سنتحدّث في مقالنا عن علاقتك الزوجية، وتدمير نفسية الأبناء.

عرضت عليّ حالة لفتاة ترفض الزواج بسبب ما شاهدته من قسوة والدها لأمّها أثناء طفولتها، من ضرب وشتم وإهانة. 

وشابّ آخر بلغ من العمر 40 سنة وهو ما زال يرفض الزواج، لأنّ صورة الزواج في ذهنه سوداء بسبب ما شاهده من خلافات سيّئة بين والديه أثناء طفولته. 

وقصص كثيرة أعرفها مثل هذه الحالات، وكلّها بسبب سوء إدارة الخلاف بين الزوجين.

فمن أسوأ المواقف التي نربّي بها أبنائنا على الخوف والتوتّر والقلق، أن يكثر الزوجان الخلافات أمام أبنائهما، وخاصّة إذا رافق الخلاف ارتفاع للصوت وألفاظ قاسية مثل الإتّهامات في الشرف والعرض، أو الشتم والسبّ، أو يرافق الخلاف العنف الجسدي مثل الضرب، وشدّ الشعر، والرفس بالقدم، كلّ هذه التصرّفات إذا حصلت أمام الأبناء أكثر من مرّة، فإنّ النتائج التربوية تكون سيّئة جدّا.

إنٍ الخلاف بين الزوجين هو أمر طبيعيّ ولا يوجد بيت من غير خلاف، ولكن لا بدّ أن يكون للخلاف نظام وقواعد، حتّى يكون الخلاف صحّيا فلا يأثّر نفسيّا وتربويّا على الأبناء. 

ولكي نصل لهذه النتيجة لا بدّ من مراعاة عدّة أمور، منها أن لا يكون الخلاف متكرّرا أمام الأبناء، وأن لا يكون الخلاف على نفس الموضوع دائما، وإذا حصل خلاف ينبغي أن يكون الحوار لائقا، وفيه احترام وتقدير لوجهة النظر الأخرى، بالإضافة إلى الإلتزام بآداب الاستماع والحوار، مثل أن لا تكون فيه مقاطعة ولا عصبية، ولا الحكم المسبق على المتحدّث من غير أن نعطيه فرصة للتعبير عن رأيه، وليس فيه شتم أو ضرب أو إهانة وغيرها. 

فإذا تمّ الالتزام بآداب الخلاف الصحّي بين الزوجين، وقتها ننصح أن يكون الخلاف أمام الأبناء حتّى يتعلّموا كيف يديروا خلافاتهم بالمستقبل، ويعرفوا أنّ الحياة الزوجية ليست دائما سمنة على عسل، وإنّما الدنيا ساعة وساعة.

أمّا لو كان الخلاف شديدا فإنّنا ننصح في هذه الحالة أن لا يكون الأطفال موجودين أثناء النقاش والخلاف، فإمّا أن يخرج الزوجان خارج المنزل للتفاهم، أو يديروا الخلاف وقت نوم الأطفال. 

ومن الخطوط الحمراء التي لا ننصح أن تحدث أمام الأطفال عند الخلاف بين الزوجين، أن يردّد أحدهما للآخر كلمة الطلاق، أو التهديد بالطلاق، فهذه تعطي صورة سلبية للزواج، ولا يشعر الأبناء بالأمان والإنتماء للأسرة.

أمّا في حالة لو كان أحد الزوجين لا يراعي قواعد الخلاف الصحّي، أو قد يكون عصبيّا ولا يستطيع ضبط نفسه، فهو دائما متوتّر وصوته مرتفع ويختلق المشاكل، فيكون علاج هذه المشكلة أن يتعلّم الطرف الآخر كيف يهدّأ هذا الشخص  ويستوعبه أثناء عصبيّته، لأنّ التفاهم معه وقت العصبيّة والصراخ لا ينفع، فيكون الهدف الأساسي هو تحقيق التهدئة أكثر من تحقيق هدف علاج المشكلة، لأنّ عصبيّته وغضبه هو المشكلة الأساسية، ولو لم نستطع إدارتها لا يمكننا علاج المشكلة المختلف عليها،

فالخلاف بين الزوجين يعلّم الأطفال قيم وأخلاقيات كثيرة، منها أن يحسنوا التعامل مع الآخرين، وكذلك يتعلّموا أدب الحوار والإستماع، ويعرفوا كيف يتّفقوا ويصلوا لنتيجة مرضيّة للطرفين في حالة الإختلاف مع الآخرين، ويتعلّموا أنّ الخلاف أمر طبيعيّ بين البشر لأنّ البشر أصلا مختلفين في التفكير والتنشئة والثقافة، ويتعلّموا الإحترام والتقدير مع من نختلف معه، ويتعلّموا كذلك أنّه حتّى إذا لم نصل لنتيجة في الحوار والخلاف تبقى العلاقة طيّبة، وأنّه ليس كلّ خلاف سيّء فهناك خلاف إيجابيّ وجيّد، فكلّ هذه الأمور يتعلّمها الأطفال من مدرسة البيت، ومن علاقة الوالدين مع بعضهما أثناء الخلاف.

ولعلّ أهمّ فائدة من هذا الخلاف لو تمّ إدارته بالطريقة التى نشرحها، هي المحافظة على صحّة الأبناء ونفسيتهم وحمايتهم من الأمراض العضوية والنفسية، فأنا أعرف شابّا دخل مستشفى الطبّ النفسي وعمره ثمانية عشر سنة بسبب الخوف من الناس، والقلق الشديد وتطوّرت حالته للخوف من المستقبل، والخوف من الزواج، والخوف من كلّ شيء، بسبب العنف الذي كان يشاهده بين والديه أثناء الخلاف.

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.