يبيّن الدكتور و الخبير التربوي جاسم المطوع أهمّية البنات بالنسبة للوالد في الدنيا و الآخرة في مقال تحت عنوان “أبو البنات غيّر رأيه بالبنات.

قال: أنا حزين لأنّ الله لم يرزقني إلا البنات وأنا أتمنّى ولد ذكر حتى يحمل اسمي، هذا ما قاله من جلس بقربي في الطائرة، فقلت له: مبروك عليك الجنة، ومبروك عليك بأن تحشر مع النبيّ الكريم، ومبروك عليك كذلك ببعدك عن النار، فنظر إليّ مستغربا وهو متفاجئ من ردّة فعلي على حزنه، وقال: أنا أعبّر لك عن حزني وأنت تعبّر لي عن فرحك بأنّ الله حرمني من الذكور ورزقني البنات ؟

قلت له: قبل أن أجيبك على سؤالك أقول لك مبروك كذلك عليك لأنّك من “الصنف الأوّل”، فقال: لابدّ أن تشرح لي هذه الألغاز التي تقولها. 

قلت له: أمّا الصنف الأوّل فهي كلمة شيخنا عليّ الطنطاوي رحمه الله، لأنّه لم يرزق أولادا ذكورا، وإنّما رزق بخمس بنات وكان كلّما سئل: ما عندك من الأولاد ؟ كان يجيب أنا من الصنف الأوّل لأنّ الله تعالى قال: “يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور..”.

 فقدّم الله ذكر الإناث على الذكور وهذا معنى الصنف الأوّل.

فابتسم وقال: والله إنّك شجّعتني بهذه الكلمة، قلت له: وأشجّعك أكثر عندما تعلم أنّك مثل نبيّين من الأنبياء لم يرزقا إلا بالإناث فهل تعرفهم ؟ 

فكّر قليلا ثمّ قال: لا أعرف من تقصد، قلت له: نبيّ الله لوط عليه السلام رزق بأربع بنات، ونبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لم يرزق إلا بالبنات، فقد توفّي الذكور وهم صغار وبقي معه أربع بنات. 

ولهذا لمّا ولد للإمام أحمد بن حنبل بنت قال: الأنبياء آباء البنات.

قال: لقد بثثت الأمل في نفسي ولكن لماذا باركت لي في بداية حديثنا وبشّرتني بدخول الجنّة وبعدي عن النار بسبب البنات ؟ 

قلت: إنّ دخولك للجنّة وبعدك عن النار ومرافقة النبيّ الكريم يوم القيامة مرتبط بأربعة شروط لابدّ أن تحقّقها ببناتك، قال: وما هي هذه الشروط ؟ 

قلت: الأوّل أن تحسن إليهنّ والثاني أن تأويهنّ والثالث أن تكفيهنّ والرابع أن ترحمهنّ.

 قال: ومن أين أتيت بهذا الكلام وهذه الشروط ؟ قلت: من ثلاثة أحاديث نبوية مدح فيها النبيّ الكريم من رزق البنات، قال: أذكرها لي.

قلت: الحديث الأوّل ثوابه أنّ البنات من أسباب منع دخولك النار، فقد قال رسول الله: من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهنّ كُنّ له ستراً من النار. 

والحديث الثاني يفيد أنّ البنات من أسباب أن تحشر مع النبيّ الكريم لقوله عليه السلام “من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضمّ أصابعه”. 

والحديث الثالث أنّ البنات من أسباب وجوب دخول الجنّة لقوله عليه السلام “من كان له ثلاث بنات يُؤويهنّ ويكفيهنّ ويرحمهنّ فقد وجبت له الجنّة البتّة، فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين”.

قال: أحاديث جميلة وتبثّ الأمل في النفس وأتمنّى لو أعلقّها عندي بصالة المنزل حتى تسعد زوجتي كذلك بهذه البشارات، لأنّها هي حزينة كذلك مثلي، ولكنّك بهذه الكلمات جعلتني أحبّ بناتي أكثر، فابتسمت له وقلت: لعلّ السرّ وراء بشارات النبيّ في البنات لأنّ البنت تحتاج لرعاية خاصّة، فهي تختلف عن الصبيّ بقوّة عاطفتها ورقّتها وحساسيتها وتحبّ أن تدلّل وتدلّع نفسها، فتحتاج لصبر خاصّ ومعاملة خاصّة ومزاج خاصّ حتى تشعر بأهمّيتها فتسكن نفسها. 

وكذلك لأنّ العرب في الجاهلية كانوا لا يعطون للمرأة وزنا أو قيمة ويقولون “دفن البنات من المكرمات”، ويستخدمونها كسلعة يتكسّبون من ورائها، فجاء الإسلام ورفع من قيمتها وجعل المفاضلة بينها وبين الذكر بالتقوى لا بالجنس، ودعم رقيّها ورفعة مكانتها حتى صارت السيّدة عائشة رضي الله عنها من الفقهاء والعلماء السبعة في المدينة المنوّرة. 

فالمرأة تسعد بتميّزها الاجتماعي والعلمي أكثر من سعادتها بالعمل والمال. 

فهي تحبّ أن تكون عالمة لا عاملة، وهناك فرق كبير بين الإثنين وإن كانت الحروف واحدة. 

وتشعر المرأة بالأمان عندما تركن لرجل يحميها ويدافع عنها ويقف بجانبها، ولهذا هي تلتصق بأبيها دائما وكما قيل “كلّ فتاة بأبيها معجبة، فإذا خسرت أبيها أو توفيّ عنها شعرت بالنقص الكبير في حياتها وتتمنّى لو يعوّضها زوجها ذلك النقص وإلا فإنّها ستستمرّ في البحث عمّن يسدّ نقصها.

كما أنّ المرأة هي مصنع الحبّ وإشاعته، ومجتمع أو بيت بلا حبّ يصبح ميّتا. 

فالمرأة هي المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يعطي حبّا من غير مقابل، وهو ما يسمّى بالحبّ الأمومي، فلا تضع شرطا للحبّ. 

وهذا الحبّ هو الذي يجعل الإنسان مستقرّا ومعطاء. 

فحبّ المرأة لا يساويه حبّ في العالم ولهذا قال عليه السلام: الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة”.

قال: هذه لفتة مهمّة وجميلة، قلت ولهذا لابدّ أن نهتمّ بالبنات اجتماعيا وتربويا وصحّيا وشرعيا و رياضيا وترفيهيا لأنّهنّ نبض المجتمع ولا نستغرب مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للحبّ الأمومي لنساء قريش عندما قال: “إنّ خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده”.

 فميزة صالح نساء قريش “الحبّ والعطف والحنان” سواء على الولد أو الزوج، ووصلت الطائرة وانتهى الحديث مع أبو البنات.

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.