من يعرف قانون الشجرة لتربية الأبناء؟

أن تكون قصّة الشجرة التي أكل منها آدم وحوّاء هي أوّل قصّة في القرآن فهذا له معنى وهدف تربوي عظيم، خاصّة وأنّها ذكرت في بداية أطول سورة من القرآن وهي سورة البقرة.

 فقصّة الشجرة هي أوّل قصّة حدثت في تاريخ البشرية، وهي أوّل حدث أسري زوجي حصل في العالم، وتبيّن أوّل خطأ وذنب بشري حصل في التاريخ، وهي أوّل نشاط اجتماعي يشترك فيه الزوجان معا.

 وختاما لهذه المقدّمة نقول إنّ قانون الشجرة هو أوّل قانون تربوي تأديبي للإنسان المكلّف لحمل الرسالة بالأرض. 

فما هو قانون الشجرة ؟ وكيف نستثمره في تهذيب أنفسنا وتقويم سلوك أبنائنا ؟ 

سنجيب عن هذا السؤال من خلال طرح عشر فوائد تربوية من قانون الشجرة يمكننا استثمارها في تربية أبنائنا وهي على النحو التالي:

1. وضوح الأمر والتوجيه: فقد كان أمر الله لآدم واضحا بيّنا “وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة، وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة” فتمّ تحديد شجرة بعينها لا يأكل منها وهي “هذه الشجرة”، وسمح له الأكل من كلّ الأشجار.

2. نقدّم البديل عندما نمنع: وقد قدّم الله لآدم وزوجته البديل عندما قال لهما “وكلا منها رغدا حيث شئتما”، فكلّ ما في الجنّة يمكنهما الاستمتاع به عدا شجرة واحدة، فالبدائل كثيرة أمام الممنوع الواحد.

3. الحوار الهادئ مع المخطئ: وقد حاورهما الله بعد ارتكاب الخطأ بتذكيرهما بالأمر السابق “وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة، وأقل لكما إنّ الشيطان لكما عدو مبين”، حوار هادئ لا غضب فيه ولا عنف.

4. إعطاء المخطئ فرصة للاعتذار: فقد أعطى الله لهما فرصة ليعتذرا من الخطأ “قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين”.

5. الاستماع للمعتذر وقبول اعتذاره: قال تعالى “فتلقّى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنّه هو التوّاب الرحيم”، فلم يصرّ آدم على خطئه ولم يلقي اللوم على الشيطان الذي وسوس له، بل تحمّل كامل مسؤولية أخطائه فقبل الله اعتذاره وتاب عليه “ثمّ اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى”.

6. معرفة أسباب ارتكاب الخطأ: الشيطان هو السبب الرئيسي للخطأ، فقد وسوس لهما مستفيدا من شهوة النفس في الخلود والملك “فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى”، فاستجاب لخواطر الشيطان ووسوسته مع علمه أنّه عدوّ له، كما أنّه نسي أمر الله وتوجيهه بعدم الأكل من الشجرة، وخطأ الإنسان يقع عادة إمّا جهلا أو شهوة.

7. التأديب: بعد اعتراف المخطئ بخطئه وقبول الاعتذار يتمّ تأديب المخطئ “قال اهبطا منها جميعا”.

8. الحديث عن المستقبل بعد الخطأ: بعد وقوع الخطأ والانتهاء من العملية التربويّة تحدّث الله لهما عن المستقبل حول طاعة الرحمن وعصيان الشيطان فقال “بعضكم لبعض عدوّ فإمّا يأتينّكم منّي هدى فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى”، وكذلك بيّن لهما المستقبل حول الأرض بقوله “وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقرّ ومتاع إلى حين”.

9. تعلّم مهارة التعامل مع الدعاية الكاذبة: لأنّ الشيطان استخدم الدعاية الكاذبة لآدم وزوجته من خلال الوسواس وتزيين الخلد والملك والتلاعب بعقلهما وشهوتهما، ولكن انكشفت الحقيقة لهما بعد عصيان أمر الله من خلال كشف عورتهما “فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وعصى آدم ربّه فغوى”. 

وقد استخدم الشيطان الدعاية الكاذبة وأقنع آدم بأنّه سيكون ملكا، علما بأنّ آدم يعلم أنّه بشر، وقد أسجد الله له الملائكة فكيف يكون ملكا ؟ ولكنّه التأثر بدعاية الشيطان وحبائله.

10. التعرّف على الذات والاستفادة من الخبرات: تعلّم آدم من هذه التجربة حقائق كثيرة منها أنّ النفس تميل لاتّباع الشهوات، وأن ليس كلّ مخلوق طيّب وصادق وصالح “وقاسمهما إنّي لكما لمن الناصحين”، وأنّ الإنسان قد يظلم نفسه “قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا”، وأنّ الإنسان قد ينسي “ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما” لأنّ الله أخبره بأنّ إبليس عدوّ له قبل دخوله للجنّة “فقلنا يا آدم إنّ هذا عدوّ لك ولزوجك فلا يخرجنّكما من الجنّة فتشقى”، وأنّ الله يغفر ويرحم “ثمّ اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى”.

فهذا هو قانون الشجرة التربويّ والذي ينبغي أن نستثمره في تربية أنفسنا وتهذيب أبنائنا، فلا نعاقبهم إلا بعد التأكّد من وضوح الأمر لهم، ونسمح لهم بالتعبيرعن رأيهم، ونستمع لهم ونقبل اعتذارهم من غير غضب أو ضرب. 

ولا مانع من استخدام وسيلة التأديب مع بيان الحكمة من العقوبة وما الذي سيترتّب على الخطأ لو استمرّوا فيه، مع بقاء العلاقة مستمرّة وطيّبة معهم وإعلان قبول اعتذارهم.

 ولعلّ السؤال الذي يثار هو: لماذا لم يسامح الله آدم وزوجته ويبقيهما في الجنّة ؟. والجواب: لأنّهما خلقا للخلافة في الأرض، ولكن كان اختبار الشجرة في الجنّة عبارة عن تدريب عمليّ ميداني لمعرفة كيفية التعامل مع الذات ومع الله ومع الشيطان، ولتكون عبرة لذرّيته من بعده، فهذا امتحان بسيط من مادّة واحدة ولكنّه يكفي لتقديم منهج ورؤية للتعامل مع الحياة كلّها.

إذا لقد أجبنا هنا عن السؤال: من يعرف قانون الشجرة لتربية الأبناء؟ و شرحنا معناه.

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.