مقالنا عن قصّة مريم كيف ترويها لأولادك؟
كلّنا نعرف قصّة مريم العفيفة الطاهرة عليها السلام، عندما اعتزلت أهلها في مكان معزول عن الناس، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام على هيئة رجل، فخافت واستعاذت بالله منه وقالت لا تقربني إن كنت تخاف الله، فأجابها بأنّه لا يريد لها السوء وأنّ الله أرسله ليرزقها غلام، فتعجّبت من كلامه واستغربت كيف يأتي طفل من غير زوج أو علاقة محرّمة غير شرعية، فقال لها بأنّ الله سيخلقه من غير أب، وهو آية أي معجزة للناس لبيان قدرة الله تعالى.
ثمّ نفخ جبريل عليه السلام نفخة فحملت منها، ثمّ ذهبت إلى مكان بعيد بقرب النخلة وولدت بعيسى عليه السلام، ثمّ حملته إلى قومها، وقد تمنّت الموت قبل ولادتها لصعوبة الحدث ومواجهة قومها، ولكنّها استجابت لأمر الله فخلّد الله ذكرها ووصفها بأنّها صدّيقة.
قال تعالى: ” ما المسيح ابن مريم إلّا رسول الله قد خلت من قبله الرسل وأمّه صدّيقة كانا يأكلان الطعام “.
فهذه قصّة جميلة ومعبّرة، ذكرتها باختصار شديد حتّى أبيّن كيف نروي مثل هذه القصص المفيدة تربويّا لأبنائنا، ونستدلّ منها العبر والفوائد التي لا ينساها أبنائنا في صغرهم، وتساهم في تربيتهم على الإيمان والأخلاق والقيم.
فالفائدة الأولى أن نعلّمهم بأنّ الله هو الرزّاق من قوله تعالى: ” كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا. قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله. إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب “.
والفائدة الثانية التشجيع على العبادة وتحبيب الأبناء بالصلاة، كما قال تعالى: ” إنّ الله اصطفاك وطهّرك على نساء العالمين. يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين “.
والفائدة الثالثة تعليم الأبناء التسابق إلى فعل الخيرات، قال تعالى: ” وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون “.
والفائدة الرابعة تعليم الأبناء حبّ كفالة الأيتام ” وكفلها زكريا ” فالكفالة لليتيم نوعين، كفالة مالية وكفالة تربوية وتعليمية.
والفائدة الخامسة تعليم الأبناء عبادة التفكّر والتأمّل والتدبّر كما كانت تفعل مريم عليها السلام، فقد كانت تختلي مع الله تعالى كثيرا.
والفائدة السادسة تعليم الأبناء أهمّية خلق العفّة والعفاف للشباب والبنات والحفاظ على أخلاقهم وسمعتهم، ومريم عليها السلام خير قدوة وهي من خيار نساء العالمين.
والفائدة السابعة تعليم الأبناء حدود العلاقة بين الرجل والمرأة، ولهذا هي كانت تعي ذلك وخافت من الرجل وحذّرته بأنّه يخاف الله فيها ولا يرتكب خطأ، وكانت جريئة وقويّة في مواجهة الرجل، على الرغم من صغر سنّها وهي فتاة عذراء بعيدة عن قومها، فذكر الله تعالى قولها: ” قالت إنّي أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّا “.
والفائدة الثامنة أن نعلّم الأبناء بأنّ المرأة الحامل تمرّ بظروف صحّية مختلفة وتعاني من آلام جسدية ونفسية، وأنّ الأبناء لا بدّ أن يساعدوا أمّهم في حالة حملها، ولهذا قالت مريم عليها السلام: ” قالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيّا “.
والفائدة التاسعة أن يتعلّم الأبناء أنّ الدعاء مهمّ ولكنّه لا بدّ من بذل الأسباب وعدم الاعتماد على الدعاء وحده قال تعالى: ” فناداها من تحتها ألّا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريا. وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا “.
والفائدة العاشرة تعلّم الأبناء بأنّ الله قادر على كلّ شيء، ومنها أن يخلق طفل من غير أب وأنّه يتكلّم وهو بالمهد، فعندما نذكر لأبنائنا القصص علينا أن نتحاور معهم بالفوائد التربوية حتّى يستفيدوا من القصّة.
المصدر: د. جاسم المطوع