إن عدم المرونة هي سبب فشلنا في تربية أبنائنا. 

أكثر حالات الفشل التربوي التي رأيتها تكون بسبب عدم مرونة الوالدين في تربية أبنائهم، وأكثر حالات التمرّد والعناد عند الأبناء تكون بسبب عدم مرونة الوالدين، فإذا أردت أن تنجح في تربية ابنك وتحقّق أهدافك التربوية عليك أن تمتلك المرونة التربوية، فإذا كنت مرنا تعلّم طفلك منك المرونة، وقتها تستطيع أن تحقّق كلّ ما تتمنّاه من قيم ومبادئ ومفاهيم لطفلك.

فالطفل من عمر 2-6 سنوات يحاول أن يحصل على كلّ ما يطلبه، كما يراه هو و بالطريقة التي تناسبه، وبهذا العمر لا يملك مهارة المرونة أو التفاوض إلّا لو تمّ تعليمه، فمثلا عندما يرفض تناول الطعام ففي مثل هذه الحالة لا بدّ من تجزئة الهدف فنقول له تناول خمس لقمات ثمّ اذهب للعب، بهذا الأسلوب يتعلّم الطفل مهارة أنصاف الحلول، فيعرف أنّ الحياة ليست ملكا له ولا يستطيع أن يتحكّم بها، وقد ينجح الوالدان في استجابة الطفل لهما أو يفشلا، لكنّهما يكونا قد نجحا في تربيته على المرونة وهذا هو الأهمّ.

أمّا الطفل من عمر 7-11 سنة، يستطيع الطفل بهذا العمر أن يفهم أنّ التعايش مع الآخرين هو أخذ وعطاء، فلكي يأخذ شيء يريده يجب أن يعطي شيء بمقابله، وهذه هي سنّة الحياة، فمثلا نعلّمه التفاوض مع البائع على السعر حتّى يصل لسعر مقبول يرضي الطرفين، وكذلك نعلّمه أن يكون عنده روح رياضية في التعامل مع الآخرين ليكسبهم من خلال مهارة المرونة، وأكثر ما يأثّر بالأبناء أنّهم يرون الوالدين نموذج في المرونة، فيتعلّمون من سلوكهما وأفعالهما أكثر من نصيحتهما الكلامية.

أمّا الطفل من عمر 11-15 سنة، فهذه المرحلة تحتاج لتعامل خاصّ، وربما يدخل الوالدان بصراع مع أبنائهم المراهقين إذا لم يستخدما أسلوب الحوار والتفاوض والمرونة أثناء الحوار معهم، وفي بعض الحالات يتّخذ الأبناء قرار بعدم الحديث مع الوالدين بسبب عدم تفهّمهما  ومرونتهما أثناء الحوار، ولهذا يفضّل أن يعطي الوالدان للأبناء بهذا العمر مساحة للمشاركة في قوانين الأسرة حتّى يتحمّسوا لتطبيقها، مع وجود قوانين صارمة من قبل الوالدين في شأن الصلاة أو التدخين أو مصادقة المنحرفين سلوكيّا وهكذا.

إنّ من فوائد التربية على المرونة تضييق مساحة الخلاف بين الوالدين والأبناء، والتعرّف على ما يريده الأبناء وما يرغبون به، ورفع مستوى العلاقة بين الوالدين والأبناء وكذلك رفع مستوى مصارحة الثقة بينهم. 

وبالمناسبة فإنّ الأطفال يفرحون بالتفاوض والمرونة لأنّهم يشعرون بأنّهم محترمين وأنّ رأيهم مسموع، أمّا لو كان الآباء متسلّطون أو يعتمدون على أسلوب التربية بالأوامر والصراخ، فإنّهم قطعا سيخسرون أبنائهم.

فالطفل الذي يتربّى على المرونة فإنّه يتربّى على الخيارات في حلّ المشاكل وتحقيق الرغبات. 

فإذا شارك الطفل في القرار فإنّه سيكون سعيدا و يشعر بالاحترام. 

فلو رفض الإلتزام بوقت النوم مثلا فنعطيه ثلاث خيارات يختار أحدها، فيشعر بالنصر وبنفس الوقت نفّذ ما نريده نحن من غير أن ندخل معه في أسلوب الإجبار، وغالبا الطفل يقتنع إذا تمّ التفاوض معه أو التعامل معه بمرونة.

والمرونة في تربية الطفل لا تعني أنّ طفلك يغلبك ويحقّق كلّ ما يريده، فإنّ هذه ليست مرونة، وإنّما المرونة تكون بتحقيق طفلك ما تريده أنت، ولكن بالطريقة والأسلوب الذي يختاره هو. 

ولا بأس أحيانا أن تشعره بأنّه أقنعك برأيه وتستجيب له، لأنّ هذه من المرونة، وإذا رفض ابنك أو عاند لا تغضب وابتعد قليلا، ثمّ ارجع وأكمل الحوار معه، ولا مانع من فرض رأيك في بعض الأحيان.   

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.