يصادق مجموعة شباب من جماعة الإيمو ويعترض على تدخّل والديه في حياته الخاصّة ويقول أنا حرّ.

وفتاة عمرها 17 سنة تسلّم جسدها لشابّ عند خروجها معه وقد تعرّفت عليه بالسناب وتقول لوالدها عندما تدخّل لمنعها “إيش المشكلة إذا كنّا إحنا الإثنين راضين”.

هذه أربع قصص عرضت عليّ خلال الشهر الماضي في الخليج.

أمّا في أوروبا فقد عرضت عليّ قصّة لعائلة مسلمة قالت لهم ابنتهم والتي تبلغ من العمر 9 سنوات إنّ سيّدنا إبراهيم عليه السلام لا يحقّ له كسر الأصنام لأنّ هذا التصرّف فيه تدخّل بحرّية واعتقاد الآخرين.

وبنت تبلغ من العمر 10 سنوات قالت لوالديها أنا جربّت الإسلام عشر سنوات والآن أريد أن أجرّب دين آخر.

وقصص كثيرة تعرض عليّ بين فترة وأخرى كلّها تحت عنوان “الحرّية” أو “الإستقلالية” للأبناء، وكأنّ الوالدين لا حقّ لهما في تربية أبنائهما أو التدخّل في حياتهما.

ولعلّ من غرائب القصص التي مرّت عليّ أنّ طفلا صغيرا قال لوالديه: أريد الزواج، فلمّا رفض والده طلبه، قال له الطفل: أنا حرّ و أريد أن أفعل ما أشاء.

بعد كلّ هذه القصص نتساءل: هل نحن قادمون على زمن لا نملك فيه أبنائنا ؟

أم أنّ هناك جهات وبرامج تربّي أبنائنا بعيدا عن إشرافنا ؟

أم أنّ الوالدين اليوم فقدوا صلاحية التربية ؟

أم أنّ الأفكار التي يتبنّاها الأبناء أعلى من مستوى الآباء ؟

أم أنّ أبنائنا يعيشون معنا بأجسادهم في بيوتنا بينما قلوبهم وعقولهم سلبها غيرنا ؟

أم أنّ الوالدين اليوم فقدوا الحوار والقرب مع أبنائهم وانشغلوا بأنفسهم وأعمالهم ؟

وأسئلة كثيرة تدور في ذهني كلّما عشت قصّة مثل هذه القصص وأفكّر بالحلول والإجراءات التي ينبغي أن تتّخذ من قبل الآباء لأبنائهم، وخاصّة إذا تعرّضوا للصدمة التربوية عندما يستمعون لكلمات مثل “هذا من حقّي” أو “أنا حرّ” أو “لا دخل لكم بحياتي” بعدما صرف الآباء دم قلوبهم وحرّ أموالهم من أجل أبنائهم.

 والأهمّ من هذا كلّه كيف يتصرّف الآباء تجاه هذه المواقف.

فأغلب الحالات التي أتدخّل بها تكون ردّة فعل الوالدين العصبية والضرب والعزل والصراخ وأحيانا الطرد والهجر.

ومثل هذه التصرّفات تعنى بداية الخسارة التربوية.

والأصل أن يحتوي الآباء المشكلة بالحوار والنقاش والاحتضان والحبّ للأبناء، ولا يستعجلوا تغيير فكرهم ورأيهم بجلسة واحدة، وخاصّة إذا كان الأبناء في مدارس أجنبية أو مدمنى مسلسلات وبرامج أجنبية، لأنّ مفهوم الحقوق والحرّية عند الأجنبي تختلف عن نظرتنا نحن المسلمين وهذا ما ينبغي أن يعرفه الآباء ويحصّنوا أبنائهم به قبل أن يفقدوا السيطرة الفكرية عليهم.

أما قصّة البنت الصغيرة التي اعترضت على تدخّل سيّدنا إبراهيم عليه السلام بحرّية قومه عندما كسر الأصنام، تمّ إجابتها وحوارها بأنّ إبراهيم عليه السلام استمرّ فترة طويلة يستخدم أسلوب الحوار والنقاش مع قومه من أجل إقناعهم بعقيدة التوحيد، فلمّا تكبّروا على الحقّ الذي عرضه عليهم ولم يقتنعوا به، استخدم معهم أسلوب الحيلة والذكاء ليوقظ عقولهم من غفلتها فقام بكسر الأصنام إلا صنم واحد، وطلب منهم أن يسألوا الصنم الكبير ليخبرهم من كسر الأصنام طالما أنّهم يعتقدون بأنّه الربّ، فكيف يكون رب يعبد وهو جاهل ؟

فلمّا تمّ الحوار مع الفتاة الصغيرة بهذه الطريقة اقتنعت ولم توصف إبراهيم عليه السلام بأنّه قامع للحرّيات وسالب لحقوق الآخرين.

إنّ الحوار وبيان الحقيقة مهمّ لاحتواء أبنائنا من الأفكار المنتشرة اليوم عبر الشبكات الإجتماعية والقنوات الإعلامية ومناهج التدريس الأجنبية.

وأنا أعرف أكثر من شابّ اتّجه لمجموعة عبّاد الشيطان وآخر للمخدّرات وفتاة صارت تنتقل من شابّ لآخر بسبب العنف والجفاف والإهمال التربوي، وبسبب إنشغال الوالدين بالدنيا وعدم إعطاء أولادهم الأولوية في الحياة.

و هكذا تناول الدكتور جاسم المطوع مفهوم جديد للحرية عند أبنائنا و كيفة التعامل معه.

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.