نتناول في مقالنا اليوم أهمّية اللعب الحرّ والتطوّر الاجتماعي والإدراكي لدى الأطفال.

يمثل اللعب الحرّ الإبداعي عنصرا أساسيّا للتطوّر الاجتماعي والعاطفي والإدراكي الطبيعي، إذ إنّه يجعل الإنسان أكثر ذكاء وقدرة على التكيّف وأقلّ توتّرا.

أطلق العنان لطفلك و اجعله يمرح كيفما شاء:

اللعب في الطفولة هو عامل أساسي وضروري للتطوّر الاجتماعي والعاطفي والإدراكي.

يمثل اللعب الحرّ الإبداعي و المفعم بالنشاط، في مقابل الألعاب المحدّدة أو الأنشطة المنظّمة، أكثر أنواع الألعاب أهميّة.

الأطفال الذين لا يلعبون في صغرهم قد يصبحون في كبرهم شخصيّات مضطربة وغير قادرة على الانسجام في المجتمع.

تشير البيانات التي توصّل إليها الباحثون إلى أنّ عدم وجود فرص للّعب الإبداعي غير المنظّم يمكن أن يحول دون نموّ الأطفال كأشخاص بالغين سعداء في حياتهم ويتمتّعون بالاتّزان النفسي والعاطفي.

يمثّل اللعب الحرّ، كما يطلق عليه العلماء، عنصرا أساسيّا وضروريّا حتى يكبر الطفل ويصبح ماهرا اجتماعيّا وقادرا على التكيّف مع الضغوط، وحتى ينجح في تطوير المهارات الإدراكية مثل القدرة على حلّ المشكلات.

ويتّفق معظم علماء النفس على أنّ اللعب له فوائد تستمرّ حتى الكبر، ولكنّهم لا يتّفقون دائما حول مدى الضرر الذي قد يسبّبه الحرمان من اللعب، خصوصا وأنّ عددا قليلا من الأطفال في الماضي كان يكبرون دون أن ينالوا قسطا وفيرا من المرح واللعب.

ولكن اليوم، ربما يفقد اللعب الحرّ مكانته بوصفه إحدى الدعامات الأساسية لفترة الصبا. 

فقد أصبح الآباء، الذين يشغل اهتمامهم أن يؤهّلوا أبناءهم للالتحاق بأبرز المدارس و الكلّيّات، يضحّون بأوقات اللعب لصالح الأنشطة المنظّمة.

وفي وقت مبكّر، في مرحلة رياض الأطفال، أصبح وقت الأطفال يمتلئ بالرياضة، ممّا يقلّل الوقت المخصّص للأنشطة الإبداعية و المليئة بالحركة والنشاط التي تعزّز مهارات الإبداع والتعاون.

إنّ الطفولة التي تشهد حرمانا من اللعب تخلّ بالتطوّر الاجتماعي والعاطفي والإدراكي الطبيعي لدى البشر.

وقد ساور القلق مجموعة من علماء النفس من أنّ الحدّ من اللعب الحرّ لدى الأطفال ربما يؤدّي إلى ميلاد جيل من البالغين التعساء المضطربين غير الأسوياء اجتماعيّا.

أن يحيا المرء حياة فيها حرمان من اللعب له عواقب وخيمة، غير أنّه يمكن علاج هذه المشكلة. 

فاللعب أيضا يعزّز الصحّة والسعادة الذهنية والجسدية لدى الكبار.

أهمّيّة الحريّة:

إنّ الألعاب التي لها قواعد لا شكّ أنّها ممتعة وتعدّ مصدرا لتجارب التعلّم، وربما تعزّز المهارات الاجتماعية على نحو أفضل، وتساعد على تماسك المجموعات وتوطيد العلاقات بينها، ولكن هذه الألعاب لها قواعد محدّدة مسبقا يجب على من يمارسها اتّباعها. 

إنّ اللعب ليس له قواعد مسبقة، ومن ثمّ فإنّه يتيح ردود أفعال أكثر إبداعا.

في اللعب الحرّ، يبتكر الأطفال أنشطة وأدوارا جديدة، ربما يتضمّن بعض الألعاب الخيالية، مثل تمثيل الولد أنّه طبيب أو الفتاة أنّها أميرة.

تطوّر المهارات الاجتماعية:

كيف يكون لهذه الأنشطة التي تبدو بلا هدف فوائد للأطفال؟ 

ربما يكون الجانب الأكثر أهمّيّة أنّ اللعب كما يبدو يساعدنا على تطوير مهارات اجتماعية قويّة.

لا يكتسب المرء المهارات الاجتماعية من خلال نصائح المدرّسين حول السلوكيّات، وإنّما يتعلّم تلك المهارات من خلال التعامل مع أقرانه، ومعرفة الأمور المقبولة وغير المقبولة.

وأيضا نظرا لأنّ الأطفال يستمتعون بالنشاط، فإنّهم لا يستسلمون سريعا في مواجهة الإحباط مثلما قد يفعلون، على سبيل المثال، عند حلّ إحدى مسائل الرياضيّات، وهو ما يساعدهم على تطوير مهارات الإصرار والمثابرة.

ويتطلّب الحفاظ على العلاقات الوديّة بعض مهارات التواصل، والتي يقال إنّها أثمن المهارات الاجتماعية على الإطلاق.

واللعب مع الرفاق من الفئة العمرية نفسها هو الأهمّ في هذا السياق. 

فقد أوضحت الدراسات أنّ الأطفال يستخدمون لغة أكثر تعقيدا عندما يلعبون مع الأطفال الآخرين أكثر ممّا يفعلون في أثناء اللعب مع الكبار.

إذا كان اللعب يساعد الأطفال على أن يصبحوا اجتماعيّين، فلا بدّ وأنّ الحرمان من اللعب يعيق التطوّر الاجتماعي، وتشير الدراسات إلى أنّه يفعل ذلك حقّا. 

ارتداء الملابس وتمثيل أنّك شخص آخر هو نوع من اللعب الحرّ كما يطلق عليه علماء النفس، وهو ذلك المرح الإبداعي الذي لا يخضع لتعليمات، والذي يمثّل تحدّيا للدماغ في مرحلة النموّ.

وتدعم الدراسات فكرة أنّ الحرمان من اللعب يؤدّي إلى ضعف المهارات الاجتماعية.

فهل يمكن أن يتسبّب الحرمان من اللعب تحديدا في هذه المشكلات السلوكية، أم أنّ العزلة الاجتماعية بصفة عامّة هي المتّهم؟

تشير دراسة أخرى إلى أنّ اللعب يعزّز التطوّر العصبي في المناطق الدماغية الأكثر تطوّرا و المرتبطة بردود الأفعال العاطفية والتعلّم الاجتماعي.

إنّ اللعب هو الآلية الرئيسية التي تكتسب بها مناطق الدماغ العليا الميول الاجتماعية.

التخلّص من التوتّر:

تشير الأبحاث إلى أنّ اللعب أيضا هو أساسي للصحّة العاطفية، ربما لأنّه يساعد الأطفال على التغلّب على التوتّر والقلق.

الكثير من الأطفال، لا سيما الفتيان، يحبّون ألعاب الاشتباك والشجار المرح. 

وقد ثبت أنّ مثل هذه الألعاب العنيفة تحسّن من مستويات الإبداع والمهارات الاجتماعية والقدرة على حلّ المشكلات.

يرى الباحثون أنّه من خلال اللعب التخيّلي، والذي من الأسهل كثيرا أن يبدأ فيه الطفل وحده، يقوم الأطفال ببناء قصص خيالية تساعدهم على التكيّف مع المواقف الصعبة.

الطريق إلى التفوّق:

تخفيف حدّة التوتّر وبناء المهارات الاجتماعية قد يبدوان فوائد واضحة للعب، غير أنّ الأبحاث تشير إلى أنّه ثمّة تأثير ثالث غير متوقّع؛ فاللعب يجعل الأطفال أكثر ذكاء.

كلّما شارك الأطفال في مرحلة التعليم الابتدائي في ألعاب الاشتباك المرح، كانت نتائجهم أفضل في اختبار حلّ المشكلات الاجتماعية.

ماذا يفعل اللعب؟ هل هو طليعة تعلّم شيء ما، أي هل يسبق اللعب اكتساب هذا النوع من المهارات، أم أنّه مجرّد ممارسة أو تعزيز للمهارات التي تتطوّر بالفعل؟

إنّ اللعب يمكن ببساطة أن يكون علامة على التطوّر الصحّي، أو بدلا من ذلك، قد يكون أحد الأنشطة الكثيرة التي تحدث فارقا في الدماغ في مرحلة النموّ.

إذا، هل تعيق قلّة اللعب تطوير مهارات حلّ المشكلات؟ ربما، وذلك وفقا لدراسات.

لماذا يمكن أن يساعد اللعب الأطفال على التفوّق؟

يرى الباحثون أنّ اللعب يكون بمنزلة نوع من التدريب على الأمور غير المتوقّعة.

إنّ العامل الأساسي في الأمر أنّ اللعب يشجّع على المرونة والإبداع، والذي قد يكون في المستقبل له مميّزات في مواقف غير متوقّعة أو بيئات جديدة.

إنّ اللعب هو طريقة يتعلّم بها الأطفال، وفي غياب اللعب يفتقر الأطفال إلى تجارب تعليمية.

التحرّر من القيود:

إذا كان اللعب شديد الأهمّيّة بهذا الشكل، فماذا يحدث للأطفال الذين لا ينالون قسطا كافيا من اللعب؟ 

لا أحد يعلم في النهاية، غير أنّ القلق يساور الكثير من علماء النفس.

إنّ بعض الآباء والأمّهات قد يتردّدون أيضا في ترك أبنائهم وبناتهم يلعبون في الخارج دون رقابة، وربما يخشون أن يتعرّضوا للخدوش والإصابات وفي بعض الأحيان للكسور التي يتعرّض لها الأطفال في أثناء اللعب الجامح.

وعلى الرغم من أنّ هذه المشاعر الأبوية هي غريزية وطبيعية، فإنّ حماية الصغار تؤخّر هذا الأمر إلى وقت لاحق، حينما يجد أولئك الأطفال أنفسهم صعوبة في التعامل مع العالم المعقّد الذي يصعب توقّعه.

إنّ اللعب المحفوف بالمخاطر خارج المنزل، على سبيل المثال، تسلّق الأبنية المرتفعة في الملاعب، أو المشاركة في الاشتباك المرح، كان يرتبط بحالة صحّيّة أفضل، وليس أسوأ، بين الأطفال، كما أنّه ارتبط بقدر أكبر مع الإبداع والمرونة.

يتعيّن على الآباء أن يتركوا أطفالهم يتصرّفون ويمرحون كأطفال، ليس فقط لأنّه من الممتع أن تكون طفلا، ولكن أيضا لأنّ حرمان الأطفال من المرح المتحرّر من القيود يمنع الأطفال من التطوّر ليصبحوا كائنات مبدعة ومبتكرة ومحبّة للاستطلاع.

يجب إعادة تحديد إطار اللعب، وأن ينظر إليه لا على أنّه نقيض العمل، لكن على أنّه مكمّل له، فالفضول والخيال والإبداع مثل العضلات، إذا لم تستخدمها فإنّها تفقد قوّتها.

عمل دون مرح:

على الرغم من أنّ الباحثين عادة ما يؤكّدون على التأثير الإيجابي للعب على الدماغ في مرحلة النمو، فقد توصّلوا إلى أنّ اللعب مهمّ للكبار أيضا.

فمن دون اللعب، قد ينتهي الأمر بالكبار منهكين تماما من حياة الانشغال والعمل والارتباك التي ننهمك به جميعا.

فالكبار الذين لا يقضون بعض وقتهم في اللعب ربما ينتهي بهم الحال تعساء ومرهقين دون أن يفهموا السبب وراء ذلك.

لذا، كيف يمكن للكبار الاستمتاع بمزيد من اللعب في حياتهم؟ 

هناك ثلاث طرق لتحقيق ذلك:

1. اللعب الجسدي:

شارك في أحد الأنشطة الحركية و هي الأنشطة التي ليس فيها ضغوط مرتبطة بالوقت أو نتائج متوقّعة.

فإذا كنت تمارس الرياضة البدنية لحرق الدهون، فهذا ليس لعبا.

2. اللعب بالأشياء:

استخدم يديك لصناعة أشياء تستمتع بها و يمكن أن تكون أيّ شيء، ومرّة أخرى لا يجب أن يكون هناك هدف محدّد منها.

3. اللعب الاجتماعي:

انضمّ إلى مجموعة من الأشخاص في أنشطة اجتماعية و التي قد تبدو بلا هدف.

إذا كنت لا تزال لا تدري ماذا تفعل، حاول أن تتذكّر بماذا كنت تستمتع وأنت طفل. 

اعثر على شغفك الطفولي، وحاول أن تترجم هذه الذكريات إلى أنشطة تتناسب مع ظروفك الراهنة.

ربما يمكنك أن توقد شرارة ذاكرتك أفضل إذا ما قضيت بعض الوقت حول الأطفال.

في نهاية المطاف، ما يهمّ حقّا ليس كيف تلعب وإنّما حقيقة أنّك تلعب بالفعل. 

إنّ السعادة وتجدّد الطاقة الذي ستشعر به بعد اللعب سيعوّضك بأكثر من الوقت الذي قضيته في اللعب.

بقلم: ميليندا وينر موير.

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.