في هذه المقالة نعطي تحليل وتقويم للأسلوب التربوي السائد بشكل كبير في ممارسة الآباء و الأمّهات و بعض المربّين.
لماذا يلجأ الآباء للضرب؟
ينمو الطفل بسرعة كبيرة و ينمو معه العديد من السلوكيات التي تقتضيها مراحل النمو التي تبدو مزعجة للأسرة من مثل العناد وكثرة الحركة.
هذه السلوكيات لو نظرنا إليها من منظور علمي لوجدناها صفات إيجابية تدل على نمو الطفل السليم و على كونها بوادر ومقدمات لسلوكيات إيجابية تتشكل في بناء شخصية الطفل النامية.
و لذلك نتساءل حقاً: هل السلوك يحتاج إلى تدخل عنيف وعقاب بالضرب؟
هل وصل السلوك حداً يقتضي فعلاً أن نتدخل بالضرب؟
هل السلوك ضار للطفل ولخلقه ودينه؟ أم هو مزعج لراحتنا وهدوئنا؟
ضربوني وها أن ذا أضرب!
كثيرون يرددون باستمرار: لقد كان والداي يضربانني و ها أنذا سليم معافى! وهنا نقف وقفات حول هذا التبرير:
1. هل فعلاً نحن معافون؟
ما هي مقاييس التعافي و السلامة عندنا؟!
أليست كل الاضطرابات و اختلالات التوازن في الشخصية منتشرة؟
– – الإنطوائيون ممن لا يقدرون على مواجهة الناس كثيرون.. وممن لا يتفاعلون مع المجتمع أكثر.
– المترددون في اتخاذ أي قرار في حياتهم في ازدياد.
– المبدعون لا يكادون يذكرون.
– ما نسجّله كأمّة من براءة اختراع في سنة ونحن نعد بالملايين، تسجله بعض الدول المرتزقة ذات الأربعة أو الخمسة ملايين في أسبوع.
– الطموح وعلو الهمة تكاد تكون عملة نادرة في حياتنا.
– الإتقان و الإحسان صفتان نادرتان.
– احترام الوقت و المواعيد و الوفاء بالعهود أصبحت سمات للغرب، فأصبح الواحد منا يقول – لا شعورياً – لصاحبه: ( موعد غربي، و ليس عربي).
– أبناؤنا يقلدون كل من هبّ ودبّ، و انتقلت لنا كل أمراض الأمم ونحن من فتح الباب على مصراعيه داخل أسرنا.
لهذا فنحن المسؤولون وتربيتنا الأولى مسؤولة إلى حد كبير.
2. هل ننقل اضطهادنا الطفولي لأبنائنا؟
هناك نسبة قليلة ممن عانت اضطهاداً طفولياً و تحاول بشكل أو بآخر نقل هذا الاضطهاد لأبنائها بوعيٍ منها أو دون وعي.
فلنحذر أن تكون التربية السلبية التي عادة ما يكون البعض قد خضع لها و تأثر بها دافعاً لممارسة و ارتكاب الأخطاء نفسها مع الأبناء.
3. كيف كان شعورك يومها؟
لقد تعرّض البعض للضرب المبرح وهو طفل صغير، و هو الآن يردد ذلك و يبرر به لجوءه للأسلوب نفسه مع أبنائه.
ونتساءل معاً:
ماذا كان شعورك يومها وأنت طفل تضرب؟
ماذا كان تصورك تجاه من يضربك يومها؟
سوف نفاجأ بالإجابات التي تؤكد كل معاني الكره و الشعور بانعدام المحبة.
و نفاجأ كذلك بإجابات المنحرفين وبعض المدمنين بأن أحد أسباب انحرافهم قساوة الآباء، و المبالغة في العقاب والضرب.
انتبه! الحذر خير من الندامة!
دماغ الأطفال سريع التأثر بالتعامل العنيف.
كشفت دراسة طبيّة أن عدد الأطفال و الرضّع الذين تلحق بهم إصابات بسبب الأبوين يزيد على ما كان معتقداً.
و تعتقد الدراسة أن هذا الشكل من إساءة التعامل مع الأطفال ترتفع نسبته باستمرار، ربما بسبب تدني قدرة الآباء والأمهات على تربية الأطفال.
و تشير إلى أن الأعراض التي يطلق عليها أعراض الإصابات الناتجة من هز الأطفال بعنف ناتجة غالباً من نقص الخبرة في التعامل معهم برفق.
و عادة ما يضع الأطباء البريطانيون العاملون في أقسام الطوارئ بالبال أن الأطفال الذين يأتون لتلك الأقسام بنزيف في الدماغ ربما تعرضوا لتعامل عنيف.
– إصابات خطيرة:
و يشير الإحصاء الوارد في الدراسة إلى أن أربعة وعشرين طفلاً من كل مئة ألف يعانون من مثل تلك الإصابات.
و صرّح الدكتور روبرت مينز الذي قاد فريق البحث بأن الإصابات المقصودة إصابات في منتهى الخطورة تلحق بالدماغ.
و أعرب عن خشيته من زيادة تلك الإصابات بمرور الزمن وقال: إن الأسباب في ذلك قد تعود إلى أن الآباء يفتقرون حالياً لخبرات معينة منها معرفة كيفية التعامل مع طفل يبكي باستمرار.
ويضيف الدكتور روبرت: إن توفير مثل تلك المعلومات إلى الأزواج الذين ينتظرون ولادة طفلهم كفيل بالحد من تلك الإصابات.
و تعتقد جمعية مكافحة القسوة ضد الأطفال في بريطانيا أن هذا البحث يظهر الحاجة الملحة لتعزيز أشكال المساعدة للآباء والأمهات قبل ولادة الأطفال و بعدها.
وترى أن الأبوين يتعرضان إلى إجهاد لا يحتمل بسبب قلة النوم و بكاء طفلهما المستمر، لكن عليهما إدراك خطورة الهز العنيف للطفل الذي لا تزال أعضاؤه هشّة و ضعيفة.
راجع أحكامك!… قبل أن ترفع العصا
هل تعرف في وجه من ينبغي رفعها؟
و هل تدرك الأسباب و النتائج؟
كثير من الوالدين يتذمّرون..
ابني كثير الصراخ!
ابنتي تكذب!
ولدي يتنمّر في وجه أصدقائه!
ابنتي لا تتحلى بالحياء
وكثيرة هي المشكلات والآهات من الأبوين.
و لكن لنقف وقفة صريحة مع النفس، نعم وقفة صادقة.
اترك ما يفعلون و أجب عن سؤالي: من أين تعلم الأبناء؟ و من أين يكتسبون هذه الصفات؟
تقول الطبيبة منى البصيلي:
إن الطفل عجينة طيّعة في أيدينا تتشكّل و تتلوّن حسب الطريقة التي نعامله بها، بل إنه كالمرآة التي تعكس بأمانة ما يجري أمامه.
فالطفل العصبي تعلّم العصبية من أبويه، والطفلة التي يعلو صراخها اعتادت أذنيها على صراخ الأم، والطفل الذي يكذب تعلّم الكذب من أبيه أو أمه، والطفل الهادئ لا يسمع لوالديه صوتاً.
وهكذا علينا دائماً مراجعة أنفسنا وسلوكنا قبل أن نلقي اللوم على أبنائنا.
هل تذكر؟
كيف كان شعورك يومها وأنت طفل تتعرض لغضب أحد والديك؟!
لا شك أنك تتذكر أنك أحسست يومها بمزيج من المشاعر: خوف و رهبة، عناد و معارضة، مع شعورك بأنك مظلوم ولم يفهمك أحد.
قد تكون في هذه اللحظة التي تنتابك فيها مشاعر الخوف و الشعور بالظلم قد تعرضت للعقاب بالضرب. صفعة على الوجه أو ضرب على عضو من أعضاء جسمك.
!نضرب أم لا نضرب
صفع الطفل و العنف في معاملته كان و ما يزال يثير حساسية الكثير من الناس و ترفضه الأديان و المبادئ.
فسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم المليئة بالرحمة و مبادئ الحب و الاهتمام بالطفل ابناً كان أم حفيداً و أحاديثه الدالة على الرفق في معاملته ما هي إلا نوع من تقليص دور الشدة و العنف في علاقتنا مع الأطفال، ليحصرها الإسلام في حيز ضيق لمعالجة الحالات الشاذة و بشروط دقيقة تبدأ بأداء الدور التربوي و التعليمي باعتباره واجباً و مسؤولية على عاتق الآباء و الأمهات يحاسبون عليه في الدنيا قبل الآخرة.
لماذا تعاقب بالضرب؟
هل فعلاً حين يلجأ المربي للضرب يعتقد أنه يفعل هذا بدافع التأديب والحرص على مصلحة الطفل واستقامته؟
أم إن اللجوء إلى الضرب هو في الحقيقة نوع من إفراز التوتر لدى الكبار حين يعجزون عن إفرازه بشكل سليم ونافع؟…
أم هو نوع من الانتقام من طفل خرج عن المألوف و المطلوب منه و حاد عن طريق رسمناه له؟
ابحث عن الدافع الحقيقي للضرب:
مهم جداً أن يكون الدافع الحقيقي لعقاب الطفل واضحاً لأنه بشكل أو بآخر يتحكم في النتائج المرجوة من ورائه.
و لذلك سأضع لائحة من السلوكيات المزعجة لأطفالنا لنختبر دوافعنا:
– الطفل كثير الحركة بالبيت ولا يهدأ.
– طفلك يقف أمام جهاز التلفاز و يحول بينك و بين متابعة برنامجك المفضّل.
– يسحب نظارتك ليتلمسها و يحاول تقليدك بارتدائها.
– الطفل يقفز من ركن لركن و من سرير نومه للأرض.
– طفلك يسكب حبراً على ثوبك…
يمكن أن أضيف لائحة بمئات من السلوكيات اليومية التي يلجأ إليها الأطفال بتلقائيتهم المعتادة.
و أعتقد أن كل أب و أم بإمكانهما أن يضيفا لائحة طويلة من سجل ذكرياتهما الطفولية.
إن التربية الإيجابية تقتضي أن ندع جانباً أسلوب العقاب بالضرب لإصلاح مثل هذه السلوكيات المزعجة أو تعديلها بحثاً عن أساليب ناجحة وأكثر تأثيراً على سلوك الطفل.
و تقتضي كذلك التجرد من الاستجابة لإثارة الطفل و التجاوب السلبي مع وسائله المزعجة.
عندما يحين وقت إنزال العقاب:
بماذا تشعر حقيقة أثناء بدئك إنزال العقاب على ابنك!
بم تفكر و أنت تقرر اللجوء إلى الضرب بدل أسلوب الحوار الهادئ؟
لا شك أن هنالك العديد من المشاعر و الأحاسيس و الأفكار تنتابك و أنت مقبل على ممارسة العقاب بالضرب.
فلننظر معاً ماذا ينطبق من هذه اللائحة على شخصيتك:
أ- الإحساس الخارجي:
1. تزداد ضربات قلبك.
2. تزداد سرعة إيقاع تنفسك.
3. تدفق كمية أكبر من الدم إلى الرأس.
4. تعرّق و حكة براحة اليد وأسفل القدم.
5. شدّ بالفكّ.
6. شدّ عضلي بالمعدة.
7. شدّ عضلي عام.
8. حكة بالعينين.
9. انغلاق الشفتين وأحياناً تعرف ارتعاشاً.
10. صفير بالأذنين، طنين متواصل بالرأس، تصاعد إفراز الأدرينالين.
11. الوقت كأنه متوقف أو يمر بسرعة غير عادية تفقد التحكم والسيطرة.
12. عدم إدراك ما يحيط بنا، و تركيز كلّ الانتباه على الطفل (المزعج).
13. الإحساس بضربات النبض، وسرعة التهيج و الانفعال و استجابة سريعة للاستفزاز و الإثارة.
ب- الأفكار:
1. لا أتحمل فوق هذا.
2. سأنفجر أو أجنّ!
3. لن ينقذك أحد مني اليوم!
4. يا له من شيطان، شقيّ.
5. أتمنى أن أتخلص منك ومن سلوكك.
6. الآن انتهى الصبر و نفد!
7. لقد تجاوزت الحدود كلها.
ج- المشاعر الداخلية:
1. عدم القدرة على التحمل.
2. العجز عن مواجهة الأحداث و فقد القدرة على التحكم والسيطرة.
3. الانتقام و الرغبة في المعاقبة.
4. غضب وتوتّر.
5. ضغوط نفسيّة.
6. تجهّم و عبوس.
7. يأس و تشاؤم.
8. اهتياج.
9. ذعرٌ من فقد السلطة و اندفاعٌ لإثباتها.
بماذا تشعر وقد انتهيت من عملية العقاب بالضرب ؟
بعد هذا التفاعل الحسي و العاطفي و سلسلة الأفكار المرافقة، ماذا يحدث؟!
الانفجار بلا شك هو نتيجة حتمية لهذا التفاعل حيث تقرر أن تلجأ للضرب بدل الحوار. الانفجار ينقلب ضرباً و صفعات و رمياً بالأشياء…
ثم ماذا بعد الانفجار؟
الحالة النفسية بعد الانتهاء من العقاب يمكن أن تكون بشكل أو بآخر على النحو التالي:
أ- على المستوى الحسي:
1. الانتهاء من إفراز التوتر و تراجع إفراز الأدرينالين.
2. هدوء في ضربات القلب والنبض وانتهاء حالة التعرق.
3. استرجاع الانتباه بشكل أكبر للمحيط.
4. ارتخاء عضلي و استرخاء.
ب- على مستوى الأفكار:
1. يا رب! يا ليتني لم أفعل.
2. هذا يفيده مستقبلاً.
3. أتمنى أن لا يكون قد رآني أحد وأنا في هذه الحالة.
4. لا يهم، و لو رأوني!
5. يمكن أن يكون قد تعرض لإصابة ما؟
6. هل سيبقى أثر الضرب واضحاً؟
7. أي (أب) كان سيلجأ للسلوك نفسه.
ج- على مستوى المشاعر:
1. ارتياح.
2. خجل أو شعور بالذنب.
3. يأس و تشاؤم.
4. حبّ متجدّد.
5. انتقام متأجّج.
لماذا هذه اللوائح الطويلة ؟
هل تنطبق عليك هذه اللوائح؟
لا شك في أن بعضها على الأقل ينطبق على كل من يلجأ إلى ضرب أبنائه طمعاً في تعديل سلوكهم وإكسابهم السلوك السوي.
لا شك أنك في كثير من الأحيان لا تكادُ تعرف نفسك في حالة الاهتياج والغضب، و لكن تحاول تهدئتها وأنت توحي لنفسك أنك لست وحدك من يفعل هذا، و أنك رأيت و تعرّضت للحالة نفسها وأنت طفل، و أنّ هناك أقوالاً مأثورة تحث على استعمال العصا (متناسياً أحياناً وضع هذه الأقوال في سياقها السليم).
الدكتور مصطفى أبو سعد لصيد الفوائد