في مقالنا اليوم سنذكّركم و أولادكم بزوجات نبيّكم. إذا أيّها الآباء، عرّفوا أطفالكم بأمّهاتهم: أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. 

خديجة بنت خويلد: 

وأوّلهن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ بن كلاب، وتزوّجها صلّى الله عليه وسلّم بمكّة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وبقيت معه إلى أن أكرمه الله تعالى برسالته، فآمنت به ونصرته، فكانت له وزير صدق، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين في الأصحّ، وقيل: بأربع، وقيل: بخمس، ولها خصائص رضي الله عنها.

منها: أنّه لم يتزوّج عليها غيرها.

ومنها: أنّ أولاده كلّهم منها إلّا إبراهيم رضي الله عنه، فإنّه من سرّيّته مارية رضي الله عنها.

ومنها: أنّها خير نساء الأمّة.

واختلف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال، ثالثها الوقف.

وسألت شيخنا ابن تيمية رحمه الله فقال: اختصّ كلّ واحدة منهما بخاصّة، فخديجة كان تأثيرها في أوّل الإسلام، وكانت تسلّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتثبّته وتسكنّه، وتبذل دونه مالها، فأدركت غرّة الإسلام، واحتملت الأذى في الله، وفي رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت نصرتها للرسول صلّى الله عليه وسلّم في أعظم أوقات الحاجة، فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها.

وعائشة رضي الله عنها تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقّه في الدين، وتبليغه إلى الأمّة، وانتفاع بنيها بما أدّت إليهم من العلم ما ليس لغيرها، هذا معنى كلامه رضي الله عنه.

قلت: ومن خصائصها أيضا أنّ الله سبحانه بعث إليها السلام مع جبريل فبلّغها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى جبريل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

وهذه لعمر الله خاصّة لم تكن لسواها.

وأمّا عائشة رضي الله عنها، فإنّ جبرائيل سلّم عليها على لسان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما: يا عائش هذا جبرائيل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى، تريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ومن خصائص خديجة رضي الله عنها: أنّها لم تسؤه قطّ، ولم تغاضبه، ولم ينلها منه إيلاء ولا عتب قطّ، ولا هجر، وكفى به منقبة وفضيلة.

ومن خواصّها أنّها أوّل امرأة آمنت بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم من هذه الأمّة.

سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

فلمّا توفاها الله تزوّج بعدها سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وهي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ.

وكبرت عنده، وأراد طلاقها، فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها، فأمسكها، وهذا من خواصّها: أنّها آثرت بيومها حبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، تقرّبا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبّا له، و إيثارا لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه، ولا يقسم لها، وهي راضية بذلك مؤثرة لرضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رضي الله عنها.

عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها:

وتزوّج الصدّيقة بنت الصدّيق عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنها، وعن أبيها، وهي بنت ستّ سنين قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وبنى بها بالمدينة أوّل مقدمه في السنة الأولى، وهي بنت تسع سنين، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة، وتوفّيت بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وأوصت أن يصلّي عليها أبو هريرة رضي الله عنه سنة ثمان وخمسين.

ومن خصائصها: أنّها كانت أحبّ أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه، كما ثبت عنه ذلك في البخاري وغيره، وقد سئل: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. قيل: فمن الرجال؟ قال: أبوها.

ومن خصائصها أيضا: أنّه لم يتزوّج امرأة بكرا غيرها.

ومن خصائصها: أنّه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها.

ومن خصائصها: أنّ الله عز وجل لمّا أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال:

ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، فقالت: أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد الله ورسوله والدار الآخرة، فاستنّ بها بقيّة أزواجه صلّى الله عليه وسلّم، وقلن كما قالت.

ومن خصائصها: أنّ الله سبحانه وتعالى برّأها ممّا رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنّها من الطيّبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم، وأخبر سبحانه أنّ ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شرّا لها، ولا عائبا لها، ولا خافضا من شأنها، بل رفعها الله تعالى بذلك، وأعلى قدرها، وعظّم شأنها، وصار لها ذكرا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء، فيا لها من منقبة ما أجلّها.

وتأمّل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت:

ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم الله في بوحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رؤيا يبرّئني الله بها.

فهذه صدّيقة الأمّة، وأمّ المؤمنين، وحبّ رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم، تعلم أنّها بريئة مظلومة، وأنّ قاذفيها  ظالمون لها، مفترون عليها، قد بلغ أذاهم بها إلى أبويها، وإلى رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها، فما ظنّك بمن قد صام يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين، وقام ليلة أو ليلتين، وظهر عليه شيء من الأحوال، فلاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات والمكاشفات والمخاطبات والمنازلات وإجابة الدعوات، وأنّهم ممن يتبرّك بلقائهم، ويغتنم صالح دعائهم، وأنّهم يجب على الناس احترامهم، وتعظيمهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم؛ فيتمسّح بأثوابهم، ويقبل ثرى أعتابهم، وأنّهم من الله عزّ وجلّ بالمكانة التي ينتقم لهم لأجلها ممّن تنقّصهم في الحال، وأن يؤخذ ممّن  أساء الأدب عليهم من غير إمهال، وأنّ إساءة  الأدب عليهم ذنب لا يكفّره شيء إلّا رضاهم، ولو كان هذا من وراء كفاية لهان، ولكن من وراء تخلّف، وهذه الحماقات والرعونات نتائج الجهل الصميم، والعقل غير المستقيم، فإنّ ذلك إنّما يصدر من جاهل معجب بنفسه، غافل عن جرمه وذنوبه، مغترّ بإمهال الله تعالى له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والإزراء على من لعلّه عند الله تعالى خير منه.

نسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة.

وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما، وهو عند الله حقيرا.

ومن خصائصها رضي الله عنها: أن الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم كان إذا أشكل عليهم الأمر من الدين استفتوها، فيجدون علمه عندها.

ومن خصائصها رضي الله عنها: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفّي في بيتها، وفي يومها، وبين سحرها ونحرها، ودفن في بيتها.

ومن خصائصها رضي الله عنها: أنّ الملك أرى صورتها للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يتزوّجها في سرقة حرير، فقال: إن يكن هذا من عند الله يمضه.

ومن خصائصها رضي الله عنها: أنّ الناس كانوا يتحرّون بهداياهم يومها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تقرّبا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فيتحفونه بما يحبّ في منزل أحبّ نسائه إليه رضي الله عنهم أجمعين، وتكنّى أم عبد الله، وروي أنّها أسقطت من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سقطا، ولا يثبت ذلك.

حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها: 

وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة رضي الله عنه، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وممّن شهد بدرا، توفّيت سنة سبع، وقيل: ثمان وعشرين.

ومن خواصّها: ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم طلّقها، فأتاه جبريل فقال: إنّ الله يأمرك أن تراجع حفصة، فإنّها صوّامة قوّامة، وإنّها زوجتك في الجنة.

وروى الطبراني في المعجم الكبيرعن عقبة بن عامر أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم طلّق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بابن الخطاب بعد هذا، فنزل جبرائيل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر رضي الله تعالى عنه.

أمّ حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها:

وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة بنت صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة، فتنصّر بالحبشة، وأتمّ الله لها الإسلام، وتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عنه النجاشيّ أربعمائة دينار، وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أميّة الضمري فيها إلى أرض الحبشة، وولي نكاحها عثمان بن عفان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص.

وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، قال: وكان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبيّ  صلّى الله عليه وسلّم: ثلاث خلال أعطنيهنّ، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أمّ حبيبة بنت أبي سفيان أزوّجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمّرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم، قال أبو زميل: ولولا أنّه طلب ذلك من النبيّ  صلّى الله عليه وسلّم  ما أعطاه ذلك، لأنّه لم يكن يسأل شيئا إلّا قال: نعم.

وقد أشكل هذا الحديث على الناس: فإنّ أمّ حبيبة تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل إسلام أبي سفيان كما تقدّم، زوّجها إيّاه النجاشيّ، ثمّ قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يسلم أبوها، فكيف يقول بعد الفتح: أزوّجك أمّ حبيبة؟

فقالت طائفة: هذا الحديث كذب لا أصل له.

قال ابن حزم: كذبه عكرمة بن عمّار، وحمل عليه.

واستعظم ذلك آخرون، وقالوا: أنّى يكون في صحيح مسلم حديث موضوع، وإنّما وجه الحديث أنّه طلب من النبيّ  صلّى الله عليه وسلّم  أن يجدّد له العقد على ابنته ليبقى له بذلك  وجه بين المسلمين، وهذا ضعيف، فإنّ في الحديث أنّ النبيّ  صلّى الله عليه وسلّم  وعده، وهو الصادق الوعد  صلّى الله عليه وسلّم، ولم ينقل أحد قط أنّه جدّد العقد على أمّ حبيبة، ومثل هذا لو كان لنقل، ولو نقل واحد عن واحد، فحيث لم ينقله أحد قطّ علم أنّه لم يقع، ولم يزد القاضي عياض على استشكاله، فقال: والذي وقع في مسلم من هذا غريب جدّا عند أهل الخبر، وخبرها مع أبي سفيان عند وروده المدينة بسبب تجديد الصلح ودخوله عليها مشهور.

وقالت طائفة: ليس الحديث بباطل، وإنّما سأل أبو سفيان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يزوّجه ابنته الأخرى عزّة أخت أمّ حبيبة.

قالوا: ولا يبعد أن يخفى هذا على أبي سفيان لحداثة عهده بالإسلام، وقد خفي هذا على ابنته أمّ حبيبة، حتى سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوّجها، فقال: إنّها لا تَحلّ لي، فأراد أن يتزوّج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ابنته الأخرى، فاشتبه على الراوي، وذهب وهمه إلى أنّها أمّ حبيبة، وهذه التسمية من غلط بعض الرواة، لا من قول أبي سفيان.

لكن يردّ هذا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: نعم، وأجابه إلى ما سأل، فلو كان المسؤول أن يزوّجه أختها لقال: إنّها لا تحلّ لي، كما قال ذلك لأمّ حبيبة، ولولا هذا لكان التأويل في الحديث من أحسن التأويلات.

وقالت طائفة: لم يتّفق أهل النقل على أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تزوّج أمّ حبيبة رضي الله تعالى عنها، وهي بأرض الحبشة، بل قد ذكر بعضهم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تزوّجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، حكاه أبو محمد المنذريّ، وهذا من أضعف الأجوبة، لوجوه:

أحدها: أنّ هذا القول لا يعرف به أثر صحيح ولا حسن، ولا حكاه أحد ممّن يعتمد على نقله.

الثاني: أنّ قصّة تزوّج أمّ حبيبة وهي بأرض الحبشة قد جرت مجرى التواتر، كتزويجه صلّى الله عليه وسلّم خديجة بمكّة، وعائشة بمكّة، وبنائه بعائشة رضي الله عنها بالمدينة، وتزويجه حفصة رضي الله عنها بالمدينة، وصفيّة رضي الله عنها عام خيبر، وميمونة رضي الله عنها في عمرة القضيّة، ومثل هذه الوقائع شهرتها عند أهل العلم موجبة لقطعهم بها، فلو جاء سند ظاهر الصحّة يخالفها عدّوه غلطا، ولم يلتفتوا إليه، ولا يمكنهم مكابرة نفوسهم في ذلك.

الثالث: أنّه من المعلوم عند أهل العلم بسيرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأحواله أنّه لم يتأخّر نكاح أمّ حبيبة إلى بعد فتح مكّة، ولا يقع ذلك في وهم أحد منهم أصلا.

الرابع: أنّ أبا سفيان لمّا قدم المدينة دخل على ابنته أمّ حبيبة، فلمّا ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طوته عنه، فقال: يا بنيّة، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: والله بل هو فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. 

قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شرّ، وهذا مشهور عند أهل المغازي والسير، وذكره ابن إسحاق وغيره في قصّة قدوم أبي سفيان المدينة لتجديد الصلح.

الخامس: أنّ أمّ حبيبة رضي الله عنها كانت من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش، ثمّ تنصّر زوجها، وهلك بأرض الحبشة، ثمّ قدمت هي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الحبشة، وكانت عنده ولم تكن عند أبيها، وهذا ممّا لا يشكّ فيه أحد من أهل النقل.

ومن المعلوم أنّ أباها لم يسلم إلّا عام الفتح، فكيف يقول: عندي أجمل العرب أزوّجك إيّاها؟ وهل كانت عنده بعد هجرتها وإسلامها قطّ ؟ فإن كان قال له هذا القول قبل إسلامه، فهو محال، فإنّها لم تكن عنده، ولم يكن له ولاية عليها أصلا، وإن كان قاله بعد إسلامه فمحال أيضا، لأنّ نكاحها لم يتأخّر إلى بعد الفتح.

فإن قيل: بل يتعيّن أن يكون نكاحها بعد الفتح، لأنّ الحديث الذي رواه مسلم صحيح، وإسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها وهي بأرض الحبشة من رواية محمد بن إسحاق مرسلا، والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيد ابن إسحاق، فكيف بمراسيله؟ فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة؟ وهذه طريقة لبعض المتأخّرين في تصحيح حديث ابن عباس هذا.

فالجواب من وجوه:

أحدها: أنّ ما ذكره هذا القائل إنّما يمكن عند تساوي النقلين؛ فيرجّح بما ذكره، وأمّا مع تحقيق بطلان أحد النقلين وتيقّنه فلا يلتفت إليه، فإنّه لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي وأحوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ نكاح أمّ حبيبة لم يتأخّر إلى بعد الفتح، ولم يقله أحد منهم قطّ، ولو قاله قائل لعلموا بطلان قوله، ولم يشكّوا فيه.

الثاني: أنّ قوله: إنّ مراسيل ابن إسحاق لا تقاوم الصحيح المسند ولا تعارضه.

فجوابه: أنّ الاعتماد في هذا ليس على رواية ابن إسحاق وحده لا متّصلة ولا مرسلة، بل على النقل المتواتر عند أهل المغازي والسير “أنّ أمّ حبيبة هاجرت مع زوجها، وأنّه هلك نصرانيّا بأرض الحبشة، وأنّ النجاشيّ زوّجها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، و أمهرها من عنده، وقصّتها في كتب المغازي والسير”، وذكرها أئمّة العلم، واحتجّوا بها على جواز الوكالة في النكاح.

قال الشافعي في رواية الربيع، في حديث عقبة بن عامر، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا أنكح الوليّان فالأوّل أحقّ.

قال: فيه دلالة على أنّ الوكالة في النكاح جائزة…، مع توكيل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن أميّة الضمريّ، فزوّجه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان.

وقال الشافعي في كتابه الكبير أيضا، رواية الربيع: ولا يكون الكافر وليّا لمسلمة وإن كانت ابنته، قد زوّج ابن سعيد بن العاصّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وأبو سفيان حيّ، لأنّها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم، ولا أعلم مسلما أقرب بها منه، ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية، لأنّ الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين، والمواريث والعقل وغير ذلك.

وابن سعيد هذا الذي ذكره الشافعي هو خالد بن سعيد بن العاص، ذكره ابن إسحاق، وغيره، وذكر عروة والزهريّ أنّ عثمان بن عفّان هو الذي ولي نكاحها، وكلاهما ابن عمّ أبيها، لأنّ عثمان هو ابن عفّان بن أبي العاصّ بن أميّة، وخالد هو ابن سعيد بن العاصّ بن أميّة، وأبو سفيان هو ابن حرب بن أميّة.

والمقصود أنّ أئمّة الفقه والسير ذكروا أنّ نكاحها كان بأرض الحبشة، وهذا يبطل وهم من توهّم أنّه تأخّر إلى بعد الفتح، اغترارا منه بحديث عكرمة بن عمّار.

الثالث: أنّ عكرمة بن عمّار راوي حديث ابن عبّاس هذا قد ضعّفه كثير من أئمّة الحديث، منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: ليست أحاديثه بصحاح، وقال الإمام أحمد أحاديثه ضعاف.

وقال أبو حاتم: عكرمة هذا صدوق، وربّما وهم، وربما دلّس، وإذا كان هذا حال عكرمة فلعلّه دلّس هذا الحديث عن غير حافظ، أو غير ثقة، فإنّ مسلما في صحيحه: رواه عن عبّاس بن عبد العظيم، عن النضر بن محمّد، عن عكرمة بن عمّار، عن أبي زميل، عن ابن عبّاس، هكذا معنعنا.

ولكن قد رواه الطبراني في معجمه، عن عكرمة بن عمّار، حدّثنا أبو زميل، قال: حدّثني ابن عبّاس، فذكره.

وقال أبو الفرج بن الجوزي في هذا الحديث: هو وهم من بعض الرواة، لاشكّ فيه ولا تردّد، وقد اتّهموا به عكرمة بن عمّار راوي الحديث، قال: وإنّما قلنا: إنّ هذا وهم لأنّ أهل التاريخ أجمعوا على أنّ أمّ حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش، وولدت له وهاجر بها، وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثمّ تنصّر، وثبتت أمّ حبيبة على دينها، فبعث رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم  إلى النجاشي يخطبها عليه، فزوّجه إيّاها وأصدقها عن رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة؛ وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فثنت بساط رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم  حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أنّ أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكّة سنة ثمان، ولا يعرف أنّ رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم  أمّر أبا سفيان، آخر كلامه.

وقال أبو محمد بن حزم: هذا حديث موضوع، لا شكّ في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عمّار، ولم يختلف في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوّجها قبل الفتح بدهر، وأبوها كافر.

فإن قيل: لم ينفرد عكرمة بن عمّار بهذا الحديث، بل قد توبع عليه، فروى الطبراني في معجمه عن أبي زميل الحنفي، قال: حدّثني ابن عبّاس، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يفاتحونه فقال: يا رسول الله، ثلاث أعطنيهنّ؛ الحديث.

فهذا إسماعيل بن مرسال قد رواه عن أبي زميل، كما رواه عنه عكرمة بن عمّار، فبرئ عكرمة من عهدة التفرّد به.

قيل: هذه المتابعة لا تفيده قوّة، فإنّ هؤلاء مجاهيل لا يعرفون بنقل العلم، ولا هم ممّن يحتجّ بهم، فضلا عن أنّ تقدّم روايتهم على النقل المستفيض المعلوم عند خاصّة أهل العلم وعامّتهم، فهذه المتابعة إن لم تزده وهنا لم تزده قوّة، وبالله التوفيق.

وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري رحمهما الله تعالى: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يزوّجه أمّ حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة، وهو كافر، حين سمع نعي زوج أمّ حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمعهما الراوي.

وهذا أيضا ضعيف جدّا، فإنّ أبا سفيان إنّما قدم المدينة آمنا بعد الهجرة في زمن الهدنة قبيل الفتح، وكانت أمّ حبيبة أنداك من نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلّا مع الأحزاب عام الخندق، ولولا الهدنة والصلح الذي كان بينهم وبين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقدم المدينة، فمتى قدم وزوّج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّ حبيبة؟ فهذا غلط ظاهر.

وأيضا فإنّه لا يصحّ أن يكون تزويجه إيّاها في حال كفره، إذ لا ولاية له عليها، ولا تأخّر ذلك إلّا بعد إسلامه، لما تقدّم، فعلى التقديرين لا يصحّ قوله: أزوّجك أمّ حبيبة.

وأيضا فإنّ ظاهر الحديث يدلّ على أنّ المسائل الثلاثة وقعت منه في وقت واحد، وأنّه قال: ثلاث أعطنيهنّ.. الحديث، ومعلوم أنّ سؤاله تأميره، واتّخاذ معاوية كاتبا إنّما يتصوّر بعد إسلامه، فكيف يقال: بل سأل بعض ذلك في حال كفره، وبعضه هو مسلم؟ وسياق الحديث يردّه.

وقالت طائفة: بل يمكن حمل الحديث على محمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعا، إذ القول بأنّ في صحيح مسلم حديثا موضوعا ممّا ليس يسهل.

قال: ووجهه أن يكون معنى “أزوّجكها” أرضى بزواجك بها، فإنّه كان على رغم منّي، وبدون اختياري، وإن كان نكاحك صحيحا، لكن هذا أجمل وأحسن وأكمل لما فيه تأليف القلوب، قال: وتكون إجابة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنعم كانت تأنيسا له، ثمّ أخبره بعد بصحّة العقد، فإنّه لا يشترط رضاك ولا ولاية لك عليها، لاختلاف دينكما حالة العقد. قال: وهذا ممّا لا يمكن دفع احتماله. 

ولا يخفى شدّة بعد هذا التأويل من اللفظ، وعدم فهمه منه؛ فإنّ قوله: “عندي أجمل العرب أزوّجكها”، لا يفهم منه أحد أن زوّجتك التي هي في عصمة نكاحك أرضى زواجك بها، ولا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: نعم، فإنّه إنّما سأل من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمرا تكون الإجابة إليه من جهته صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا رضاه بزواجه بها فأمر قائم بقلبه هو، فكيف يطلبه من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

ولو قيل: طلب منه أن يقرّه على نكاحه إيّاها، وسمّى إقراره نكاحا، لكان مع فساده أقرب إلى اللفظ.

وكلّ هذه تأويلات مستكرهة في غاية المنافرة للفظ، ولمقصود الكلام.

وقالت طائفة: كان أبو سفيان يخرج إلى المدينة كثيرا فيحتمل أن يكون جاءها وهو كافر، أو بعد إسلامه حين كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم آلى من نسائه شهرا واعتزلهنّ، فتوهّم أنّ ذلك الإيلاء طلاق كما توهّمه عمر رضي الله عنه، فظنّ وقوع الفرقة به، فقال هذا القول للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، متعطّفا له ومتعرّضا، لعلّه يراجعها، فأجابه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنعم، على تقدير: إن امتدّ الإيلاء، أو وقع طلاق، فلم يقع شيء من ذلك.

وهذا أيضا في الضعف من جنس ما قبله، ولا يخفى أنّ قوله: “عندي أجمل العرب وأحسنه أزوّجك إيّاها”، أنّه لا يفهم منه ما ذكر من شأن الإيلاء ووقوع الفرقة به، ولا يصحّ أن يجاب بنعم، ولا كان أبو سفيان حاضرا وقت الإيلاء أصلا، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اعتزل في مشربة له، حلف ألا يدخل على نسائه شهرا، وجاء عمر بن الخطّاب فاستأذن في الدخول عليه مرارا فأذن له في الثالث، فقال: أطلّقت نساءك؟ فقال: لا، فقال عمر: الله أكبر، واشتهر عند الناس أنّه لم يطلّق نساءه، وأين كان أبو سفيان حينئذ؟

ورأيت للشيخ محبّ الدين الطبري كلاما على هذا الحديث، قال في جملته: يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك كلّه قبل إسلامه بمدّة تتقدّم على تاريخ النكاح، كالمشترط ذلك في إسلامه، ويكون التقدير: ثلاث إن أسلمت تعطنيهنّ: أمّ حبيبة أزوّجكها، ومعاوية يسلم فيكون كاتبا بين يديك، وتؤمّرني بعد إسلامي فأقاتل الكفّار، كما كنت أقاتل المسلمين.

وهذا باطل أيضا من وجوه:

أحدها: قوله: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه.

فقال: يا نبيّ الله ثلاث أعطنيهنّ. فيا سبحان الله، هذا يكون قد صدر منه وهو بمكّة قبل الهجرة، أو بعد الهجرة، وهو يجمع الأحزاب لحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أو وقت قدومه المدينة وأمّ حبيبة عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا عنده؟ 

فما هذا التكلّف البارد؟ وكيف يقول وهو كافر: حتى أقاتل المشركين كما كنت أقاتل المسلمين؟ 

وكيف ينكر جفوة المسلمين له وهو جاهد في قتالهم وحربهم وإطفاء نور الله سبحانه وتعالى؟ 

وهذه قصّة إسلام أبي سفيان معروفة، لا اشتراط فيها ولا تعرّض لشيء من هذا.

وبالجملة فهذه الوجوه وأمثالها ممّا يعلم بطلانها واستكراهها وغثاثتها، ولا تفيد الناظر فيها علما، بل النظر فيها والتعرّض لإبطالها من مثابرات العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فالصواب أنّ الحديث غير محفوظ، بل وقع فيه تخليط، والله أعلم.

وهي التي أكرمت فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجلس عليه أبوها لمّا قدم المدينة، وقالت: إنّك مشرك، ومنعته من الجلوس عليه.

أمّ سلمة رضي الله عنها:

 وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّ سلمة، واسمها هند بنت أبي أميّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد.

توفّيت سنة اثنين وستين، ودفنت بالبقيع، وهي آخر أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم موتا، وقيل: بل ميمونة.

ومن خصائصها: أنّ جبرائيل دخل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي عنده، فرأته في صورة دحية الكلبي، ففي صحيح مسلم: عن أبي عثمان، قال: أنبئت أنّ جبرائيل أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعنده أمّ سلمة، قال: فجعل يتحدّث، ثمّ قام، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّ سلمة: من هذا؟ أو كما قال قالت: هذا دحية الكلبي.

قالت: أيم الله ما حسبته إلّا إيّاه، حتى سمعت خطبة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يخبر خبرنا أو كما قال. 

قال سليمان التيميّ: فقلت لأبي عثمان: ممّن سمعت هذا الحديث؟ قال: من أسامة بن زيد.

وزوّجها ابنها عمر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وردّت طائفة ذلك: بأنّ ابنها لم يكن له من السنّ حينئذ ما يعقل به التزويج، وردّ الإمام أحمد ذلك وأنكر على من قاله.

ويدلّ على صحّة قوله ما روى مسلم في صحيحه: أنّ عمر بن أبي سلمة ابنها سأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن القبلة للصائم، فقال: سل هذه؟ ، يعني أمّ سلمة، فأخبرته أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعله.

فقال: لسنا كرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحلّ الله لرسوله ما شاء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّي أتقاكم لله وأعلمكم به أو كما قال، ومثل هذا لا يقال لصغير جدّا، وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة.

وقال البيهقي: وقول من زعم أنّه كان صغيرا دعوى، ولم يثبت صغره بإسناد صحيح.

وقول من زعم أنّه زوّجها بالبنوّة، مقابل بقول من قال: إنّه زوّجها بأنّه كان من بني أعمامها، ولم يكن لها وليّ هو أقرب منه إليها، لأنّه عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأمّ سلمة: هند بنت أبي أميّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

وقد قيل: إنّ الذي زوّجها هو عمر بن الخطاب، لا ابنها، لأنّ في غالب الروايات: قم يا عمر فزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعمر بن الخطاب هو كان الخاطب.

وردّ هذا بأنّ في النسائي: فقالت لابنها عمر: قم فزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وأجاب شيخنا أبو الحجاج المزّيّ الحافظ بأنّ الصحيح في هذا، قم يا عمر، فزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وأمّا لفظ: “ابنها” فوقعت من بعض الرواة؛ لأنّه لمّا كان اسم ابنها “عمر” وفي الحديث: قم يا عمر فزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ظنّ الراوي أنّه ابنها، وأكثر الروايات في المسند وغيره: “قم يا عمر” من غير ذكر “ابنها” قال: ويدلّ على ذلك أنّ ابنها عمر كان صغير السنّ، لأنّه قد صحّ عنه أنّه قال: كنت غلاما في حجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك.

وهذا يدلّ على صغر سنّه حين كان ربيب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والله أعلم.

وذكر ابن إسحاق: أنّ الذي زوّجها ابنها سلمة بن أبي سلمة والله أعلم.

 زينب بنت جحش رضي الله عنها:

وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش من بني خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر، وهي بنت عمّته أميمة بنت عبد المطّلب، وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة، فطلّقها، فزوّجها الله إيّاه من فوق سبع سماوات، وأنزل عليه: فلمّا قضى زيد منها وطرا زوجناكها [الأحزاب: 37]، فقام فدخل عليها بلا استئذان.

وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقول: زوّجكنّ أهاليكنّ، وزوّجني الله من فوق سبع سماواته، وهذا من خصائصها، توفّيت بالمدينة سنة عشرين ودفنت بالبقيع.

زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها:

وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت خزيمة الهلالية، وكانت تحت عبد الله بن جحش، تزوّجها سنة ثلاث من الهجرة، وكانت تسمّى أمّ المساكين، لكثرة إطعامها المساكين، ولم تلبث عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا يسيرا شهرين أو ثلاثة وتوفّيت رضي الله عنها.

جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:

وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جويرية بنت الحارث، من بني المصطلق، وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيس، فكاتبها، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابتها، وتزوّجها سنة ستّ من الهجرة، وتوفّيت سنة ستّ وخمسين.

وهي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق، وقالوا: أصهار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان ذلك من بركتها على قومها.

صفيّة بنت حييّ رضي الله عنها:

وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صفيّة بنت حييّ من ولد هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، سنة سبع، فإنّها سبيت من خيبر، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق، فقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، توفّيت سنة ستّ وثلاثين، وقيل: سنة خمسين.

ومن خصائصها: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعتقها وجعل عتقها صداقها، قال أنس: “أمهرها نفسها”.

وصار ذلك سنّة للأمّة إلى يوم القيامة، يجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها، وتصير زوجته، على منصوص الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

روى الترمذيّ عن أنس، قال: بلغ صفيّة أنّ حفصة قالت: صفيّة بنت يهوديّ، فبكت، فدخل عليها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ ، قالت: قالت لي حفصة: إني ابنة يهودي، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّك لابنة نبيّ، وإنّ عمّك لنبيّ، وإنّك لتحت نبيّ، فبم تفخر عليك؟  ثمّ قال: اتّق الله يا حفصة، قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه.

وهذا من خصائصها رضي الله عنها.

ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها:

وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوّجها بسرف وبنى بها بسرف، وماتت بسرف، وهو على تسعة أميال من مكّة، وهي آخر من تزوّج من أمّهات المؤمنين رضوان الله عليهنّ، وتوفيت سنة ثلاث وستّين، وهي خالة عبد الله بن عبّاس رضي الله تعالى عنهما؛ فإنّ أمّه أمّ الفضل بنت الحارث، وهي خالة خالد بن الوليد أيضا، وهي التي اختلف في نكاح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هل نكحها حلالا أو محرما؟ 

فالصحيح أنّه تزوّجها حلالا، كما قال أبو رافع السفير في نكاحها، وقد بيّنت وجه غلط من قال: نكحها محرما، وتقديم حديث من قال: “تزوّجها حلالا” من عشرة أوجه مذكورة في غير هذا الموضع.

فهؤلاء جملة من دخل بهنّ من النساء، وهنّ إحدى عشرة رضي الله عنهنّ.

قال الحافظ أبو محمد المقدسي وغيره: وعقد صلّى الله عليه وسلّم على سبع ولم يدخل بهنّ.

فالصلاة على أزواجه تابعة لاحترامهنّ وتحريمهنّ على الأمّة، وأنّهنّ نساؤه صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا والآخرة، فمن فارقها في حياتها، ولم يدخل بها، لا يثبت لها أحكام زوجاته اللاتي دخل بهنّ، ومات عنهنّ، صلّى الله عليه وعلى آله وأزواجه وذرّيته وسلّم تسليما.

كتبه: ابن قيّم الجوزيّة

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.