يتناول هنا الدكتور و الخبير التربوي جاسم المطوع موضوع متديّنون أخطأوا في تربية أبنائنا و يشرح سبب ذلك.

قال وبحسرة تعتصر قلبه والدموع تتحدّر من عينيه: أتمنّى أن أخشع في صلاتي وأن أبكي فيها مثل المصلّين الذين سمعت بكاءهم خلف الإمام في ليالي رمضان. 

ثمّ تابع حديثه قائلا: نحن ثلاثة إخوة في البيت وأنا أوسطهم وكان والدي يضربنا من أجل الصلاة وهو شديد علينا. 

وأذكر أنّه كان يوقظنا لصلاة الفجر بالضرب ونحن نيام، وكنّا نقوم من نومنا فزعين خائفين وكأنّنا في فيلم مرعب. 

نذهب معه لصلاة الفجر أنا وإخواني من غير وضوء خوفا منه، ومازلت حتى الآن عندما أذهب للصلاة أشعر بالكراهية من شدّة الضرب الذي تلقّيته من والدي .

وقصّة أخرى يقول لي صاحبها إنّ والده كان يناديه كلّ يوم ويأخذ هاتفه ليراقب ما فيه ويسأله هل فيه صور مخلّة بالأدب أو أفلام سيّئة. 

يقول وكنت أجيبه بأنّه لا يوجد وأنا صادق، ولكنّه لا يصدّقني ويفتّش هاتفي ويأخذه عنده ليراقبه. 

فلمّا رأيته يعاملني بهذه الطريقة صرت أهتمّ بالصور الخليعة والأفلام الجنسية الفاضحة عنادا منّي لا حبّا بهذه الأمور وبدأت أسلك سلوكا منحرفا ومازلت حتى هذه اللحظة .

وقصّة ثالثة لفتاة صارت تتواصل مع شباب تتبادل الصور والأفلام معهم من خلال الهاتف والنتّ، ولمّا سألتها عن السبب في ذلك، ردّت عليّ بقولها إنّ هذا التصرّف عبارة عن ردّة فعل لتصرّفات والدتها تجاهها، علما بأنّ أمّها متديّنة وتعطي دروسا ومواعظ دينية إلا أنّها دائمة التجسّس على كمبيوترها وجوّالها، ولا تثق بابنتها ولا تصدّق كلامها .

وقصّة رابعة لرجل تجاوز الثلاثين من عمره قال لي بحسرة: إنّي أدخّن بشراهة وذلك بسبب والدي، فاستغربت من كلامه وقلت له كيف ذلك ؟ 

فقال لي لمّا كنت صغيرا وكان عمري اثني عشر عاما كان عندي أصدقاء يدخّنون، وأنا أجلس معهم ولكنّي لا أدخّن ولا أحبّ التدخين، فلمّا أرجع إلى البيت يشمّ أبي رائحة الدخان في ملابسي فيضربني ضربا مبرّحا وينهاني عن التدخين، وأنا أقول له صدّقني أنا لا أدخّن ولكن أصدقائي يدخّنون، ولكنّه لا يصدّقني على الرغم من كثرة محاولاتي إقناعه، فاتّخذت قرارا بأن أبدأ بالتدخين طالما أنّي أضرب كلّ يوم ووالدي يستوي عنده الصدق والكذب، والآن تجاوز عمري الثلاثين عاما وأنا مستمرّ بالتدخين وأنا له كاره .

هذه نماذج عشتها وشاركت في علاجها ولم يحدّثني أحد بها، والقاسم المشترك فيها هو حرص الآباء على تربية الأبناء التربية الدينية، وهو هدف نبيل وجميل وكلّنا نتمنّاه وننشده إلا أنّهم استخدموا وسائل تربوية خاطئة بسبب جهلهم التربوي أو فقرهم لثقافة التدرّج والمرونة والصبر عند غرس القيم الدينية، وهذا خلاف المنهج النبوي القائل “إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق” ومتين أي واسع وقويّ وعميق.

وهذه المعاني تحتاج منّا عند غرسها في أبنائنا إلى رفق ولين وصبر، ولا ينفع معها الضرب والعنف والغلظة،

فليس الهدف أن نجعل أبناءنا يمارسون العبادات شكلا فقط، وإنّما المقصود أن يمارسوها بحبّ وشوق. 

ولهذا فإنّ أكبر تحدّ في التربية الدينية هي كيفية الجمع بين حرص أبنائنا على الصلاة والعبادات مع الحبّ لأدائها والمحافظة عليها، وهذا هدف يحتاج إلى فنّ ومهارة تربوية .

إنّ ما ذكرناه من قصص واقعية عن ضحايا للتربية الدينية الخاطئة متكرّرة في بيوت كثيرة، وأساس هذه النتائج السلبية هي التربية بمنهج “الغلظة” وهو ما حذّر منه الله تعالى رسوله الكريم في قوله “ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك” 

ولهذا نجد أبناءنا اليوم ينفضّون من حولنا، والكلّ ينادي ويصرخ : كيف نجعل أبنائنا يسمعون كلامنا أو يطيعون أوامرنا.

والجواب بسيط والمعادلة سهلة، وهي أن نعطيهم الأمن والأمان ولا نتجسّس عليهم ونعاملهم باحترام ورفق ونصدّقهم إذا تحدّثوا ونحسن حوارهم. 

ففي هذه الحالة يعطوننا الطاعة والاستجابة والإحترام، بينما لو عاملناهم بالغلظة والضرب فقد ننجح ونفرح باستقامتهم وصلاحهم المؤقّت ونحن نظنّ أنّه صلاح دائم، ولكنّنا نكون قد حطّمنا ذاتهم ودمّرنا سلوكهم وقيمهم من حيث لا نشعر ونظنّ أنّنا نحسن صنعا.

تناول إذا هنا الدكتور و الخبير التربوي جاسم المطوع موضوع متديّنون أخطأوا في تربية أبنائنا و شرح سبب ذلك.

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.