يا للمصيبة، لقد تحوّلت الإباحية، من السرّية إلى العلنية.

في السابق كان من يرغب برؤية مقطع إباحي أو لقطة إباحية يخجل ويختفي عن الأنظار، حتى لا يشاهده أحد وهو يرتكب خطأ اجتماعي ومنكر ديني، واليوم صارت الإباحية علنية يتفاخر الشباب برؤية مقاطعها، وينشرونها بقروبات الواتس آب وشبكات التواصل الاجتماعي. 

هذا التغيير السريع في الأخلاق والقيم خطير على المستوى التربوي والأخلاقي، فقد زادت نسبة متابعة الإباحية بسبب انتشار شبكات التواصل وضعف رقابة الوالدين، حتى صارت حالات الإدمان على الإباحية كثيرة جدّا.

فالإباحية تعني متابعة كلّ ما له علاقة بالجنس، وصارت اليوم هي الوسيلة الوحيدة لتعليم الثقافة الجنسية في الخليج وعالمنا العربي، وذلك لعدم وجود خطّة واضحة لنشر الثقافة الجنسية الصحيحة

فالأرقام تفيد أنّ الإباحية في توسّع وانتشار سريع جدّا على المستوى العالمي، وهناك دراسة خليجية عن الإباحية وضّحت أنّ 70% من الشباب الجامعي الخليجي يتعرّضون للمضامين الإباحية الإلكترونية، وأنّ أكثر المواقع التي يتعرّض فيها الشباب الخليجي هي شبكات التواصل الإجتماعي بنسبة 51.4%، ثمّ موقع اليوتيوب بنسبة 31.2%، وأنّ أكثر تطبيقات التواصل الاجتماعي الذي يتعرّض فيه الشباب للمضامين الإباحية هي الإنستقرام بنسبة 46.4%، يليها تويتر بنسبة 44%.

أمّا على مستوى العالم فإنّ في كلّ ثانية يتمّ تصفّح 30000 موقع للإباحية من قبل الأطفال والمراهقين. 

ركّزوا معي في العبارة من قبل “الأطفال والمراهقين”، وفي كلّ نصف ساعة يتمّ تصوير فيلم إباحي في أمريكا، وأنّ 30% من محتوى الإنترنت يحتوى على محتوى إباحي، وكأنّ الاباحية تسير باتّجاه أنّها تحكم عقول الشباب والأطفال والناس، وربما في المستقبل يصبح للجنس إله مثلما كان عند اليونانيين في القديم إله للجنس اسمه: “إيروس”.

فقنوات الإباحية مدروسة بعناية فائقة لغسيل عقول الصغار والكبار، والرجال والنساء، فهي متغلغلة في البلايستيشن وألعاب الفيديو، وفي النتفلكس ومن خلال استعراض المشاهير لأجسادهم على السناب شات، والتيك توك للكسب السريع، وكذلك في الإيحاءات الجنسية في الإعلانات مثل إعلانات العطور ومزيلات العرق والسيارات وغيرها.

وحتى لا نحمّل شبكات التواصل الاجتماعي المسؤولية الكبيرة في سبب ازدياد الاباحية فإنّ هناك أسباب أخرى في زيادة التعلّق بالإباحية، مثل تقصير الوالدين بتربية أبنائهم وعدم غرس أخلاقيات الرقابة الذاتية وقوّة الإيمان ومخافة الله تعالى في نفوسهم. 

فالخلل التربوي والديني في الأسرة له دور كبير في تغلغل الإباحية بنفوس وعقول أبنائنا. 

 والسبب الآخر هو عدم دراية الأهل بما يلعبه أبناؤهم في الأجهزة الذكيّة وما يتابعونه على المنصّات المختلفة. 

ومن الأسباب كذلك ضعف التربية الجنسية ورغبة الإنسان بحبّ الاستكشاف والفضول أو بسبب الصحبة السيّئة التي تزيّن له الإباحية، أو بسبب التفكّك الأسري، فيكون اللجوء للاباحية هو الحلّ البديل عن احتضان الأسرة. 

كلّ هذه الأسباب تؤدّي لإدمان أبنائنا على الإباحية بشتّى صورها.

والإباحية لم تعصف بالصغار فقط بل حتّى الكبار، فكم من قضيّة عرضت عليّ من إدمان كبار السنّ على الإباحية، وحتّى المتزوّجين رجالا ونساء يبدأون بمشاهدة الإباحية من باب التسلية أو حبّ الإستطلاع أو إشباع الرغبة، ولكنّها تنتهي بالإدمان الذي يعطّل الإنسان عن التفكير والإنتاج والعمل.

وختاما فإنّ هناك حلولا كثيرة لحماية أنفسنا وأبنائنا من الإباحية، منها: أهمّ حلّ لوعي بالمشكلة وعدم تجاهلها أو تهميشها، ثمّ الحوار مع من يشاهد الإباحية حتّى نعرف السبب، ثمّ نعالج المشكلة، ووضع ضوابط وموانع على الأجهزة التي تبثّ البرامج الإباحية، ولا نغفل عن تقوية الجانب الإيماني وقوّة الإرتباط بالله تعالى، وأخيرا تشجيع من يقع بمعصية الإباحية بالتوبة والإستغفار، فالله يقبل توبة التائب إذا كان مخلصا وعزم على عدم تكرارها.

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.