يتناول هنا الدكتور مصطفى أبو سعد موضوع أطفالنا والحاجة إلى الاعتبار و المحبة و التقدير و يفصّل في هذه المفاهيم.

الاعتبار هو أوّل حاجة للطفل وهو يجتاز مراحل نموّه النفسي والجسمي، وأوّل نتيجة لنزوع الطفل نحو الاستقلالية والاعتماد على نفسه والشعور بقدراته الذاتية.

كثيراً ما يلجأ الطفل إلى سلوكيات عديدة تكون أحياناً مزعجة للأسرة ولسان حاله ودافعه الأساس إليها هو أن يلاحظه المحيطون به وأن يعترفوا بكونه شخصاً مستقلاً له كيانه وقيمته الخاصّة به.

إنّ الثقة بالنفس والشعور بالقيمة الذاتية هما أمران أساسيان لتشكيل الشخصية المتكاملة للطفل، ولا يتمّ ذلك أبداً إذا كان ينتابه شعور بقلّة وضآلة قيمته، أو كونه لا ينجز شيئاً يذكر.

كما أنّ مركّب النقص وانعدام الثقة بالنفس قد يصيبان الطفل مبكّراً إذا لم يجد من يشبع حاجته إلى الاعتبار، و من يقدّره ويحبّه ويعترف بإنجازاته وقدراته.

وسائل يلجأ إليها الطفل لإشباع حاجته إلى الاعتبار: قد يلجأ الطفل إلى العديد من السلوكيات المزعجة ليثير اهتمام الوالدين، ولذا يجبّ فهم السلوك ومحاولة معرفة دوافعه النفسية لمعالجة أصل المشكلة وليسَ أعراضها.

ومن هذه السلوكيات التي تكون الحاجة إلى الاعتبار إحدى أهمّ دوافعها ما يلي:

 1. العناد: بشكله الإيجابي أو السلبي من معارضة واضحة لرغبات الوالدين، أو معارضة مستترة كالنسيان، وعدم سماع الكلام، والتمارض.

2. التخريب: تخريب الأشياء المحيطة به لإثارة الانتباه إليه.

 3. قلّة الأكل: إذا كان ذلك يقلق الوالدين ويثير اهتمامهما.

 4. الصراخ لإثارة الانتباه

 5. إزعاج الضيوف أو الأجانب في البيت: تكون قمة إزعاجه لأسرته في اللجوء إلى سلوك مزعج أمام الضيوف، أو في الأماكن العمومية أمام الناس.

6. الكذب الخيالي: يدّعي الطفل أنّه حقّق أشياء كثيرة ليحصل على الاعتبار.

وهذه سلوكيات تحتاج إلى الانتباه، وتدارك أسبابها ودوافعها، ولا ينبغي أبداً مواجهتها بالتجاهل، ولا بالضرب والعقاب إذا بها تستفحل وتتطور أكثر.

 ملاحظاتٌ مهمَّة:

أ- لا تجعل ابنك مركز اهتمامك: دعوتنا إلى الاهتمام بالطفل و سدِّ حاجته إلى الاعتبار لا تعني أبدا أن نجعل منه مركزا للاهتمام داخل الأسرة وإلا فإنّه ينشأ على الدلال الزائد والأنانية، و يصاب الوالدين بالقلق والشعور بالذنب تجاه الأبناء، وهذا يؤثّر سلباً على العلاقات الزوجية.

ب- لا تكلّف الطفل أكثر ممّا يطيق: من الأخطاء الشائعة في التربية، و حبّا في إشباع الاعتبار لدى الطفل قد يطلبُ البعضُ من الطفل أداء أدوار من هم أكبر سنّا، أو القيامُ بأنواع اللعب التي لا تناسب قدراته.

و لكنَّ هذه الطرق تصيب الأطفال بمشاعر الخيبة والإحباط، وقلّة الثقة بالنفس.

ومن هذه الأعمال المضرَّة أيضاً محاولات تحفيظ الأطفال كلاماً أو عبارات لا تناسب قدراتهم العقلية.

ج- لا تقارن بين الطفل وغيره: لا تبالغ في مدحِ طفلٍ آخر أمام ابنك حتى لو كان أخاه وحاول أن تجد لدى الطفل ما يستحقّ عليه الثناء والمدح والاعتبار مهما صغر الأمر لئلا يصاب بالإحباط وحتى لا تزرع لديه الكره والضغينة تجاه إخوته.

ثمانُ خطوات لبناء الشعور بالاعتبار:

 1. امنح ابنك وقتاً: إنَّ تخصيص وقت أساسي للطفل هو ضروري لإشباع حاجته إلى الاعتبار، ولذلك أصغ إليه حين يكلّمك، واترك ما بيدك لتردّ عليه، اجلس معه واسمعه وحاوره.

مرّة رأى ولد صغير أباه يلمع سيارته، فسأله: بابا إنّ سيارتك تساوي الكثير، أليس كذلك؟

فأجابه الأب: أجل، و إنها تساوي أكثر إذا اعتنينا بها، فعندما نبيعها تحرز ثمناً أغلى.

 فأطرق الصبيّ لحظة ثم قال: بابا أعتقد أنّني لا أساوي كثيراً.

 2. اشعر بقيمتك الذاتية: احترم نفسك وذاتك، واشعر بقيمتك الذاتية حتى تستطيع نقل الاعتبار إلى ابنك.

 3. امنح ابنك الحرية: لا تتصرّف عوضاً عن ابنك، ولا تقم بالأعمال بدلاً عنه، ولا تتكلّم على لسانه.

دعه يتكلّم من عنده، ويتصرّف في أموره بكامل حرّيته وضمن رقابة والديه.

عندما نتصرّف بدلاً عن الطفل فإنّنا نعبّر له عن ضآلة أهمّيته وقلّة قدراته.

 4. دع ابنك يختار: حرّية الاختيار حينما تمنح للطفل تشعره بأهمّيته، وتردّ إليه الاعتبار وتحسّسه بالمسؤولية، فلذلك دعه يختار من نوع الملابس التي تعجبه هو، ودعه يأكل ما يشتهي و يختار من اللعب التي يحبّها مع رضاك عنها.

 5. احترم رأيه: الطفل يتدخّل ويدلي برأيه كثيراً.

مهما كان رأي الطفل عليكَ أن تشعره بأهمّيته من خلال حسنِ استماعك إليه.

ناقشه وأقنعه ولا تسفّه كلامه و آراءه، أو تستهزئ به حتى لا تصيبه بالخيبة والإحباط.

 6. كلّف ابنك ببعض المسؤوليات: يشعر الطفل بأهمّيته حينما تكلّفه ببعض المسؤوليات المحبّبة إليه، والمراعية لقدراته، فيشعر أنّ أسرته بحاجة إليه وأنّه إنسان مهمّ وله قدرات وإمكانات وباستطاعته أن ينجز أشياء مهمّة.

 7. امدح ابنك: كلّما قام الطفل بإنجاز امدحه؛ فذلك يثبّت الخير لديه، ويعطيه إحساسا بأهمّيته.

8. افتخر بابنك أمام الناس: كلّما تحدّثت عن الطفل أمام الناس بالخير وعرّفتهم عليه وعلى إنجازاته، كلّما شجّعته أكثر على الإنجاز، وثبتَّ عنده شعوراً قوياً بالاعتبار.

الحاجة إلى المحبّة: من حاجات الطفل الأساسية الشعور بالمحبّة. و هي حاجة نفسية إنسانية تحقّق الأمن والطمأنينة للطفل و تشبع غرائزه الذاتية التي فطره الله سبحانه عليها.

وحاجة الطفل إلى المحبّة لا تقلّ أهمّية عن حاجته إلى الطعام، ولذلك نجد الإنسان عبر مراحل عمره يبحث عن بناء علاقات إنسانية توفّر له هذه الحاجة ويشعر من خلالها أنّه محبوب.

إنّ الشعور بالانتماء لدى الطفل منذ بداية إدراكه لا يتحقّق إلا بإبداء المحبّة له، وتوفير جوّ من الإحساس بالأمن والطمأنينة داخل الأسرة كأوّل خليّة إنسانية تحقّق للطفل حقّ الانتماء.

هل نحبّ أبناؤنا؟ سؤال وجيه لو وجّهناه للآباء لكان الجواب الطبيعي هو بالتأكيد نحبّ أبناءنا، ولكن الأسئلة المهمّة هي:

  1. هل تعبّر لابنك عن محبّتك؟

 2. كيف تعبر لابنك عن محبتك؟

3. هل يعلم ابنك أنّك تحبّه؟

وهذه هي الأسئلة المهمّة التي ينبغي التركيز عليها.

 علّم ابنك المحبّة بمحبّته: يكتسب الطفل المحبّة من خلال العاطفة والدفء الأسري من حوله.

و إبداء المحبّة للطفل يعلّمه كيف يحبّ ويبني عاطفته، ويساهم في نموّه السليم من جميع النواحي.

كما أنّ حرمان الطفل من عاطفة المحبّة منذ صغره يؤدّي إلى انعكاسات خطيرة على شخصيته تبدأ من ميول إلى الانحراف، أو التقوقع والانطواء على الذات، وقد تنتهي إلى موت الطفل، وهذا ما أكّده العلم كثيراً.

إنّ الحرص على الرضاعة الطبيعية للطفل هو حرص لا يأتي من باب مزايا حليب الأمّ و حسب، و لكن من باب العاطفة القويّة التي تنقلها الأمّ وتعبّر بها للطفل عن المحبّة من خلال ضمّه واحتضانه والاحتكاك به.

وكلّما تلقّى الطفل المحبّة من محيطه، كلّما تعلّم كيف يحبّ، وتظلّ استجابته تتنامى مع نموّه.

إنَّ قوّة الأب في قوّة عاطفته وليس في قسوته.

 أربع خطوات لبناء المحبّة لدى ابنك:

 1. عبّر لابنك عن محبّتك له: إنّ المحبّة إحساس وشعور، وحقيقة هذا الإحساس تنبع من القدرة على نقله لمن تحبّ.

فلا يكفي أن يحبّ الوالد أبناءه، ولكن لابدّ من أن يفصح لهم عن المحبّة وينقلها لهم عملياً من خلال التعبير اللفظي “أحبّك ابني” أو من خلال التعبير غير المباشر من خلال المعانقة والمداعبة وإمساك اليد وتربيت الكتف واللمسة الحنونة والابتسامة الهادئة والنظر المباشر.

ومهمّ جداً أن تصل محبّة الوالد لابنه من خلال القناتين: اللفظية والحركية.

ويمكن تأكيد هذه المحبّة من خلال عادات تكرّسها داخل الأسرة؛ مثل قبلة الصباح، وقبلة المساء، والعودة من المدرسة، والدعاء له بالتوفيق، وغيرها من الآداب التي يمكن ممارستها داخل الأسرة.

من لا يعبّر عن المحبّة لا يحبّ، ولذلك حرص الإسلام في توطيد العلاقات بين الناس أن يخبر الأخ أخاه بأنّه يحبّه في الله.

 2. كن مصغيا جيّداً لابنك: إنّ من أهمّ وسائل التعبير عن المحبّة للطفل أن تبدي اهتمامك به وبكلامه فتعطيه فرصاً للكلام و تحسن الإصغاء إليه.

إنّ فنّ الاستماع للطفل هو أهمّ قناة تنقل أواصر المحبّة بين الوالد وابنه، وبعبّر للطفل عن الاهتمام والانتباه له.

إن الإصغاء للطفل تجعل الآباء قادرين على فهم أبنائهم في كلِّ مراحل عمرهم، ولاسيما عندما يصلون إلى سنّ المراهقة.

إذا استمع الوالدان للولد وهو صغير أصغى الولد لهما عندما يكبر.

 3. أعط ابنك المحبّة أكثر من الهدايا: يحتاج الطفل إلى حنان ومحبّة والديه أكثر من حاجته إلى كثرة الهدايا والمشتريات، فالمحبّة تزرع الطمأنينة وتوطّد العلاقات الأسرية وتدفع عن الطفل هواجس الشعور بكراهيته.

و من مظاهر المحبّة التي تعوِّضُ عن الهدايا المادّية تخصيص أوقاتٍ له، و التحدّث معه، ومشاركته اللعب، و استشارته في بعضِ شؤون الأسرة.

إنّ حاجة الطفل إلى أن يكونَ محبوباً لا يمكن لأيّة هديّة أن تعوّضها.

 4. ثق في ابنك تعبيراً عن محبّتك له: كلّما زادت ثقتك في ابنك وفي قدراته وأخلاقه ومبادئه، كلّما استشعر حقيقة محبّتك له.

وكلّما استشعر الطفل ثقتك به كلّما عمل على احترامها والظهور في مستوى هذه الثقة، وتعلَّمَ المسؤولية والرقابة الذاتية.

وكلّما أظهر الوالد قلّة ثقته بابنه كلَّما دفعه إلى الاحتيال والخداع والظهور بصورتين، أو التظاهر بسلوكيات ترضي الوالد و لكنّها لا تنبع من داخل الطفل.

 ابنك الآن يحبّك؟… عشر علامات للتأكّد من الإجابة:

 1. إذا كنت مثله الأعلى.

2. وصديقه الحميم.

3. و يهمّه رأيك في سلوكه وأعماله.

4. ويفرح بقدومك ويتلهّف لغيابك.

5. إذا ساءه ما يسيئك.

6. وكان حرصه أن يكون دائما بجانبك.

7. إذا استشعر أنّك أكثر من يحبّه.

8. يسعد باللعب معك ومداعبتك.

9. يحرص أن يكلّمك ويعطيك رأيه.

10 يفرح بعناقك.

فاعرف أنّه يحبّك، و ثق في أنّه يعرف أنّك تحبّه.

بقلم د. مصطفى أبو سعد

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.