يعطي هنا الخبير التربوي الدكتور جاسم المطوع خمسة حلول للتناقض التربوي بين الوالدين و التي تسهم في إيجاد جوّ عائلي هادئ.

في كثير من الأحيان تقول الأمّ لطفلها ” نعم ” ويقول الأب  ” لا ” أو العكس وهذا الإختلاف في التربية متكرّر في كلّ بيت، ويزداد الخلاف أكثر كلّما كان الزوجان من بيئتين مختلفتين أو من مذهبين مختلفين. 

وقد جاءتني زوجة تشتكى من زوجها الذي لا يحترم ولا يقدّر قراراتها التربوية أمام أبنائها، فقلت لها:  لا بدّ من عمل نظام تربوي يحفظ علاقتكما الزوجية ويحقّق لكما التناغم التربوي، فقالت: وكيف ذاك ؟

قلت أوّلا: لنتّفق أنّه ليس كلّ اختلاف بينكما أمام الأبناء فهو سيّئ وإنّما هناك” اختلاف صحّي ” لأنّ الأبناء يتعلّمون منه اختلاف الشخصيات وموازنة الآراء والذكاء في التعامل مع المختلفين وكيفية التوفيق بين الآراء المتضاربة وهذه مهارات جيّدة.

 أمّا الاختلاف الثاني: وهو ” السلبيّ ” فهو الاختلاف الذي لا أساس له أو منطق، وإنّما يكون بهدف الانتقام أو فرض الرأي أو تحقيق مبدأ  ” أنا هنا ” أو العناد و يصاحبه الصراخ والتهديد والشتم. 

فهذا الاختلاف نتائجه السلبية كبيرة على الأبناء ومنها: الازدواجية في شخصية الأبناء، وعدم معرفة الصواب من الخطأ، وضعف الثقة بالنفس، وزيادة الخوف والقلق، وتحطيم القدوة الوالديّة، والتربية على الكذب والاحتيال.

ولا يظهر التناقض التربويّ عادة إذا كان عمر الأطفال أقلّ من سبع سنوات، ولكن الخلاف يظهر بعد هذا العمر أو في سنّ المراهقة. 

ودافع الأمّ في قراراتها أنّها ترجّح جانب ” الحماية والخوف ” بينما الأب يرجّح ” التشجيع والإقدام والمبادرة “. 

ففي هذه الحالة يمكن للأمّ أن تفوّض أمر التربية للأب حتى يأخذ فرصته التربويّة كما أخذت هي فرصتها عندما كانوا صغارا.

 السفر مع الأصدقاء أو في طريقة اللباس أو الطعام فكيف نتصرّف بهذه الحالة إذا تمسّك أحدهما برأيه ؟

قلت: قبل أن نعرض الحلول لهذه المشكلة لا بدّ أن نفرّق بين الخلاف ” الدينيّ أو الدنيويّ ” لأنّ القاعدة التربويّة تقول إنّه يجب الاتّفاق بين الوالدين في الأمور الدينيّة للحفاظ على استقامة الأبناء وصلاحهم، أمّا الأمور الدنيويّة فالخلاف فيها أمر طبيعيّ. 

والأفضل أن يتمّ النقاش بين الوالدين بعيدا عن الأبناء حتى يصلا لحلّ يتّفقا عليه ثمّ يعلنا القرار لهما، وهذا الحلّ المثاليّ للمشكلة ولكن لو لم يحدث هذا الإجراء وكان الاختلاف أمام الأبناء ففي هذه الحالة نقدّم خمسة حلول ذكيّة:

أوّلا:  أن يتنازل أحدهما ويمرّر الرأي الآخر ولو كان خطأ لأنّ تقديم سلامة الأبناء تربويّا أفضل من إقامة معركة بين الوالدين تؤثّر على صحّتهم النفسية، وخاصّة الخلاف في المسائل الذوقية أو الدنيويّة كالاختلاف في ساعة النوم أو اللعب أو طبيعة الأكل، ولكن بعد انتهاء الأمر يفتح الموضوع بين الوالدين فقط للوصول إلى اتّفاق مستقبليّ حتى لا يتكرّر الخلاف العلنيّ.

ثانيا : أن يظهر أحد الطرفين التنازل من أجل الآخر وفي ذلك تربية جميلة للأبناء 

فتقول الأمّ ”  أنا موافقة من أجل أبيكم ”  أو هو يقول ” وأنا مع رأي أمّكم وإن كان رأيي خلاف ذلك ” وهذه مبادرة جميلة.

ثالثا : أن يقول أحد الوالدين سنخبركم بالقرار بعد التشاور ويطلب مهلة للنقاش والحوار وعدم الاستعجال في اتّخاذ القرار.

رابعا : استخدام الذكاء والأسلوب غير المباشر لعلاج المشكلة، وأضرب لذلك مثالا:

 فقد حدّثتني زوجة وهي معلّمة أنّها عالجت هذه المشكلة من خلال عرض مشاكل الطالبات على زوجها وأخذ رأيه، ثمّ تقول له في اليوم الثاني إنّ رأيه كان حكيما وصائبا، فصار زوجها بعد فترة يحترمها ويحترم قراراتها التربوية مع أبنائها علما بأنّه كان لا يعطي لها أيّ اعتبار في السابق..

فهذه خمسة حلول مفيدة ومجرّبة لعلاج مشكلة التناقض التربويّ، ولكن المشكلة تكون أكبر لو كان أحد الوالدين هو نفسه يقول ” لا ” ثمّ بعد أيّام يقول  ” نعم “لنفس العمل، أو يقول ” لا ” لأحد الأبناء و” نعم”  لأخيه ففي هذا إسهام في تدمير الأبناء. 

فلنحرص على” التناغم التربويّ ” ونعمل بمنهج ” تعالوا “

فقد أمرنا الله أن نقولها لأهل الكتاب ” قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئًا  “. 

فمنهج ” تعالوا “مطلوب مع أهل الكتاب، أليس من الأولى أن نعمل بها بين زوجين مسلمين من أجل أن يتّفقا ويتجاوزا التناقض التربويّ ؟

بقلم د. جاسم المطوع

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.